الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«السيليكوز » يقتل 70 شاباً يعملون في صقل الحجارة بتكوت الجزائرية

«السيليكوز » يقتل 70 شاباً يعملون في صقل الحجارة بتكوت الجزائرية
3 ابريل 2011 20:28
على بعد نحو 485 كلم شرق الجزائر، تقع بلدة “تكُّوت” بين جبال الأوراس المنيعة التي كانت معقل الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي. ومع أن هذه البلدة الصغيرة تشبه غيرها من البلدات الريفية الجبلية لولاية “باتنة”، إلا أنها تتميز عنها بكثرة شبانها الذين يمتهنون حرفة صقل الحجارة لكسب لقمة العيش فيما “السيليكوز” يهدد حياتهم. وتشير التقديرات إلى أن عددهم يتراوح بين ألف و1200 شاب، علماً أن عددَ سكانها لا يتجاوز 11 ألف نسمة. يعمل نحو 1200 شاب في بلدة تكّوت في مجموعات يتكون كل منها من بضعة أشخاص يعملون لحسابهم الخاص في صقل الحجارة معرضين حياتهم لمرض خطير يدعى “السيليكوز”، لكن هناك من يعمل لصالح أصحاب ورشات تملك آلات وإمكانات مادية كبيرة، وتنتشر هذه المجموعات في مناطق متفرقة من “تكوت” ومناطق أخرى قريبة منها ومنها “ايشمول” و”شناورة” و”كيمل”. بل إن منهم من ينتقل إلى ولايات أخرى قريبة لممارسة مهنته. حرفة الصغار في منطقة “تزوكت” على بُعد نحو 60 كم جنوب “تكّوت” وجدنا مجموعة من الشبان جالسين يتحدثون في انتظار عودة التيار الكهربائي لاستئناف صقل الحجارة، أكبرهم لا يتجاوز عمره 32 سنة من العمر بينما أصغرهم في الثامنة عشرة فقط، ويدعى عبد القادر سليماني، وهو طالب ثانوي غادر الدراسة حديثا بعد أن أخفق في الحصول على البكالوريا ليلتحق بهذه المجموعة، إلا أن اللافت أكثر أن عمر تجربته يمتد إلى 5 سنوات كاملة، أي أنه بدأ هذه الحرفة وهو في الـ13 من العمر فقط، يقول “كنتُ أشتغل في العطل الصيفية وأنا تلميذ بالمتوسط لأكسب بعض النقود، وبمرور الوقت تعوّدتُ عليها، حتى أني لم أجد عناءً للالتحاق بها فور إخفاقي في البكالوريا، وإذا لم أجد بديلاً آخر يناسب مستواي الدراسي فسأبقى هنا”. ويضيف أن “مئات الطلبة والتلاميذ يلتحقون بهذه المهنة كل صيف للعمل طيلة العطلة الممتدة لثلاثة أشهر لتلبية احتياجاتهم أو مساعدة عائلاتهم الفقيرة”. مرضٌ عنيد يعتبر شبان “تكُّوت” أن هذه المهنة مربحة فهي تدر عليهم يومياً مبالغ قد تصل إلى 8 آلاف دينار جزائري (نحو 110 دولارات) حيث يكثر الطلب على الحجارة المصقولة من الأثرياء الذين يزيِّنون بها واجهات قصورهم الفخمة، وهي مبالغ معتبَرة تغري بامتهانها، إلا أن سمير قرباعي (29 سنة) ينفي أن يكون السعي وراء الربح هو السبب الرئيس لاتجاههم إلى هذه المهنة الخطيرة “قد تربح أحياناً 8 آلاف دينار يوميا، إلا أن هذا ليس مضموناً فقد لا تتجاوز قيمة الأرباح في أحيان كثيرة حدود الألف دينار”، ويؤكد سمير ورفقاؤه أن البطالة الضاربة أطنابها في “تكُّوت” هي الدافع الرئيس لعملهم في مهنة صقل الحجارة التي لا تزال المهنة الوحيدة القادرة على امتصاص البطالة بالمنطقة، في وقت تغلق فيه مختلف القطاعات الاقتصادية أبوابَها في وجوههم، ما يجعلهم مضطرين إلى العمل فيها برغم الأخطار المحدقة بهم وفي مقدمتها مرض التكلس الرئوي المعروف باسم “السيليكوز” الناجم عن تراكم الغبار الرقيق المتطاير أثناء تقطيع الحجارة بآلات كهربائية، في الرئتين. مأساة مفاجئة أودى “السيليكوز” بحياة 70 شابا من “تكُّوت” إلى حدّ الساعة، آخرهم توفي قبل نحو شهر فقط وهو لا يتجاوز الـ32 من عمره، يقول سمير قرباعي عن مأساة صديقه “لقد مرض فجأة منذ شهر، ولم يمهله المرض سوى أيام ثم مات في المستشفى”، وهو أمرٌ يخالف ما اعتاده الشبان هنا؛ إذ يمرض أحد العاملين بصقل الحجارة بـ”السيليكوز” ويدوم مرضه عدة سنوات قبل أن يلقى مصيره المحتوم. ويقضي المصاب بـ”السيليكوز” فترة يعالج فيها بالمستشفى، وحينما يشتد عليه المرض يتحتم عليه الخضوع للتنفس بقارورة أكسجين ولزوم بيته في انتظار قدره المحتوم، ومنهم عبد الرزاق توفيق (27 سنة) الذي توفي منذ أشهر بعد أن أصيب بالمرض لمدة ثلاث سنوات، ومنها فترة عام قضاها مع زجاجة الأكسجين قبل أن يتوفى. البدائل غائبة تحدث وفاة أي شاب بـالتكلس الرئوي حزناً عميقاً لدى رفاقه في المهنة، حتى أن منهم من يقرر الانقطاع عنها والشروع بالبحث عن عمل آخر، ويؤكد الدكتور جمال حميزي، وهو طبيب مختص بأمراض الصدر بمستشفى باتنة، أن 408 شبان توقفوا عن ممارسة صقل الحجارة، أي ما يشكل ثلث ممتهنيها، إلا أن الشاب محمد مزياني (32 سنة) يؤكد أن “الكثير ممن توقف عنها، عاد إليها مجدداً تحت تأثير الملل من طول البطالة وغياب البدائل”، ويجمع كل الشبان الممارسين لهذه المهنة أن البدائل غائبة تماماً وهو الأمر الأكثر مأساوية،. يقول سمير بوهراوة (21 سنة) “لو وجدتُ عملاً آخر لتركتُ هذه المهنة فوراً، ولكني إذا لم أجد، فسأبقى هنا مهما كانت الأخطار”، بينما تطرَّق وليد خلافي (27 سنة) إلى البدائل المطروحة هذه الأيام وتتعلق بمنح قروض للشباب الجزائري لإقامة مشاريع صغيرة “حتى وكالة دعم تشغيل الشباب تشترط علينا تقديم ديبلوم لمنحنا قروضاً لإقامة مشاريع بديلة، وهو ما يفتقر إليه كل الشبان الممارسين لصقل الحجارة”، بينما يطالب أخوه عبد الحميد خلافي (30 سنة) والذي يشتغل معه في ورشة واحدة، السلطاتِ بـ”تحمل مسؤولياتها وتوفير البديل لهم إذا أرادت الحفاظ علينا”. ضعف المناعة يعتقد بعض شبان “تكّوت” الممارسين لصقل الحجارة أن السبب الرئيس للإصابة بـ”السيليكوز” يعود أساساً إلى ضعف المناعة، وعدم حرص بعض الشبان على التغذية الجيدة، يقول عبد الحميد خلافي “هناك من يعمل ما بين 12 و18 سنة في هذه المهنة دون أن يمرض بالسيليكوز، بينما مرض به شبانٌ عملوا لمدة 3 أشهر فقط، هذا يعني أن الأمر لا يرتبط بالضرورة بطول مدة التعرض لذرات غبار السيليس وحدها. من جهتها، أبدت السلطات اهتمامها بالمسألة انطلاقاً من التقارير الطبية التي رفعها إليها أطباء الأمراض الصدرية بولاية باتنة انطلاقاً من كثرة حالات الإصابة بـ”السيليكوز”، خداع لا علاج وعقدت عدة ملتقيات طبية بالمنطقة لدراسة تداعيات المرض وأخطاره، آخرها في مايو الماضي، حيث نبّه خلاله الدكتور سليم نافتي، رئيس الجمعية الجزائرية للأمراض الصدرية، إلى خطورة المرض الذي أصبح يهدد الآن حياة مائتي شاب على الأقل، بينما اعتبر أن الخطر يهدد نصف الشبان الممارسين لصقل الحجارة حالياً، وأكد الأطباء أن “هذا المرض لا علاج له”. يطالب الأطباء بالوقاية من المرض من خلال التوقف عن مزاولته نهائياً أو ممارسة المهنة في ظل توفر أقصى الشروط الصحية كالعمل في الهواء الطلق وتبليل الحجارة بالمياه قبل تقطيعها بالقاطعة الكهربائية لتقليل انبعاث الغبار منها، ونبَّهوا إلى أن العلاج القائم على “غسل الرئتين والحويصلات الهوائية” والذي يُمارس في دولة مجاورة ليس سوى “خداع” ترمي من خلاله عياداتٌ خاصة إلى استغلال معاناة المرضى لنهب أموالهم باعتبار أن الجلسة الواحدة تكلف مائتي يورو دون نتيجة. بينما اكتفت وزارة الصحة الجزائرية بدعوة وسائل الإعلام المحلية إلى تكثيف حملاتها الرامية إلى توعية الشبان الممارسين لصقل الحجارة بهدف إقناعهم بتركها وتكثيف جهودهم في البحث عن بدائل. وبين الفقر وندرة فرص العمل، يبقى 1200 شاب بـ”تكوت” يمارسون “مهنة الموت البطيء” كما وصفها الشاب عبد القادر سليماني (18 سنة) في انتظار التفاتة جدية من السلطات إليهم وتوفير بدائل ناجعة تغنيهم عنها.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©