الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوميديا فلسفية تفتقد التفاؤل

كوميديا فلسفية تفتقد التفاؤل
1 أكتوبر 2009 00:10
يعشق أحمد حلمي التجديد. وعلى مدى أكثر من عشر سنوات قدم سلسلة من الأفلام الكوميدية الراقية التي تهتم بالبعد الإنساني. ونجح في أن يشق طريقاً مختلفاً عن أبناء جيله بل ويتقدم الجميع. وفي أحدث أفلامه «ألف مبروك» ينتقل إلى مرحلة جديدة من الكوميديا يكشف فيها عن شجاعته كممثل بلغ مرحلة من النضج الفني جعلته يتحرر من قيود شباك التذاكر ويقدم فيلماً يرضي طموحه ويحقق صدمة للجمهور. فيلم «ألف مبروك» قصة وسيناريو الأخوين محمد وخالد دياب وإخراج أحمد جلال وبطولة أحمد حلمي الذي قدم مجموعة من الموهوبين أدوا أدوارهم ببراعة على الرغم من أنهم أسماء غير معروفة. وتشير تيترات المقدمة إلى أن الفيلم مقتبس عن الأسطورة الأغريقية «سيزيفيوس» وتحكي عن رجل خدع الآلهة وحاول أن يهرب من الموت فحكم عليه أن يظل في عذاب إلى ما لا نهاية يرفع الحجر الضخم من سفح الجبل إلى قمته ثم يسقط الحجر ويظل يعاود رفعه. وبطل الفيلم أحمد حلمي يعلن في البداية أنه يريد أن يعيش مئة عام. والمتابع لأحداث الفيلم يكتشف حقيقة أخرى لم تسجل على الشريط السينمائي وقد اعترف به كاتبا السيناريو وهي أن الفيلم مقتبس أيضاً عن الفيلم الأميركي «يوم الجراوند هوج» إخراج هارولدراميس عام 1993.. ويحسب لهما قدرتهما على تمصير الأحداث بشكل يجعل الفيلم مصرياً تماماً. وإنْ غلبت عليه الكوميديا السوداء وأفتقد روح التفاؤل والأمل في غدٍ أفضل حتى بعد أن تخلص البطل من أنانيته وكانت الصدمة هي موت البطل أحمد حلمي في النهاية على الرغم من أنها لم تكن ضرورة بعد أن شاهدناه يموت عدة مرات في الكابوس الذي ظل يطارده، ويتكرر طوال الفيلم وكأن صناع الفيلم أرادوا أن يؤكدوا أن الموت هو الحقيقة التي لا يمكن تغييرها. وصاحب النهاية عبارة تبرر الاختيار تقول من الأفضل أن تكون الغائب الحاضر من أن تكون الحاضر الغائب. وتدور الأحداث حول «أحمد جلال» (أحمد حلمي) الذي ينتمي لأسرة متوسطة ويعمل في إحدى شركات الأوراق المالية محاسباً ويرفض العمل في مجال المضاربة بالبورصة برغم ما يمكن أن يحققه من عائد مادي أكبر حيث يخشى على نفسه الضغط والتوتر، وتطلب منه الشركة إعداد تقرير لتخفيض العمالة. وببرود يعد التقرير وتكشف الأحداث عن أن «أحمد» يعاني كابوساً يطارده يومياً حيث يرى نفسه يعيش أحداث يوم زفافه من الصباح بكل تفاصيلها حتى لحظة ذهابه إلى الفرح، فتصدمه حافلة ضخمة ويموت أمام أسرته ويتكرر الكابوس طوال الفيلم ويحاول أن يتغلب على هذا الحلم المزعج ويستشير صديقه الوحيد «كريم» الذي ينصحه بأن يحاول أن يغير الواقع حتى يتغير الحلم. وفي محاولاته المتكررة لتغيير الواقع يبدأ النظر والتدقيق في العالم من حوله ويكتشف إنانيته وأنه كان يعيش وسط عائلة، لكنه لا يكاد يعرف شيئاً عن والده الذي يتصور في البداية أنه موظف مختلس ووالدته التي ظن لفترة أنها مدمنة مخدرات وشقيقته التي كان يتعامل معها بعنف وقسوة ويتصور أنها على علاقة غير شريفة مع صديقه «كريم»، وبالتدريج تتجلى له الحقائق عندما يرى أن والده موظف شريف يضحي بعمله ويستبدل جزءاً من معاشه لاستكمال أقساط شقة «أحمد» أما والدته فهي مريضة بالسرطان وترفض تعاطي العلاج الكيماوي حتى لا يسقط شعرها وأن العلاقة التي تربط بين شقيقته وصديقه هي حب طاهر هدفه الزواج. ويتغير «أحمد» ويقرر التخلص من أنانيته ويطور نظرته للعالم ويبادر بإعادة المبلغ الذي أخذه والده من عمله ويقوم بحلاقة شعره تماماً حتى يشجع والدته على تعاطي العلاج الكيماوي، ولأول مرة يبدى تفهمه لمشاعر شقيقته، وفي النهاية يواجه الحلم المزعج لكنه يرى الحافلة وهي متجهة هذه المرة إلى أفراد أسرته وبدلاً من أن يحاول الهرب من الموت يقرر أن يفتديهم بنفسه وينتهي الفيلم والدموع وملامح الحسرة تملأ وجوه أسرته. الغريب أن «أحمد» كان يحاول التهرب من إتمام زفافه ويبدو أنه لا يحب عروسه حتى أنه حاول إلغاء الزفاف. وعلى الرغم من أن الأحداث تدور في يوم واحد هو يوم زفافه من الصباح حتى المساء حيث تنتهي بوفاته وتتكرر بصور مختلفة إلا أننا لم نشاهد عروسه ولو في مشهد واحد. واختار المخرج الاعتماد على أسماء جديدة تماماً في جميع الأدوار وأدارهم ببراعة وأجادوا في أدوارهم خاصة الأب الذي جسده (محمود الفيشاوي) والأم (ناهد عز العرب) والأخت (سارة عبد الرحمن) والصديق وسائق التاكسي. فيلم «ألف مبروك» تجربة جيدة وجريئة وتخرج عن المألوف من جانب أحمد حلمي ويبدو أنه لا يعرف التوقف عند شكل أو نوعية محددة. واستطاع أن يقدم إضافة بأدائه الذكي ويؤكد أن لديه الكثير، ونجح المونتير معتز الكاتب في تحقيق التوازن والتأثير الدرامي بنقلاته السريعة وإيقاعه المتباين خاصة في مشهد النهاية. وتناغمت موسيقى عمرو إسماعيل مع الأحداث ولعب ديكور باسل حسام دوراً مهماً في تقديم صورة شديدة الواقعية لحياة أسرة البطل وحققت كاميرا مدير التصوير أحمد يوسف عناصر المتعة البصرية وساهمت مهارته في توظيف الإضاءة والظلال في توضيح الرؤية الضبابية التي كان يعيش فيها البطل واللحظات التي تجلت فيها حقائق الأمور. ويبقى الفيلم تجربة ربما تكون صادمة لجمهور يبحث عن الضحك والقيمة في أفلام أحمد حلمي لكنه في النهاية لا يمكن أن يفقد إعجابه بالفنان الذي يسعى دائماً إلى تقديم وجبة جديدة تتميز بالثراء الفكري والفني وأن شابتها المرارة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©