الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

عندما تكون المنافسة وبالاً

27 يوليو 2008 00:38
كان رجل حكيم يعيش منعزلاً في الجبال، ولأن الجميع كان يقدّره لبصيرته الثاقبة أراد شابان أن يكيدا له، فأخذا معهما عصفوراً ليسألاه إن كان ميتاً فيطلقانه أمامه ليطير أو حيّاً فيضغط حامله عليه بقبضته فيقتله، من أجل إسقاط قدر الحكيم بين الناس وبيان أنهما أذكى منه، وما إن وصلا إليه حتى سألاه إن كان العصفور الذي يخبئه أحدهما خلف ظهره حيّاً أم ميتاً، فابتسم وقال في هدوء ساخر: أنتما من تقرران الجواب· إن محاولة الوصول بحرقة إلى أماكن الأضواء والشهرة تُعمي البعض عن أولويةٍ لا يتحقق نجاح المجموعة إلا بها، ولا يمكن للمؤسسة البقاء في موقع الصدارة إن تلاشت تلك الأولوية من دائرة اهتمام الأفراد، ألا وهي التعاون والتنسيق والمبادرة بمد يد المساعدة لكل جهة تحتاج ذلك دون بحث سطحي عن مجدٍ فردي وفهم خاطئ لمعنى التنافس· إن الناجح هو من يرى لمسات التميز لدى الآخرين فيشد على أيدي أصحابها لعلمه بأنّ ذلك التميز يصب في الصالح العام للمؤسسة، والفاشل هو من يرى ذات الشيء فيقضي وقتاً أطول في محاولة العثور على سقطاتٍ وأخطاء ليقوم بتسريبها حتى لا يخبو نجمه ويصعد نجمُ آخرين، لأنه لا يرى أبعد من نفسه مهما تشدّق بالمصلحة العامة فوق طاولات الاجتماعات· التنافس لا يعني إطلاقاً الإساءة للناجحين والبحث عن سقطاتهم أو محاولة اجترار نجاحاتهم ونسبها لأنفسنا أو القفز دون وعي للقيام بما يقوم به الغير بطريقة أفضل بكثير مما قد نقوم به، وإنه من السهولة بمكان أن يدّعي شخص المعرفة بشؤون الآخرين وموقع اختصاصهم ويبدأ في تكبير الصغائر وتسطيح أسباب المشاكل التي تؤرق البعض الآخر تزلفاً لمدير أو قطعاً لنجاح موهوب، ولو كان صادقاً في ذلك ومقدماً لمصلحة المؤسسة على مآربه الخاصة لسارع بمد يد العون لأولئك الذين ينتقدهم وفهم المشاكل من أرض واقعها بدلاً من أن يدّعي المعرفة وهو في مكتبٍ مكيّف· قبل يومين وصل التنافس (الخارج عن المنطق) بين رجليْ أعمال هنديين لدرجة أن يفوّتا على بلدهما فرصة تكوين أكبر مؤسسة اتصالات في عالم الأسواق الصاعدة عندما رفض أحدهما- والذي يملك حق الرفض في شركة (Reliance Communications) الهندية- مشروع اندماج مع شركة (MTN) الجنوب أفريقية والتي كان من شأنها تأسيس شركة بقيمة سوقية تصل إلى 50 مليار دولار ومجموع مشتركين يقارب 110 ملايين مشترك دون سبب مقنع سوى إفشال مبادرة الآخر لتكوين هذا الاندماج، والمضحك المبكي في آنٍ واحد أن الاثنين أخوان (أنيل وموكيش أمباني)!· إن مفهوم التنافس من أجل الأفضل أمرٌ يحتاج لإعادة تعريف أو تصويب قبل أن يضيع الخيط والمخيط باجتهادات محدودي الرؤية، فتنافس الموظفين أمرٌ إيجابي طالما بقي التعاون والتنسيق والعمل من أجل صالح المؤسسة موجوداً، وتنافس المؤسسات من باب أولى يفقد أحقيته بالوجود عندما لا ترى المؤسسة سوى حصتها السوقية وربحية حملة أسهمها أو تلميع سمعة من يديرها دون اكتراث لأولويات الوطن وثوابته· هذا الفهم الغريب للتنافس لا ينحصر تأثيره في الزمن الآني لكي لا نقلق من سهولة اجتثاثه متى أردنا، إذ إنه سرعان ما يصبح جزءاً من ثقافة مؤسسةٍ ما لا تلبث أن تتأثر به مؤسسات أُخَر وأفراد آخرون ممن يحسب الدقائق لكي يرى أضواء كاميرات التصوير تستقبله أنى ذهب وحيث حلّ، فإن لم يتم توضيح المفاهيم صراحةً فإن الأمل ضعيف في التعافي، وإن لم تتم المتابعة المُصحّحة من قيادات المؤسسات لهذا (النزق) السلوكي فلا فائدة من الحديث عن مستقبل مختلف عن الحاضر، فلا أمان للعصفور إن لم يكن بين كفيْ الرجل الحكيم· عوض بن حاسوم الدرمكي Awad141@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©