الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قتيل في بيتي

قتيل في بيتي
10 ابريل 2014 20:38
عادت “نعمة” من عملها منهكة، وهي تمني نفسها بنوم عميق بعد ليلة قضتها في العمل بالمستشفى، الذي تعمل به ممرضة، وتقضي كل أسبوع ليلتين في المناوبة، حملت معها الإفطار الذي اشترته لزوجها، ومعها طفلها الصغير الذي لا تتركه في أي مكان حتى لو كان مع أبيه في البيت، فمازال صغيرا، أكمل عامه الثاني الأسبوع الماضي، لم يحتفل أحد بعيد ميلاده أو يتذكره، لأن هذا ليس من اهتمامات الأسرة، وإنما ما جعلهم يتذكرون بعده بثلاثة أيام الإخطار الذي جاءهم من الوحدة الصحية بموعد تطعيمه الدوري. بصعوبة تخطو نعمة أمام البيت تعد الخطوات المتبقية من الإرهاق، والنوم يكاد يغلبها في الشارع، وقد اعتزمت أن ترتمي على السرير فور وصولها وتترك زوجها اليوم يتناول إفطاره وحده قبل أن يذهب إلى عمله في العاشرة صباحا كالمعتاد، كأن درجات السلم القليلة تزايدت في البناية القديمة، وكأن شقتها الواقعة في الطابق الثالث تم رفعها إلى أعلى. حالة غير طبيعية في النهاية وصلت إلى الشقة، وقفت أمامها وأنزلت طفلها ووضعت الحاجيات التي كانت تحملها على الأرض، تبحث عن المفتاح المعلق في رقبتها وتضعه في الباب، وأخيرا تعثر عليه وتفتح، بمجرد أن تضع قدمها في الداخل، تجد الصالة الصغيرة في حالة غير طبيعية، مقلوبة رأسا على عقب، مع أن الأشياء التي بها قليلة، بضعة مقاعد متهالكة من البلاستيك، ومنضدة من نفس النوع حواملها من المعدن، أكل الدهر عليها وشرب، ولا يجوز أن يطلق عليها قطع أثاث، بالطبع لم تتعود أن تجد هذه القطع مبعثرة بهذا الشكل، وشعرت أن شيئا قد حدث كما تبادر إلى ذهنها أن تكون القطط قد تسللت وتناوشت وأحدثت هذا الوضع الذي من السهل إعادته إلى وضعه خلال دقيقة. زوجها في مثل هذا الوقت يغط في نوم عميق، فهو في الغالب يسهر مع أصدقائه حتى الفجر كل ليلة، والساعة الآن تقترب من التاسعة صباحا، ويجب أن يستيقظ، أحيانا كثيرة يواجهها بالسباب من إلحاحها عليه، بينما زملاؤه ينتظرونه على المقهى القريب من البيت، ورغم ذلك يعاود السهر كل ليلة ولا يحسب حسابا للعمل، وكثيرا ما يعتذر لهم ويقيم معها مشكلة ثم يحلف بالطلاق ألا يذهب اليوم إلى العمل، ويحملها المسؤولية عن طريقة إيقاظها له، وأصبحت تخاف من هذه اللحظات اليومية، لا تريده أن يتحجج ويواصل نومه، تدخل بحذر وهي تخطط أن توقظه اليوم بطريقة مختلفة بأن تضع ابنهما بجواره، ربما يداعبه وتفوت عليه الفرصة في الشجار. لم تفق بعد من هذه الأفكار، وضعت الأشياء في المطبخ، بينما طفلها يبكي يريدها أن تحمله ويمد إليها يديه فتلتقطه، وتواصل سيرها إلى الداخل، تفاجأ بأن كل المفروشات مبعثرة وزوجها غير موجود، لا بد أنه تشاجر مع آخرين وحدث ما حدث، لكن من هؤلاء الذين جاء بهم إلى هنا في غيبتها وهو لم يعتد ذلك. الأمر فعلا محير، وبدأ القلق والخوف يتسربان إليها، وتسرع الخطى نحو الغرفة، وتعثر على آثار دماء، يخفق قلبها، بينما يكاد يتوقف عندما تجد جثة داخل “برميل” يستخدمها زوجها في عمله، لم تتبين ملامحها، شكت للحظة أن يكون أحد قد قتل زوجها مستغلا وجوده وحده في هذا الوقت، لكن عندما نظرت إلى وجهه وملابسه تأكدت أن القتيل ليس زوجها وإنما شخص غريب لا تعرفه. مشهد مروع لم تفكر ولم تتمالك أعصابها صرخت، وواصلت الصراخ وهي تنظر من النافذة، وتعود لتحاول الخروج هربا من المكان، فالمشهد يكفي لإثارة الفزع والرعب في نفس أي رجل قوي خاصة مع هول المفاجأة، لم تكن تقول إلا “قتيل.. قتيل”، وتردد الكلمة وهي ترتعد وغير قادرة على السيطرة على أعصابها، وحتى عندما تجمع الجيران، لم يستطيعوا أن يفهموا منها شيئا، كل ما استطاعت أن تفعله أنها أشارت إليهم بسبابتها إلى الداخل، وقد جف ريقها وتشير إلى جارتها بأن تأتيها بكوب ماء، ويدخل الرجال إلى الغرفة، وهم أيضا يصابون بالرعب من ذلك الرأس المدلى خارج البرميل، بعضهم لم يحتمل إدامة النظر وتراجعوا، وآخرون حاولوا أن يتعرفوا على القتيل ولكن عن بعد، وتم إبلاغ الشرطة بالعثور على جثة رجل مجهول داخل الشقة. الآن فقط تنبه الحاضرون إلى أن “حسني” صاحب الشقة غير متواجد، اعتقدوا أنه توجه إلى العمل، سألوا زوجته عنه فقالت إنها لا تعرف أين هو، وأنها حضرت لتوها من عملها وفوجئت بالقتيل في شقتها، مازالت غير قادرة على السيطرة على أعصابها رغم تجمع الجيران ووقوف جاراتها بجانبها يحاولن تهدئتها، لا تعرف كيف تخرج الهاتف المحمول لتتصل بزوجها لتخبره بالمصيبة التي وقعت في بيته، ولا تدري كيف حدث ذلك، وتفشل في محاولة الوصول إلى رقمه، فيلتقطه أحد الجيران من يدها محاولا مساعدتها فهو يشعر بما هي فيه من ارتباك وخوف، ويطلب رقم هاتف زوجها لكن يأتيه الرد بأن الهاتف ربما يكون مغلقا أو خارج نطاق الخدمة، وعندما يحاول عدة مرات متتالية لا يجد إلا نفس الرد. وحضر رجال البوليس وبدأوا التحقيق في الجريمة، والمشكلة الأولى التي واجهتهم أن القتيل مجهول ولا يعرفه أحد من سكان البناية، وصاحب الشقة اختفى في ظروف غامضة، وعليهم أن يبدأوا من حيث جاء البلاغ، الزوجة بالطبع سيوسعون دائرة الشك والاشتباه، وأول ما ذهبت الشكوك اتجهت نحو المرأة المصدومة، فلم لا تكون هي وراء الجريمة وأنها تحاول أن تقوم بتمثيل دور البراءة لتفلت من العقاب؟ لكن المعلومات السريعة تؤكد أنها على خلق ولا يمكن أن ترتكب مثل هذه الجريمة، وثانيا فقد تأكد أنها كانت طوال الليل في عملها ولم تغادره إلا قبل ثلاثين دقيقة هي التي تستغرقها المسافة بين مسكنها وعملها. الأعرج المستغل سرى خبر الجريمة في المنطقة العشوائية، بشوارعها الضيقة وبنايتها غير المرتفعة التي لا تتجاوز ارتفاعاتها أكثر من أربعة طوابق، وكثيرون من الناس هنا يعرفون بعضهم من خلال الجيرة والعمل واللقاءات على المقاهي وفي السوق الذي يقع في وسط المساكن، لذا جاء من تمكن من التعرف على شخصية القتيل إنه “عوض الأعرج”، رجل في الخامسة والخمسين من عمره، خرج على المعاش مبكرا وحصل على مكافأة نهاية الخدمة ولم يتزوج من قبل، معروف بسوء أخلاقه، لكنه مشهور في المنطقة “الأعرج” لأنه يعاني من شلل في إحدى رجليه، بينما سبب شهرته أنه يتعامل بالربا، حيث يقرض المحتاجين ويستغل ظروفهم القاسية التي تضطرهم للجوء إليه فلا يرحمهم ولا يراعي أحوالهم. لكن حسني صاحب الشقة لم يقترض منه من قبل، وليست بينهما معاملات مالية، وحسني جاء إلى هذه المنطقة منذ ستة أشهر فقط، واستأجر هذه الشقة الضيقة هو وزوجته التي التحقت بالعمل في المستشفى بينما هو يعمل “سباكا”، ويتوقف حل اللغز على العثور عليه، إذ لابد أن وراء اختفائه علاقة بالجريمة، لأن النهار قد ودع ولم يظهر ولم يزل هاتفه مغلقا، وخشيت زوجته أن يكون هو الآخر قد تعرض لمكروه، حتى صديقه الذي يعمل معه غير موجود على المقهى ولم يظهر هو الآخر، والأيام تمضي بلا جديد، والزوجة رفضت دخول الشقة مرة أخرى، تخشى أن يخرج لها عفريت القتيل، كل ما فعلته أنها التقطت بعض الملابس الضرورية في وجود عدد من الرجال وكأنها تمشي على شوك. اتصال من مجهول أربعة أيام مضت إلى أن تلقت اتصالا من هاتف مجهول، كان المتحدث زوجها يطلب منها أن تعود هي والصغير إلى بلدته مرة أخرى، إلى أن يأتي إليها هناك وأنه في مهمة عمل، ولم يكمل معها الحوار وأغلق الهاتف ولم تستطع معرفة مكانه، لكن رجال الشرطة كانوا قد رصدوا هذا الاتصال من دون أن يدري الزوجان، لأنهم تأكدوا أنه بالضرورة سيتصل بها وقد صدقت توقعاتهم، وخلال ساعة ألقوا القبض عليه، ودس رأسه بين كفيه، وفي التحقيق جلس يعترف. قال المتهم إنه علم منذ أن جاء إلى هذه المنطقة أن عوض الأعرج رجل ثري ويحتفظ في منزله بأموال كثيرة يقرض منها المحتاجين والمضطرين بالفائدة الربوية، وذات يوم طلبه ليصلح له صنبور المياه وبعض المواسير التي تتسبب في التسريب، ومنذ هذه اللحظة لعب الشيطان برأسه وسيطرت عليه فكرة قتله ويستولي على أمواله، وفكر في البداية أن يقتله في بيته، لكنه تراجع خشية أن يتم التعرف عليه بسهولة، وخطط هو وصديقه لاستدراجه إلى شقته في غياب زوجته في الليل وإنجاز المهمة الإجرامية، ودعاه لقضاء سهرة واستجاب وبعد وصوله بلحظات تم التخلص منه ووضع الجثة في البرميل لكن فشل هو وصاحبه في نقلها إلى أي مكان، فقرر أن يفر بجلده واتصل بزوجته لكي لا تعود إلى البيت، لكن وجد هاتفها مغلقا لأن تعليمات المستشفى تفرض على جميع العاملين غلق الهواتف من أجل راحة المرضى ففشلت خطته كلها. تم حبس الصديقين القاتلين، لكن لا أحد يريد أن يستأجر الشقة، خشية من العفريت، وعادت الزوجة إلى بلدتها تبحث عن عمل لتربي الصغير. أحمد محمد (القاهرة)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©