الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فخ إلكتروني

فخ إلكتروني
30 مارس 2012
أحمد محمد (القاهرة) - عندما طالع «حسني» بريده الإلكتروني، وجد رسالة جديدة من شخص مجهول لا يعرفه من قبل، اسمه «نيكوشا»، يعرض عليه أولاً أن يقبل مشاركته، وأنه سيحول له مبلغاً ضخماً يزيد على المئتي مليون دولار لاستثماره معاً في المشروعات التي تنفذها شركته في مجالات الاستيراد والتصدير، ولأن هذا المجال واسع ويتم التعامل مع أشخاص من مختلف دول العالم، فلم يهمل الرسالة لأن المبلغ كبير جداً، وسيتيح له توسعة أعماله بشكل كبير وفي مجالات أخرى قد تكون أكثر ربحاً. لم يبادر «حسني» بسرعة الرد إلى حين أن يدرس العرض بشكل جيد وهو رجل متخصص في الاستثمار، وكل اهتماماته بالربح وتكاثر الأموال وحياته كلها تسير بحسابات المكسب والخسارة، ولا يتعجل في اتخاذ القرار، إلا أنه الآن أمام عرض لكي يأخذ لا ليعطي ولا توجد في ذلك أي خسارة ولأنه منشغل، والأمر يحتاج إلى اتفاق ليعرف ما له وما عليه، انتظر إلى أن يكون لديه الوقت الكافي والمناسب. تكررت الرسالة مرة أخرى والمرسل يتعجل الرد بالرفض أو القبول ليحسم أمره إن كان سيلتقي به أم يبحث عن شريك آخر، وتتضمن نفس الكلمات المقتضبة بالمبلغ والشراكة، ولم تتضمن أي تفاصيل، فكان في الأمر غموض يحتاج إلى توضيح وقبل أن يجيب على الرسالة فوجئ باتصال هاتفي على شركته من شخص يتحدث الإنجليزية، ولم يستطع أن يفهم منه ماذا يقصد بالضبط غير أنه صاحب البريد الإلكتروني يريد منه جواباً وتم تحديد موعد للقاء ومناقشة التفاصيل. كان الموعد في اليوم التالي مساءً، وحضر شاب أسمر البشرة تخطى الثلاثين من عمره واضح أنه أفريقي، كما قال وأكد لـ «حسني» أنه كان يقيم في أميركا مع أبيه الذي يعمل مصرفياً، وولد وعاش هُناك طفولته وشبابه وتعلّم وتخرج في الجامعة بعد أن حصل على شهادة في العلوم السياسية، وغادر بعدها إلى بلده، لكن بعد ذلك تعرض أبوه لحادث سطو على منزله وقامت عصابة بقتله للاستيلاء على أمواله إلا أنهم لم يجدوا شيئاً واكتشفت أن أبي أرسل أمواله مع أمي إلى بلادي، وكان المبلغ ضخماً يزيد على المئتين وخمسين مليون دولار سأترك بعضه لأسرتي والباقي سأحضره للاستثمار هُنا. سأل «حسني»، ولكن ما المشكلة؟ أضاف «نيكوشا»: المشكلة أنني لا أستطيع أن أخرج هذه الأموال من بلادي لأن ذلك ممنوع ومخالف للقانون، ويجب أن يتم استثمارها هُناك، والجزء الثاني من المشكلة أنني لا أستطيع أن أثبت مصدر هذه الأموال، وقد أحاسب على حيازتها، وهي في النهاية بحوزتي، وأملكها وغير قادر على التصرف فيها، وأريد أن استغلها واستثمرها من خلال شركتكم. عاد «حسني» يسأل: وماذا يمكنني أن أفعل وكيف أساعدك؟ رد الرجل بكل ثقة أن هُناك مسؤولين سيقومون بإحضار الأموال له إلى هُنا وسط شحنات من العاج إلا أنهم يريدون أولاً خمسين ألف دولار عمولة مقابل النقل، وهو لا يملك هذا المبلغ ويريد ممن يرغب أو يوافق على المشاركة أن يدفع، له ثم يخصم من المبلغ بعد ذلك. لمح «نيكوشا» في عيني «حسني» استغراباً وعدم تصديق لتلك الرواية التي يشعر أنها غير منطقية من أولها إلى آخرها وتثير الشك والريبة فأراد أن يطمئنه من هذه الناحية قبل أن يتفوه بأي كلمة، قال له إنه يريد أن يثبت له بشكل عملي أن كل ما قاله صحيح، وأنه استطاع أن يأتي بخمسة وعشرين مليوناً، من ذاك المبلغ، لكن تم ذلك بطريقة خداعية إذ تم طمس معالم الأوراق المالية بمادة سوداء كي لا يتم كشفها، وأنها الآن بحاجة إلى مادة كيميائية لإزالتها وحتى تعود الدولارات إلى طبيعتها وهذه المادة تزيد قيمتها على الخمسة آلاف دولار وان كان «حسني» لديه استعداد لتحمل تكلفة شراء هذه المادة، فإنه سيحصل على أضعافها. وجد «حسني» أن العرض سخي وربحه مؤكد، لكنه طلب مهلة لدراسة الموضوع من كل جوانبه، خاصة وأنه سمع كثيراً عن عمليات نصب من أشخاص وعصابات أفريقية بطرق مشابهة مثل توليد الدولارات أو النصب بالفيزا كارت أو السطو إلكترونياً على الحسابات المصرفية وبطاقات الائتمان وكلها تتم عن طريق البريد الإلكتروني، لكن الفرق هُنا أن هؤلاء النصابين كانوا أشخاصاً مجهولين ويتعاملون من وراء الحدود ويطلبون تحويل المبالغ المالية لهم مباشرة أو يطلبون أرقام الحساب بحجة التحويل عليها ثم يستولون على المبالغ ويختفون في الفضاء الإلكتروني ويمارسون ألاعيبهم مع أشخاص آخرين وبالطبع لا يفصحون عن شخصياتهم الحقيقية، لكن هُنا فإن «نيكوشا» مختلف لأنه لا يريد أموالاً في يده ولا يطلب شيئاً لنفسه ولا يبدو أنه طامع أو يحاول أن يمارس أي عملية نصب أو احتيال، وقد أبدى حسن النية بأنه سيقدم المال قبل أن يتم تحويل المبلغ الكبير الذي يدير الرؤوس وسيؤدي إلى مضاعفة أنشطة شركته وسيمكنه من العمل في معظم الأسواق العالمية الكبرى. لم يرد «حسني» أن يفصح عن السر حتى إلى المقربين منه ولا العاملين معه، لأنه لا يريد لأي منهم أن يعرف أنه سيقع على كنز ثمين، وقد يطالبونه بنصيب منه، أو يشاركونه فيه، وهو أيضاً يخاف الحسد ويتشاءم إذا عرف أي شخص شيئاً عن نشاطه، ثم إنه لن يخسر كثيراً والمبلغ المطلوب لا يؤثر عنده، بل إنه لا توجد أي خسارة، لأن التجربة ستتم أمام عينيه، وسيحصل على حقه في التو واللحظة، وماذا يمنعه من إبلاغ البوليس إذا شعر بأي خيانة، وفي الحقيقة فإن إحساسه يؤكد له أنه سيخرج من وراء تلك الصفقة بمبلغ ضخم، قد يكون نصيبه منه في النهاية أكثر من مئة مليون دولار، لذا أخفى الأمر حتى عن زوجته التي بطبيعة الحال لا تتدخل في عمله، لكن مبلغاً وموقفاً مثل ذلك يستدعي أن يتحدَّث فيه المرء مع نفسه كثيراً ويبدو قلقاً ويستعجل إنجازه إلا أنه استطاع أن يلجأ إلى الكتمان. التجربة العملية قطعت الشك باليقين، فقد جاء «نيكوشا» بالدولارات القليلة التي معه وتبدو وكأنها أوراق سوداء لا قيمة لها وعندما قام الخبير الذي أحضره معه بإزالة الآثار من عليها ظهرت على حقيقتها كأوراق نقدية صحيحة لا غبار عليها، لكن الشك ما زال يساور «حسني» خشية أن تكون تلك مجرد لعبة، وأن هذه مجرد أوراق لا قيمة لها ولم يخف شكوكه وأعلنها صراحة وبكل ثقة، أعطاه الرجل المبلغ ليعرضه على أي بنك أو على أي خبير مصرفي أو ماكينة الكشف عن العملات المزورة، ليتأكد بنفسه وبطريقته من سلامتها، ولأن «حسني» لا يقبل ذلك بسهولة، فقد عرض الأوراق على كل هؤلاء كل على حدة وأكدوا جميعاً أنها أوراق مالية سليمة مئة في المئة فاطمأن قلبه وقرر أن يكمل المشوار. الكرة في ملعبه الآن وعليه أن يتخذ قراره بعد أن أثبت «نيكوشا» صحة كلامه واقعياً وبكل السبل والتجارب، والأمر لا يحتمل التأجيل وقد أمهله بما فيه الكفاية، وإذا لم يحسم أمره ويقدم له خمسين ألف دولار مبدئياً للسير في إجراءات التحويل، فإنه سيبحث عن غيره ليفوز بالصفقة الكبرى، التي لن تكلفه إلا هذا المبلغ التافه ولم يتردد بعد كل ذلك ووافق على أن يتم استعجال إحضار المبلغ بالطريقة التي يرونها، لكن «حسني» اشترط عليه أن يتم كل ما اتفقا عليه بسرية تامة، وأكد الآخر نفس المطلب حتى لا يتدخل آخرون ويفسدوا عليهما الخطة. حصل «نيكوشا» على المبلغ وغادر المكان على وعد بمواصلة الاتصالات إلى أن يتم إحضار المبلغ الكبير وتحرير عقد بينهما عن العمل في المرحلة المقبلة، لكن منذ تلك اللحظة اختفى وذاب مثل الملح في الماء، هاتفه المحمول مغلق، ولا يرد على الرسائل الكثيرة التي يرسلها إليه على بريده الإلكتروني، أيام وأسابيع وأشهر مرت والنتيجة واحدة، وتأكد «حسني» أنه ابتلع الطعم ووقع في الفخ الذي احتاط منه كثيراً، وتأكد أنه ليس كبيراً على الوقوع في المصيدة وأنه خسر المبلغ إلى الأبد، واعترف أنه لم يكن بالذكاء الذي يدعيه، ولأنه يشعر بالخجل من نفسه ومن فعلته وحتى لا يشمت فيه المقربون قبل الأعداء، لم يجرؤ على الإبلاغ عنه فظل النصاب حراً طليقاً. نسي «حسني» ما حدث وان كان يشعر بالغيظ كلما تذكر تلك المواقف، وكيف انطلت عليه تلك الحيل، ويلوم نفسه على ما أقدم عليه وهو الذي يحسب كل شيء، ويزنه بميزان الذهب، ويحصل على كل الضمانات قبل أن يخطو أي خطوة حتى لو تعامل مع أخيه، وجلس يقلب الصحيفة ويطالع صفحة الحوادث وكانت المفاجأة صورة «نيكوشا»، حيث تم القبض عليه في قضية مماثلة بنفس الطريقة وأنه يمارس نشاطه الإجرامي في العديد من الدول. تشجع «حسني» وتقدم ببلاغ عمّا تعرَّض له، لكن كان «نيكوشا» قد أنفق المبلغ ولا يملك شيئاً، فماذا يجدي سجنه وما زال «حسني» يؤنب نفسه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©