الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حَجَرُ الصّبر

حَجَرُ الصّبر
1 أكتوبر 2009 00:11
دائماً أحكي هذه القصة عندما أُريد أن أحدّث عن المنفى. قصة بسيطة تروي حكاية حال بطل أسطوري من ابتداع تراثنا الوطني يدعى نصرُو دينيه. ذات ليلة رآه رجلٌ يفتّش عن مفاتيح بيته في جنح الظلام مستنيراً بمصباح الطريق. شرع الرجل في البحث معه عن ضالته ثم توقّف عن ذلك وسأله: «هل أضعت مفاتيحك في هذا المكان؟» فأخبره نصرو بأنه فقدها في مكان آخر بالقرب من منزله. عندها ألحّ الرجل في السؤال مدهوشا: «لِمَ تبحث عنها هنا إذن!؟» فأجابه: «في بلادي، حيث منزلي لا يوجد نورٌ». بهذه الحكاية حدّث الكاتب الأفغاني آتيك رحيمي عن إيجابيات تجربة المنفى وقسوتها في حوار أجرته معه مجلة «المجلة الأدبية» الفرنسية عدد أيلول 2009. الثابت أن تجربة المنفى محنة قاسية تدرك بالحال لا بالمقال. الثابت أيضاً أن المنفى، من جهة كونه مكان الانتفاء، وباعتباره نوعاً من الخلع يتمّ عنوة وقهراً، ليس مجرد انتقال من الأليف إلى المجهول، بل هو فوضى عارمة تضع الكائن في حضرة رعب الوجود. لا سيما أن تجربة المنفى تجربة إشكالية: إنها محنة يمكن أن تدمّر الذات والهوية. لكنها يمكن أن تتحوّل لدى المبدعين إلى قادح يظل يشحذ طاقتهم على الإبداع. هذه هي بالضبط حال الروائي الأفغاني آتيك رحيمي. ولد رحيمي سنة 1964 في كابول. ومثل أبناء جيله منكودي الحظّ الذين حكمت عليهم لحظتهم التاريخية بأن يعايشوا رزايا الحرب، عاش آتيك جميع ويلات الحرب الأفغانية ضد السوفييت من سنة 1979 حتى سنة 1984 ثم اختار اللجوء إلى الباكستان. ومن الباكستان عبر إلى فرنسا لاجئاً سياسياً. وفي منفاه الباريسي سيستنير رحيمي بأنوار باريس ويعثر على مفاتيح الإبداع. لم يضيّع في باريس وقته سدىً، بل أعدّ دكتوراه في الفنون السمعية البصرية بجامعة السوربون. ومثلما يدفع كل مبدع من حياته عادة ضريبة النجاح عذاباً وضنى، عصفت الرزايا بعائلته التي خلّفها وراءه في بلاد الأفغان المتقّدة ناراً ولهيب حرب. فقد فجع في أخيه الذي تم اغتياله سنة 1989. وعرف بقية أفراد عائلته المطاردة والتشرّد. الراجح أن آتيك رحيمي كان على يقين من أن الإبداع هو الطريق إلى التطهّر من الألم. لذلك قام بإنجاز شريط سينمائي طويل بعنوان «أرضٌ من رماد» نال عليه جائزة «النظر إلى المستقبل» في مهرجان كان سنة 2004. كانت تلك خطوة باتجاه الخروج من منافي الصمت. ثم تلتها الخطوة الثانية حين نالت روايته «سينقي سابور. حجر الصبر» جائزة غونكور الفرنسية الشهيرة سنة 2008. والراجح أن آتيك رحيمي يؤمن بأن خلاص العالم مشروط بتآخي الديانات لا بتناحرها. لذلك يعرّف معتقده هكذا: «أنا بوذي لأنني واعٍ بضعفي، وأنا مسيحي لأنني أعترف بضعفي، وأنا يهودي لأنني غير مبالٍ بضعفي، وأنا مسلم لأنني أدينُ ضعفي».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©