الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خورفكان القديمة شموخ البقاء بعد الاندثار

خورفكان القديمة شموخ البقاء بعد الاندثار
3 ابريل 2011 20:18
الزائر لمدينة خورفكان يشعر بروعتها قبل الدخول الى المدينة، ربما قلة من الناس يشعرون بروعة أشعة الشمس التي تنعكس على جبالها وعلى الطريق المؤدية إليها، خاصة أن لخورفكان جمالاً آسراً ينبجس من بين صخور الجبال التي تحيط بمساكن أهلها، ومن البحر الذي يتواصل مع الجبال وكأنه يصافحها، حيث يصبح المشهد حلقة واحدة دائرة تحيط بالمدينة وكأنها عقد من ماء وأحجار. منطقة “الغرب” من خورفكان كانت أصل المدينة قديماً، وهناك الكثير من الأطلال التي بقيت من بيوت الأهالي الذين رحلوا عنها إلى بيوتهم الحديثة، ولكن هناك مجموعة من رجال خورفكان وشبابها يأتون بشكل يومي إلى تلك المنطقة القديمة، حيث يصلون العصر، ويجلسون على جانب قريب من الشارع العام، حيث يضع بعض الرجال كراسيهم أو يفترشون الحُصر. عندما التقينا عبدالله خميس الأحبش من جمعية اتحاد الصيادين في خورفكان، والمسؤول عن التراث في الجمعية قال: إن هذا حال الكثير من الرجال كل يوم، فمنهم من يأتي للجلوس قرب بيوت خورفكان القديمة، ومنهم من يتجمعون للجلوس قرب البحر عند جمعية الصيادين، والبعض يضعون كراسي قرب المساجد ليعيشوا أجواء التواصل ويتحدثون لبعضهم عن كل التفاصيل الصغيرة. قال الأحبش إن هذه المنطقة قد شهدث الكثير من الصراع سواء من الروم أو الفرس ولكن الإسلام طهر المنطقة، وأصبحت أحد المراكز التجارية والملاحية المهمة، وأصبحت سواحل خورفكان منتعشة بصناعة السفن، وبقيت كذلك لفترة طويلة من الزمن. يتابع عبدالله إن رجال خورفكان عاشوا بجانب بعضهم مثل رجل واحد، يتشاركون كل حجر وضع في أكبر أو أصغر منزل بني في خورفكان، منذ عهد ما قبل دخول الغزاة البرتغاليون، وقد أثر دخولهم على المنطقة وحتى على سيادة الملاحة العربية، ولكن بسالة الرجال صمدت في وجه الغزاة بكافة أشكالهم، وقد أرتكبت المذابح البشعة في حق العرب والمسلمين، كما مثلوا بجثث أهالي خورفكان ولكن كان الله قادراً على دحرهم. يكمل أن تلك المطامع والغزو والرغبة في الاستعمار، جعلت من أهل خورفكان أقوى من قبل، كما صنع منهم رجالا في منتهى النباهة والإدراك لما يمكن أن يحدث من أي غريب، ولذلك كانوا في منتهى الحذر، ولكن ذلك لم يطمس طيبتهم وحسن ضيافتهم لمن يأنسوا اليه ولعابري السبيل. بالنسبة لمنطقة خورفكان التي تقع في الغرب، فقد كانت تضم الأسر التي قامت ببناء المنازل حجراً تلو حجر وتشارك الأهالي في تلك العملية، وربطت الجيرة بين الجيران والأقارب علاقات نسب ومصاهرة، وكانت الحياة تعتمد على كد الرجال، ومثل بقية الرجال في مناطق الدولة المختلفة، كان الكثيرون يعملون في صيد الأسماك وهناك عدد يذهب في سفن الغوص لصيد اللؤلؤ كما عمل البعض في بيع وتجارة اللؤلؤ أو صناعة السفن، وبقي الكثيرون أيضا ليعملوا في البيع والشراء والزراعة البسيطة. يكمل عبدالله أن البعض أصبح يزرع النخيل والليمون واللوز والتين، وحتى البرتقال كان يزرع منذ القدم في خورفكان ومنه ما يسمى الحامض حلو، ومن أجمل العادات التي لا تزال باقية الى اليوم وهي قوية، أن كل الأهالي باختلاف أسماء القبائل يؤمنون أنهم أهل، ولذلك عندما كانت تبنى خورفكان قديماً تم جمع الأحجار الصخرية من الجبال القريبة جداً من المساكن التي تم بناؤها، بالتعاون ما بين الأهالي وليس عن طريق الأجر. ويشرح عبدالله عمليات البناء بقوله: عمليات البناء كانت تستغرق وقتاً طويلاً لكسر الصخور وتنسيق حجمها حسب المكان المناسب لموضع الحجر، والخشب كان إما من جذوع النخل أو من أخشاب أشجار أخرى كانت تستورد عبر السفن التجارية، ولم يكن الأهالي يرغبون في مساكن تجعل بينهم حواجز، ولذلك كانت تلك البيوت متقاربة جداً، وبينها دروب صغيرة وضيقة تصل بعضها ببعض، أما الأسرة الواحدة الكبيرة فكانت تفضل أن يكون بين البيت والآخر فرجة صغيرة وهي الفرية بالمحلي وكأن الناس يصنعون مع بعضهم ما يعرف بالانفراج، وكأنهم كالكتاب المفتوح لبعضهم البعض، ومن تلك الفرجة او الفرية يعبرون لبعضهم البعض. الحياة كانت حلوة رغم صعوبة الأعمال بحثاً عن الرزق، وذلك بسبب المحبة التي تعمر القلوب، وهي تخفف من صعوبة وقسوة الحياة، فلم تكن هناك أعمال سهلة وكل مهنة فيها من المخاطر الكثير، خاصة صيد الأسماك وصيد اللؤلؤ، ولكن عند عودة الرجال الى بيوتهم يتواصلون خلال الصلوات الخمس في المساجد، وكان الوقت الذي يلي الصلاة مناسباً لشيء من المحادثة.ويوضح عبدالله أن أفضل وقت للحديث الطويل والأخذ والعطاء مع بعضهم هو في الغالب بعد صلاة العصر وحتى أذان المغرب، ثم بعد صلاة المغرب يتفرق الأهالي ليذهب كل إلى بيته ويتم تناول وجبة العشاء، وفي الغالب يعودون للتسامر بعد صلاة العشاء لبرهة قصيرة. كان الأهالي ينامون باكراً وذلك لأنهم يستيقظون باكراً عند أذان الفجر، وتدب الحياة في المدينة حيث يتوجه الناس الى شؤونهم من أجل الرزق، والبعض منهم يكون مسافراً للتجارة التي كانت إما لأجل شراء المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، وإما تكون لأجل شراء مواد البناء التي تستخدم مع بعض المواد المحلية البسيطة. ميناء خورفكان يفخر عبدالله الأحبش بأن خورفكان قديماً كانت من أشهر الموانئ، التي تلتقي عندها السفن القادمة من أوروبا والتي تأتي من الصين والهند وغيرها محملة بالبضائع، وكانت تلك السفن منبعاً للخير مثلما خورفكان اليوم تجتذب السفن التجارية إلى الميناء الذي يوجد بها، ولكن قديماً عندما كانت السفن تأتي في مواسم الرياح فيها شديدة، فإن تلك السفن الضخمة تبقى بعيداً وتذهب اليها القوارب الصغيرة، والتي يمكن أن تحمل بعض الأشخاص وكذلك تحمل كمية قليلة جداً من المؤن أو البضاعة. أيضا تعد خورفكان مدينة سياحية وقد عرف عنها ذلك المستعمرون، ولذلك طمعوا في المدينة منذ كانت قرية صغيرة، حيث قيل عنها الكثير كمنطقة رائعة تحيط بها المزارع والأشجار، واليوم أصبحت من أجمل المناطق التي تستقطب السياح الذين يأتون في بواخر فندقية ويبقون فيها لأيام تمتد حتى أسابيع. قال عبدالله تلك المعلومة ليصل بنا إلى مغزى مهم وهو أن هؤلاء السياح عندما يخرجون من تلك البواخر ومن المنتجعات المنتشرة إما في خورفكان، فإنهم يتوجهون أولاً إلى خورفكان القديمة التي لم يبق منها إلا تلك الجدران التي احتفظت بشيء من الماضي، كي يأتي القريب والبعيد من أجل مشاهدة تلك الأطلال القديمة التي ضمت أروع الأرواح الرائعة، والتي أنجبت أفضل الرجال وخيرة الشباب.
المصدر: خورفكان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©