الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

هل اليونان دولة غنية تتنكر في زي الفقراء لجلب المساعدات؟

هل اليونان دولة غنية تتنكر في زي الفقراء لجلب المساعدات؟
29 مايو 2010 23:10
تعد اليونان دولة غنية نسبياً أو هكذا ما تصوره الأرقام. إذ يبلغ متوسط دخل الفرد فيها أكثر من 30 ألف دولار مساوياً نحو ثلاثة أرباع مستوى الدخل في ألمانيا. غير أن ما لا تجسده الأرقام هو الضعف النسبي لمؤسسات اليونان الاقتصادية. تلك المؤسسات لا تقارن من بعيد أو من قريب بالمؤسسات الألمانية وبعض مؤسسات دول الاتحاد الأوروبي الأخرى الخاضعة لإدارة أفضل وذلك يفسر سبب صعوبة حل الأزمة الراهنة. صحيح أن الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي قدما حزمة إنقاذ هائلة. ولكن المسألة ليست مجرد ضخ أموال لمساعدة اليونان على الخروج من أزمة ديون قصيرة الأجل أو تقليص ميزانية الحكومة اليونانية، بل تكمن المسألة فيما إن كانت الدولة ستشهد في المستقبل نمواً اقتصادياً حقيقياً. وإذا ألقينا نظرة على مؤشر مزاولة الأعمال الذي يصدره البنك الدولي الذي يصنف الدول من حيث جودة لمناخ المنظم للتجارة نجد أن المؤشر يضع اليونان في الترتيب 109 بعد مصر وإثيوبيا ولبنان مباشرة. أما في فئة الدول مرتفعة الدخل فتأتي اليونان بعد الأخيرة متقدمة فقط عن غينيا الاستوائية التي لديها ثروة نفطية. ولدى اليونان نظام مالي غير سوي يشكل فيه اقتصاد الظل، ما بين 20 إلى 30 في المئة من الاقتصاد الرسمي المعلن، ولذا فإن حجم التهرب الضريبي في اليونان قد يبلغ نحو 30 مليار دولار في العام. وتحصيل الضرائب المستحقة قانونياً من شأنه ضبط الدفاتر المالية وربما إعادة الاقتصاد اليوناني إلى التوازن والاستقرار، ومع ذلك فإن حتى ذلك العلاج البسيط ليس وشيكاً على ما يبدو. ووفقاً لمؤشر البنك الدولي فإن كثيراً من الأموال الحكومية اليونانية تنفق في إعاقة الإنتاج بدلاً من دعمه. وذلك يلمح إلى السبب في أن الأرقام تجعل اليونان تبدو أغنى من حالتها الحقيقية. ورغم كبر حجم الإنفاق الحكومي بالنسبة إلى الناتج الإجمالي المحلي اليوناني، إلا أن جودة الخدمات العمومية في اليونان تقل عن مثيلاتها في العديد من الدول الثرية. ومع ذلك انضمت اليونان إلى “منطقة اليورو” عام 2001 رغم انطواء ذلك على بعض العواقب المؤسفة. إذ إن اليورو عملة اليونان أقوى من عملة جارتها تركيا ولذا فالسياحة في اليونان أكثر تكلفة. ورغم ذلك لم تبن اليونان فنادق فاخرة كافية ولا ملاعب جولف ولا منتجعات تبرر فارق التكلفة. والأهم من ذلك أن أسعار البضائع والخدمات اليونانية المرتفعة المدفوعة باليورو تقلص قدرة اليونان على المنافسة دولياً. وكان من الأجدر أن يتم تسعيرها بعملة أضعف تلائم دولة أقل ثراءً. وبمضي الوقت ستتفاقم المشكلة لو حققت إنتاجية ألمانيا وفرنسا نمواً بمعدلات أعلى كذلك فإن قيمة اليورو تضع صادرات اليونان في وضع غير متناغم مع واقع الأسواق العالمية. وهناك طريقة مؤلمة للخروج من المأزق وهي أن تلجأ اليونان إلى خفض الأجور والأسعار ولكن المظاهرات اجتاحت شوارع اليونان لتجبر الحكومة على عدم المساس بالأجور والمزايا. ويعتبر الألمان والفرنسيون ضالعين في الأزمة بتعاملهم مع اليونان بصفتها دولة أكثر ثراء مما هي عليه في الحقيقة. فاليورو القوي يحرم صادرات دول منطقة اليورو الأفقر من القدرة على المنافسة ويجعل من الأسهل على اليونان وغيرها من دول منطقة اليورو المتواضعة الدخل أن تشتري صادرات ألمانية وفرنسية. وكلا الأمرين يفيد المصالح التجارية الألمانية والفرنسية. والأمر الذي زاد الوضع تفاقماً هو أن اليونان عقب انضمامها لمنطقة اليورو راحت تنفق وتقترض كما لو كانت إنتاجيتها المنتظرة سترتفع. وتعامل البنك المركزي الأوروبي مع اليونان كدولة مسؤولة مالياً من خلال شرائه بعض السندات اليونانية التي كانت صنفت آنذاك تصنيفاً جيداً. ونهج الكثير من البنوك الأوروبية نفس النهج وهو ما كان يعني ازدهاراً ائتمانياً غير مبرر لليونان. وأتيح لليونانيين اتباع سياسات غير مستدامة. فعلى سبيل المثال يتقاعد عديد من اليونانيين قبل سن 60 بمزايا تساوي ثلاثة أرباع الراتب مع أن ذلك الترف والتبذير غير شائع حتى في دول أغنى كثيراً مثل الولايات المتحدة. وفي هذه المرحلة هناك سؤال جدلي محير هو هل اليونان دولة فقيرة متنكرة في لباس دولة غنية أم أنها دولة غنية متنكرة في هيئة دولة فقيرة؟ وتقضي حزمة الإنقاذ المعلنة بأن يقوم الاقتصاد اليوناني المتردي بالاقتراض ثم تسديد مبالغ حالية أكبر. فإن كان الوهم السابق هو أن اليونان دولة غنية فإن الوهم الحالي هو أن اليونان تصبح قريباً ثرية لدرجة تكفي لتسديد ديونها المتعاظمة. ونظراً لأن الاقتصاد اليوناني لا يشكل سـوى 2 ? فقط من الناتج الإجمالي المحلي لمنطقة اليورو المؤلفة من 16 دولة، فإنه يمكن نظرياً أن يظل هذا الاقتصاد يحصل دائماً على المساعدات. غير أن هذا الحل أدهى وأمر لسببين أولهما أن البرتغال واسبانيا وغيرهما قد ترغبان في نفس المعاملة والثاني هو أن أوروبا تفتقر إلى التضامن الاجتماعي فيما بين دولها. صحيح أن بالولايات المتحدة مناطق غنية وأخرى فقيرة ولكن الولايات الخمسين مجبرة على اتباع ميزانيات متوازنة، كما أن هناك حركية أكبر في نطاق الأمة مرتكزة إلى لغة مشتركة وثقافة متقاربة. وأهم السياسات القومية مثل خطة أوباما للرعاية الصحية لا تقيم في المقام الأول من حيث الولايات الرابحة والخاسرة. بل إن للولايات المتحدة أصوات الحزب الجمهوري المعارض معظمها للخطة تحصل على كثير من المزايا من خلال مساعدات أكبر من نظام التأمين الصحي للفقراء المدعوم ضرائبياً. فاليونان ليس البلد الوحيد الذي يشعر فجأة بأنه أفقر. فبريطانيا تواجه عجز موازنة يبلغ نحو 12 في المئة من ناتجها الإجمالي المحلي ولإيطاليا نسبة ديون إلى الناتج الإجمالي المحلي تبلغ 110 في المئة. وفي الولايات المتحدة لاتتعافى أسواق العقارات والوظائف إلا قليلاً والدولة ستواجه التزامات رعاية طبية كبرى. وتعتبر حزمة الإنقاذ الأوروبية الجديدة إنكاراً لهذه الحقيقة بدلاً من الاعتراف بالواقع المستجد المتمثل في أن العديد من الدول وعلى رأسها اليونان ليست ثرية بالقدر الذي كنا نتصوره. عن «انترناشيونال هيرالد تريبيون»
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©