الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قراءة في بنيان الحكايات الشعبية الإماراتية

قراءة في بنيان الحكايات الشعبية الإماراتية
1 أكتوبر 2009 00:08
قبل أن نقرأ بنية القصص الشعبية في كتاب «إلا جمل حمدان في الظل بارك» للباحث والشاعر أحمد راشد ثاني وبمراجعة جمعة القبيسي كونه كتاباً في الحكاية الشعبية.. نتساءل: كيف يمكن أن نقرأ النظام الحكائي والسردي في الحكاية الشعبية الإماراتية؟ هل تمتلك تلك الحكاية نظاماً خاصاً بها أم أنها تشترك مع كافة نظم الحكاية الشعبية العربية والعالمية في بناء نسقها الشكلي، وربما يمتد هذا البناء ليشمل النسق المضموني أيضاً من خلال تعالق هذه الحكايات «الإماراتية» مع أجواء وعناصر الحكايات الخليجية «في ذات المنطقة الجغرافية الواحدة و»العربية» وفي ذات المنطقة النفسية والوجدانية واللغوية». ما هي أسس الحكاية الشعبية الإماراتية؟، وكيف تدار عناصرها ومصائر شخوصها؟ ومن أين استقت أبنيتها المعرفية؟، وهل هي نتاج البيئة الشعبية الإماراتية ذاتها أم هي صياغة إماراتية لحكايات متداولة عند أبناء الجزيرة العربية منذ أزمان بعيدة، خضعت للتحوير والتطوير والتمطيط والاختصار فبدت إلى حد كبير من صناعة الموروث الشعبي الإماراتي؟. نظرية بروب قبل الإجابة على كل تلك الأسئلة التي تحتاج بالضرورة إلى جهد خاص وبحث مستمر في آلية صياغتها شفاهياً وعناصرها ومكوناتها وجذورها وتداولاتها لابد لنا أن نتطرق إلى أهم نظرية عرفها النقد العالمي الحديث بخصوص القص الشفاهي «الحكائي الشعبي والخرافي» وهي نظرية «الوظائف القارة» أو الوظائف الثابتة التي جاء بها مكتشفها الباحث الروسي الشهير فلاديمير بروب في كتابه «مورفولوجيا الحكاية الخرافية الروسية» الذي صدر عام 1928 وترجم إلى الانجليزية عام 1985، فكان المحرك الأساسي لما بعده من النظريات البنائية، وهذا بالطبع يدعونا إلى أن نشير إلى تأثير هذا الكتاب على حركة «الشكلانيين الروس» فيما بعد. درس فلاديمير بروب الحكايات الشعبية وقدم محاولات لتبويبها ووجد أن معظم التبويبات قد انصبت على الموضوعات والعناصر بناءً على دراسة مستفيضة لـ 100 حكاية أو قصة روسية وجد من خلالها أن الوظائف التي تقوم بها الشخصيات ثابتة «قارة» بينما المتغير دائماً هم الشخصيات فقط، وهذا قاده إلى تعريف الوظيفة كونها الفعل الذي تقوم به الشخصية داخل إطار الحكاية والذي يدخل نمطاً في جميع الحكايات، وتزيح الوظائف بعضها بعضاً عن وجودها في أي نص حكائي إلا أنها لا تلغيها مطلقاً، وهي فعل الشخصية من وجهة دلالته في سير الحكاية. اعتبر فلاديمير بروب هذه الوظائف قوانين في الحكاية الشعبية وأحصى عددها فوجدها 31 وظيفة وهي: الابتعاد والتحريم وارتكاب المحرم والسؤال، والبيان المضاد والخديعة والتواطؤ والتوسط وبداية العمل المضاد والرحيل والعائق والمساعد.. إلى آخرها. واكتشف بروب أن هذه الوظائف مترابطة وإن اختلفت الشخصيات التي تقوم بها. مغامرة البطل من جانب آخر كتبت نبيلة إبراهيم في كتابها «فن القص في النظرية والتطبيق» ما يفيد أن مغامرة البطل لا تبدأ في الحكاية إلا لشعوره بنقص أو تهديد. أما النقص فقد يكون مادياً أو معنوياً أو في غياب أحد أفراد الأسرة وتنتهي الحكاية عادة «بزوال أسباب النقص أو التهديد». من خلال ذلك استدل البنائيون الذين يتبنون النظرية البنيوية على وجود ثنائيات ضدية في الحكاية عادة وهي التهديد/ الانتصار، النقص/ الاكتمال، والغياب/ الحضور، الموت/ الحياة، المفتوح/ المغلق. لقد كان هدف فلاديمير بروب من نظريته هذه هو محاولة وصف بنية الحكاية الخرافية حسب أجزائها التي تتكون منها، وعلاقة هذه الأجزاء ببعضها بعضاً، وبالكل، وفي ضوء ذلك استخلص بروب من 100 حكاية روسية ما أسماه بالنموذج الوظائفي أي البنية الشكلية الوحيدة التي تتفرع منها عدد لا نهائي من الحكايات وإن كانت مختلفة التراكيب والأشكال. لقد أبعد بروب المبررات النفسانية للشخصيات بوصفها وحدات متغيرة لا تساهم في استنتاج القيمة الوظيفية، واقتصر وجودها على الأفعال التي مهما تبدلت الشخصيات وتغيرت فإنها تبقى وحدات ثابتة لا تتغير، وهي في الآن نفسه تتفاوت في الأهمية، وليست مجتمعة في حكاية واحدة، لكنها تحوم حول غاية واحدة، وهي إصلاح الإساءة أو تعويض الافتقار من خلال التتابع الفعلي والحتمي لعنصر الصراع الذي غالباً ما يفضي إلى نهايات سعيدة. وأهم ما يمكن التوصل إليه عبر هذه النظرية القول إن التماثل البنيوي الذي يقرب بين الحكايات الشعبية العالمية، مهما اختلف انتماؤها الحضاري والجغرافي حاصل في كل حكاية شعبية تتداول لسانياً. الوظائف القارة وما سقنا هذه المقدمة الطويلة إلا لكي نُعرّف أولاً بنظرية «الوظائف القارة» وثانياً لكي تكون فرشة نعتمدها في قراءة حكايات كتاب «إلا جمل حمدان في الظل بارك» للباحث والشاعر أحمد راشد ثاني وبمراجعة جمعة القبيسي والصادر عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث متوخين من خلال قراءتنا معاملة النصوص الحكائية الشعبية الإماراتية التي وردت فيه معاملة نقدية وفق نظرية «الوظائف القارة»، هذا بالإضافة إلى التباين والمشابهة المشتركة بين تلك القصص. يقسم كتاب «إلا جمل حمدان» إلى 3 فصول ضم الفصل الأول المعنون بـ «البناوة» 11 حكاية شعبية وهي «البدعة، وجمل حمدان، والساحر وجميلة، وعزيز وعليا والعقيلي، وشطر وشطيرة، وتمام العاشر، وفطوم والفأر المكار، وأبو العيس والحصان العجيب، ودموع الغزال» وجميع قصص هذا الفصل مروية باللهجة الشعبية. أما الفصل الثاني فضم 7 حكايات شعبية تحت مسمى «حكايات مفصحة» أي أنها مروية بلغة فصيحة يمكن من خلالها الاعتماد على النص من دون الرجوع إلى شروحات مصاحبة، بعكس قصص الفصل الأول التي رافقتها شروحات من الباحث أحمد راشد ثاني لتقريب القصة إلى ذهن المتلقي بسبب عدم تداولية بعض ألفاظ القص الشعبي الإماراتي. وقصص الفصل الثاني هي «الرسول والغزالة، والأب والحرّة، ورمضان والبئر، والفأر والدجاجة، والثعلب والحمام». وتضمن الفصل الثالث المعنون «من أخبار وعلوم الهلاليين» قصصاً عن الملحمة الهلالية مروية على شفاه رواة إماراتيين وهي متداولة بين بدو الصحراء وبذلك جمعت من شفاههم وهي «مقالة ذياب بن غانم، وذياب بن غانم وأبو زيد، وأبو زيد والخادم، وبنت أبو زيد، ودغرة تونس، وأبو زيد والزناتي خليفة». واستتبعت حكايات الفصل الثالث بجزئين أو ملحقين وهما أولاً «حكايات من الربع الخالي» رواها في الثلاثينات من القرن الماضي الرحالة «برترام توماس» في رحلته مع البدو أثناء عبوره الربع الخالي وبينما كان يقترب من المنطقة الغربية لأبوظبي سمع من البدو حكايات عن الهلاليين وأبو زيد الهلالي، وثانياً نص «الحكاية من أولها» سرده الباحث أحمد راشد ثاني نفسه عن بعض الرواة في خورفكان. السرد الشفاهي قدم أحمد راشد ثاني لتلك النصوص شارحاً تصوره للسرد الشفاهي وللتاريخ الشفهي باعتبارها تؤدي وظائف عضوية للبنية الاجتماعية التي لم تترسخ فيها الكتابة ولم تسد. وانتقد الباحث عدم الاستفادة أو غياب خطط جمع منظم وشامل لأشكال السرد الشفاهي خاصة، أن راويات ورواة الحكاية المتمرسين في سبيلهم إلى الانقراض، داعياً إلى جمع الحكاية وتدوينها وبالتالي توفيرها للباحثين والنقاد والقراء. وعندما نقترب من الحكايات قليلاً نتفق مع الباحث أحمد راشد ثاني أن الحكايات هذه تقترب من حكايات عالمية وقد شخَّص هو بنفسه اقتراب حكاية السندريلا العالمية من حكاية «البديحة» الإماراتية، ونضيف نحن أن حكاية «ليلى والأقزام السبعة» تقترب أيضاً من حكاية «تمام العاشر» في هذا الكتاب، أما الحكايات بمجملها فيمكن توصيفها بأنها تتناول موضوعات محددة في الغالب وهي: 1- معظم - في الغالب - أبطالها من الحيوانات. 2- ارتباطها بالسحر. 3- المشابهة مع الأعمال الكبرى من مثل «ألف ليلة وليلة» وقصص عالمية. 4- البحث عن المفقود والارتحال. 5- هيمنة العدد «1» و»3» و»7» على القصص. 6- تضادية ثنائية الفقر/ الغنى. 7- حصول تكرار في قصتي «الفأر المكار» باللهجة العامية وقصة «الفار» باللهجة المفصحة مع تكرار بين «شطر وشطيرة» وقصة «الفار» بالفعل القصصي. 8- اعتماد القصص الشعبي الإماراتي على «السرد النقي» الذي يكون خاليا من الأنواع الأخرى من الفنون المختلفة وبخاصة الشعر بينما نجد الأخير في الموروث الهلالي بشكل واضح وجلي. الحكاية الشعبية بالطبع هذه أجزاء من عناصر موجودة بكثرة في الحكاية الشعبية الإماراتية التي ليست كما يتصور البعض أنها «خروفة» تروى للأطفال هذا التصور الذي خصه أحمد راشد ثاني نفسه بالحديث ووقف ضده واعتبر الحكاية الشعبية الجناح الأول مع القصيدة بوصفها جناحاً ثانياً يطير بهما في الوجود ذلك المجتمع الذي سبق النفط وفورته. الحكايات في هذا الكتاب دونتها طالبات جمعنها عام 1983 ومنهن من فضل اختصار الحكايات أو اجتزاءها. ويشير أحمد راشد ثاني إلى ذلك وإلى التقارب بين هذه الحكايات بقوله «نرى على سبيل المثال في «شطر وشطيرة» و»تمام العاشر» روايتين مجتزأتين ومختزلتين عن حكاية تذكرنا بحكاية «نتيفان». وكذلك هو الحال مع «الساحر وجميلة» و»عزيز وعليا والعقيلي» و»الحصان العجيب» و»دموع الغزال».. إذ أن هذه الروايات حاضرة ومترددة في حكايات أخرى». وانتقد أحمد راشد ثاني طريقة الجامع الذي اعتبرها مختزلة لما سرده الراوي في إيراد ما تصوره مناسباً من الحكاية ماعدا رواية الطالبة نورة. س. جمعة التي دونت حكايتي «البديحة» و»جمل حمدان» بشكل جيد. كما أشار إلى جهود الباحث سلطان بن بخيت العميمي في جمع السيرة الهلالية التي ضمها الفصل الثالث من هذا الكتاب «إلا جمل حمدان..» حيث جمع العميمي الروايات من الرواة الإماراتيين علي بن بخيت العميمي ويسكن (الذيد ـ الشارقة) وعيد بن سعيد الغفلي (العين) وخليفة بن علي الكتبي (رأس الخيمة). الساحر وجميلة للحكاية الشعبية الإماراتية بناء شكلي لا يخرج عن ذلك البناء الذي تحدد على يدي فلاديمير بروب كونه يؤكد الوظائف بعيداً عن الشخصيات. في قصة «الساحر وجميلة» يتصارع الفقر/ الغنى إذ نجد أختين فقيرة وغنية، طيبة ومسكينة/ ومتكبرة وجبارة، ترزق الأخت الفقيرة فجأة بكنز من ذهب فتكتشفها أختها وتقع في شرورها حيث تُقتل على يدي الساحر الذي كان يخبئ الذهب إلا أنه يأخذ ابنتها جميلة له والتي كانت تصاحب «كلبة»، وبعد قصة ممتعة تقتل جميلة الكلبة لتأخذ «جلدها» وتلبسه ويقتل الساحر ويرى الأمير جميلة داخل جلد الكلبة ويتزوجها ويكون الاستغراب أن الأمير يتزوج من الكلبة غير أن الأمر ينكشف عن قصة الكلبة والإنسانة بداخله. هنا نلاحظ أولاً الدافع أو الرغبة «للتخلص من الفقر» وثانياً «الكشف» اكتشاف الأخت الغنية غنى أختها الفقيرة، وثالثاً «ارتكاب المحرم» دخول الأخت الغنية بيت الساحر، ورابعاً «البيان المضاد» ولادة جميلة ابنة الأخت الغنية، وخامساً «المساعد» الكلبة تساعد جميلة، وسادساً «المساعد الثاني وهو الأمير» وفي نهاية القصة نجد السعادة المتحققة. عزيز وعليا والعقيلي في قصة عزيز وعليا والعقيلي نجد الخال و7 من عيال أخته (لاحظ العدد 7 يتكرر في قصص شعبية كثيرة وردت في الكتاب). سمع العقيلي بفتاة جميلة اسمها «عليا» أراد أن يتزوجها فيجرب أبناء أخته الستة الذين فشلوا في الاختبار إلا سابعهم «عزيز» الذي يرحل مع خاله ويصلان فجأة في ليلة زواج «عليا» من رجل ما، هنا يلبس عزيز ملابس عليا ويدخل، إلى مخدع الزوج وتفر عليا إلى خاله العقيلي. (القصة تتشابه مع قصة أبو زيد الهلالي التي يرويها توماس في الصفحة 330 من الكتاب نفسه). أي أن هذه القصة انتقلت من الموروث الشفاهي العربي إلى الموروث المحلي بتغيير الأسماء والشخوص وبثبات الأفعال والوظائف. نجد أولاً الدافع: «زواج العقيلي من عليا»، وثانياً «المساعد عزيز» بانتحاله صفة الزوجة، وثالثاً «العائق» زوج عليا في ليلة زفافها، ورابعاً «ارتكاب المحرم» دخول عزيز مخدع الزوج، وخامساً «الخديعة» والاكتشاف حيث اكتشف زوج عليا الخديعة، وسادساً «الابتعاد» وهروب العقيلي وعزيز وظهور مساعد ثان وهو راعي الغنم الذي فك قيدهما بعد أن قيدا. شطر وشطيرة في قصة «شطر وشطيرة» نجد امرأة لا تنجب أطفالاً وهنا يحصل «الافتقار والرغبة إلى الإنجاب» وبسبب غياب زوجها (الرحيل حسب فلاديمير بروب) تذهب الزوجة إلى المطوعة «المساعد» وبعد أن نصحتها المطوعة بأن تضع 3 خبزات في البيت يعود الزوج ويقسم إحدى الخبزات إلى قسمين فرأى دماً فيعوفه (ارتكاب المحرم) وتنجب الزوجة 3 أطفال «حصول التحقق» ولكن بطفلين كاملين وواحد شطرة «حصول النقص» وهنا يبدأ الأخير في البحث عن «الاكتمال». يذهب الإخوة الثلاثة إلى جدتهم الساحرة التي تقرر حرقهم حيث يسمعها شطيرة فيستبدل مكان أخويه أطفال الساحرة فتقرر الساحرة أكله لذا يطلب منها أن تخبز له خبزة كونه جوعان وفي وقوفها على التنور يدفعها إلى النار فتموت. هنا يتحول «شطرة» إلى مساعد أيضاً مع إخوته وإلى مكتشف للخديعة وتدخل هذه القصة في تماس ومشابهة مع قصة «الفأر المكار» التي سردتها الطالبة موزة ح. خلف وقصة «الفار» التي سردتها الطالبة م. المناعي. أي تشابه 3 قصص مع بعضها وهي «الفار المكار» و»الفار» و»شطر وشطيرة» في جزئها الأخير، ومن ذلك نستدل أن هذه القصة من الموروث الشعبي الإماراتي عبر تداولها في أنماط مختلفة، لذا أجد أن «الفار المكار» و»الفار» قد تولدتا من قصة «شطيرة» فأصبحتا قصتين منفصلتين وهما ليسا كذلك في «شطيرة» الأصل. أجد فعلاً أن التحليل البنيوي الذي جاء به فلاديمير بروب ينطبق على مختلف الحكايات الشعبية التي وردت في هذا الكتاب، وفي هذا غنى للنظرية وللحكايات نفسها. محمد نجيم أصدر الشاعر والمترجم المغربي عبدالسلام مصباح الترجمة العربية الأولى لديوان «مخطوطة الأحلام» (سيرة المعتمد) الذي كتبه الشاعر الشيلي المعروف سيرخيو ماثياس المولود سنة 1938 بـ»غوربيا» (جنوب الشيلي) الذي «كتب العديد من الأعمال الإبداعية المتميزة في مجالي الشعر والنثر (دواوين/ دراسات/ قصص...)، وله حضور متميز ومسكون بالخصب في كثير من المجلات الثقافية. ابتداء من سنة 1981 مسه سحر الشرق برموزه الحضارية والثقافية، وبإشراقاته الصوفية... فكتب دراسات معمقة حول الحضور العربي في أمريكا اللاتينية، كما ساهم في التعريف بالأدب العربي، فنشر دراسات ومقالات حول بعض الشعراء العرب: البياتي، جبران، المعتمد، ابن قزمان.. وحول الشعر العراقي وفلسطين في الشعر العربي المعاصر، مساهما بذلك في مد جسور التواصل وتقريب المسافات بين الأدبين العربي والأمريكي اللاتيني. وقد نال هذا الشاعر الكثير من الجوائز الشعرية العالمية وأصدر أزيد من 20 كتاباً موزعة على حقلي الشعر والنثر وهو يقيم حاليا بمدريد التي قدم إليها من موطنه الأصلي الشيلي بعد الإطاحة بنظام الرئيس سالفادور ألليندي. التناص هو الشيء المدهش على هذه الصفحات. سيرخيو ماثياس شاعر شيلي/ أنديزي، مولود تحت آفاق رحبة، حالم بالحريات والثورات. شاعر يبدع باللغة الاسبانية، مع ذلك فقد أوقد ناره الشعرية في مشعل قروسطي إشبيلي، صاحب ساحات تُسيِجها أشجار الياسمين وأفاق أرابيسكية، سيد مشنقة وسكين، مسلم، شاعر يكتب باللغة العربية. هل هذا التحام تناقضات يمكن صهرها في بوتقة الشعر أو الحب فقط؟ المعتمد، ساكن أحلام «سيرخيو ماثياس»، شخصية تاريخية وإن كانت حياته شبيهة بحياة خيالية كما ترى ماريا خسيوس روبيرا ماطا في تقديمها للكتاب. ملك اشبيلية في القرن الحادي عشر، حقبة صعبة ككل حقب التاريخ. إنه شاعر، ينحدر من أسرة كل أفرادها شعراء. حيث ترعرع بين مواكب من الشعراء، في بلد من الشعراء «الأندلس» عشق كثيرا، خاصة الرميكية «إعتماد»، جارية جميلة من جواري «شلب» حيث اتخذها زوجة، وجعل منها سيدة اشبيلية، كما أن «ابن عمار» خيب أمل سيده، لأن المعتمد يطالب بالاستسلام التام «استسلام معشوق لعاشقه». أنهى حياته منفيا بـ»أغمات» على بعد كلومترات قليلة من مدينة «مراكش» أسير المرابطين رفقة رميكيته الوفية وبعض بناته. هناك دفن بعيدا عن مدينته اشبيلية التي كان شديد الحنين لها. لكن تناص هذه البيوغرافية الموجزة برأي ماريا ماطا «لا يسمح باكتشاف ما هو هام جدا. كان المعتمد شخصية عجيبة، يستحوذ على قلوب المحيطين به، حتى ولو كانوا يناصبونه العداء، حتى بعد مماته حين تراكم غبار القرون على المخطوطات التي تروي حياته، تاريخه، وتحفظ قصائده فإن سحره أغرى المؤرخين والباحثين والأدباء، حتى السياسيين بالاهتمام به، لقد اتخذه «بلاص إنفانطي» أبو القومية الأندلسية نموذجا لقضيته. «اليوم لا نعجب من أن يقع «سيرخيو ماثياس» ضحية إغواء المغرى الاشبيلي الكبير، عبر الزمن والنمط واللغة. وإن لم نعرف أين، ولا كيف ومتى ترك «سيرخيو ماثياس» نفسه ينبهر بالشعر الاسباني العربي من خلال المعتمد. فإن الشاعر الشيلي سوف يكشف لنا عن هذا السر ذات يوم. أعتقد أن هذا الإغراء لم يأت من عالم ملك اشبيلية المتوتر، بل من خلال الكلمة الشعرية». يبحث هذا الشاعر الأنديزي عن الكلمات كما لو كانت أحجارا كريمة ليرصع بها عقود قصائده. هذا العمل ترجمة عربية لمخطوطة الشعري يؤاخيه مع شعراء الأندلس الباحثين مثله على الكلمات الجواهر، شأن المعتمد، وابن عمار مغني الغلمان، وابن زيدون مغني الحنين إلى خرائب مدينة «الزهراء»، المدينة الخليفية الحاملة لاسم امرأة... الشعراء الذين يشير إليهم «سيرخيو ماثياس» أسماء شخصية تكتسي استحضارا، بل تضرعا للعفاريت العربية كما تحملنا إلى الأندلس، فردوس الأحلام، غير أننا في ديوان «مخطوطة الأحلام» نجد الكلمات الحلي، الأحجار الكريمة، استحضارية. إنها كلمات وضعها ماثياس بالعربية، كلمات جمعها خلال رحلته الطويلة إلى البلدان العربية. كلمات (يونة، أبو قلمون، كتب الملاحم)، لكونها تشكل، في اللغة العربية، طرفا في استحضار الجن والعفاريت، لذا لا ينبغي تفسيرها، لأن إبهامها يضفي على القصيدة جمال الأحجار السوداء، جمال خرز الكهرمان الأسود». نقرأ في هذا الديوان: «ينْسكبُ صوْتُ مُؤذِّن الرِّيح/ فوْقَ نَباتاتِ البَتُولَة./ تلْتَهِب عاطِفةُ العاشِق/ مُنْصهِرَة في قلْبِ التّويْجاتِ./ قي خيْمَة الأبراج ينْتَظر/ مَلكُ الحُبِّ الشّره./ تحْت وسادَة العُشْب/ يَنُبضُ قلْبُ الأرض./ يَبْسُط ابْنُ عمّار معْطفَه الذّهَبيِ/ ليبْني القمَر عُشّا للحَنان./ يبلِّل شفتّي الملِك/ بمياه النّدى السّريّة./ ويسرّح الشّعر الرّطْب/ بأغصان الرّبيع الصّغيرة./ يسير العاشقان على ضفتّي النّهر/ مفتُونين بالأريج،/ بالكلمات الصّفْصاف./ بيْن تموُّج النَاعمات/ تظْهر الجاريّة الرُّمَيْكِيَّة./ ترقص فوْق زرابي الأزهار./ صوْتها عذْب مثْل نسْمة،/ ثمِل بأشجار التُّفاح./ هشّة مثْل يمامة/ مزيَّنة بنور./ لحائِكَة الشّمس/ عيْنا لوْز، والمَشْي الخفيف للغَزال،/ تغْزل أغْنية «شَلَب»/ في ظلِّ الأشجار./ يحُطّ المعْتمدُ حَدْقَتَيْه عليْها مثل قنّاص ماهِر للجمال./ تتمزَّق حبال الهواء./ تتْرك السَّماء أنوارها/ تسْقط فوق أجنحة الفراشات./ تنْقُر العصافيرُ أقواس قُزَح./ تمْسكُ يدُ النَّار/ سبْحَةُ الشَّمس./ تنْحلُّ الغيْمات/ لتَنَاغُماتِ نباتَات المَنْتور./ يعشِّشُ الحبُّ تحْت شجرة الزَّمن،/ حين تُطْرزُ الأقاحِي سَحال/ في مناديلِ العُشْب،/ ويُغطِّي اللَّيْل بدِثار من نجوم/ الجسدُ الجَميلُ للشَّاعر المُحارب،/ يحرس المخْلص ابْن عمَّار أحلامه،/ بيْنما تنساب أنغام الميَّاه/ بيِن أسوار نَباتِيَّة.» يكتب الشاعر بلسان المعتمد في آخر قصيدة من قصائد هذا الديوان : «قبْل أن يمُوت/ تذكَّرَ اشْبيلْية./ اسْتَمع لآخِرِ مَرّة/ إلى أوْتارِِ عودِ الخَريفِ./ رفَعَ الشَّاعرُ كأْسهُ/ وشَرِب بانْتِشاء/ الذَّهبِ المُتَقَطِّر/ منْ عَناقيدِ الشَّمْسِ.» جاء هذا الديوان في حوالي 110 صفحات من الحجم المتوسط زين بلوحة للفنانة المغربية نادية خيالي، ونجد على ظهر غلاف الكتاب صورة لقبر المعتمد بن عباد في أغمات التي نفي إليها والقريبة من مدينة مراكش، وأخرى للشاعر والمترجم عبدالسلام مصباح مقرفصا يقرأ شعره بين قبري المعتمد بن عباد وجاريته «ديناميكية» التي أحبّها وأصبحت زوجة له.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©