الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصحافة الإماراتية بدأت على ورق كرتون!

الصحافة الإماراتية بدأت على ورق كرتون!
13 يوليو 2016 22:49
حاوره حمد الكعبي ــ العين (الاتحاد الثقافي) عمل مصبح بن عبيد الظاهري، الذي غيبه الموت في 11 يونيو الماضي، عن عمر يناهز نحو 120 عاماً في مدينة العين، صحفياً وإعلامياً بالفطرة في زمن كانت تعم فيه الأمية، حيث بدأت حكاية الظاهري مع الصحافة، التي باتت معروفة لكل من يعنى بتاريخ الصحافة في الإمارات، برغبته في «تسويق» حبوب (النخي) الذي جلبه إلى دكانه، ولم يجد إقبالاً من الناس في بادئ الأمر، فهداه تفكيره ومعرفته البسيطة بطبائع الناس، التي تكونت لديه من خلال عمله في المقهى الشعبي، إلى كتابة فوائد النخي بشكل فكاهي على أحد الألواح الخشبية وعلقها في دكانه، فلقيت الفكرة قبولاً واسعاً من مختلف الناس، بالرغم من إمكاناتهم المتواضعة، وهكذا بدأت انطلاقة الصحافة ببداية بسيطة جداً على ألواح معلقة على جدران من طين في المقهى. قبل وفاته بفترة، أجريت مع مصبح بن عبيد الظاهري هذا الحوار الذي يروي فيه لـ «الاتحاد» تفاصيل قصته، والأسباب التي أدت إلى صدور صحيفة «النخي»، حيث أسس «مقهى» في واحة العين القديمة، وقد حاولت تصوير بيته ومقتنياته بعد الوفاة، غير أن ظروفاً خارجة عن إرادتنا حالت دون تحقيق ذلك.. لكن أهمية الحوار وما جاء في ثناياه من معلومات تضيء على فترة زمنية مهمة في تاريخ الدولة تستدعي نشره. يقول الظاهري: «كنت أقدم الشاي والقهوة العربية، وبعض المشروبات التي كانت تصنع من المنتجات المحلية، وبعضها يتم استيرادها من إمارة دبي، ولكن الأهالي كانوا يعانون الفقر الشديد، فكانت تجري مقايضة المشروبات المقدمة لهم، مع بعض السلع المحلية، مثل التمر والحطب، والفحم، وغيرها». وبدأت فكرة صحيفة «النخي» التي أسّسها الظاهري في 1934م بسيطة للغاية، ورقة من الكرتون دوّن عليها فوائد «النخي» بأسلوب شائق، مركزاً على فوائده الصحية، وعلّقها على واجهة المقهى، فقرأها كل من مر بها، حتى لفت انتباههم، وحظيت المعلومات عن النخي باهتمام الرجال، فزادت المبيعات على نحو كبير، ما شجعه على كتابة نسخ عدة من «النخي» وتوزيعها، وزاد عددها في البداية على 10 نسخ في الأسبوع، وعُدّت تلك الألواح بمثابة أول صحيفة في الإمارات، وأوضح الظاهري: «طورت التجربة لاحقاً، فبدأت بكتابة الأخبار والمعلومات عن المواليد والوفيات والأعراس وأحوال الطقس، وحتى حالات الطلاق في مناطق العين، فضلاً عن أخبار وصول القوافل التجارية التي تأتي من أبوظبي ودبي والشارقة، وظروف الطريق من العين إلى أبوظبي ودبي، وفي مرحلة متقدمة أضفت أخباراً كنت أسمعها من إذاعتي صوت العرب، ولندن». ولفت الظاهري إلى أن عدد الأفراد الذين يعرفون القراءة والكتابة في مدينة العين كان قليلاً، ومعظم الناس يحفظ الشعر بالتوارث عن الأجداد، ولم تكن هناك يومها أي وسيلة ترفيه تعمل على تسليتهم، حيث كانوا يقضون أوقاتهم في تبادل الشعر والتسامر. وأشار إلى أنه بالرغم من قلة الإمكانيات المتاحة في ذلك الزمان إلا أنهم كانوا سعداء بحياتهم البسيطة، وجاءت صحيفة النخي لتدخل عليهم نوعاً جديداً من التسلية من خلال تناقل أخبار الناس والقوافل التي تأتي المدينة وتغادرها، في وقت ركزت معظم مواضيع النخي على الأخبار الاجتماعية والأفراح والأحزان، وبعض الأمور الأخرى التي يحبذ الناس سماعها، أو غابت عنهم. وأضاف أن الحصول على الخبر وكتابته كان يستغرق يومين أحياناً، حيث لم تكن هناك مطابع أو تجهيزات متقدمة كالتي تتمتع بها الجرائد الآن، وأنه منذ الصباح الباكر كان الناس يتجمعون حول مقهى شعبي في سوق مدينة العين، ومع تجمعهم يتحدثون عن أحوالهم فيأخذها نقلاً عنهم ثم يعود إلى بيته في المغرب ليكتب هذه الأخبار على ورق (كرتون) وأحيانا الألواح، وفي الصباح يعلق هذه الصحائف أمام دكانه، من يشترى النخي يقرأ الأخبار، ومن يقرأ الأخبار يشتري (النخي)، وهكذا بدأت مفاهيم الإعلان عنده باعتبار أنه يريد رواجاً أكثر لتجارة (النخي) التي أصابها الكساد في ذلك الوقت، وهو ما مثل منظراً فريداً كان يحسده عليه التجار الآخرون في السوق الذي ضم ثمانية محال. الإعلامي الأول كان مصبح الظاهري أول من أدخل الصحافة إلى العين بشكل خاص والدولة بشكل عام، حيث إنه وجد الورق التي يضع فيها التسالي بيضاء، ومن هنا جاءته فكرة أن يكتب تحياته على هذه الأوراق لكل من يشتري، ثم تطورت إلى السؤال عن الأهل والأولاد، ثم إلى صحيفة متخصصة تضم أخبار الحوادث وجرائم قطاع الطرق، وأخبار المواليد والأعراس وأخبار الوفيات، وغيرها من الأخبار الاجتماعية، وكذلك تنظيمها بشكل جميل، واضعاً كل خبر حسب أهميته، فالخبر الرئيس كان عن نشاط الحاكم، ثم أخبار القبائل، كذلك إحصائية يومية بعدد القادمين والمغادرين من مدينة العين وإليها. ومن أهم الأخبار التي كان يعتز بها مصبح الظاهري، الخبر الذي نشره في (النخي) عن ماكينة مياه للري اشتراها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الأول في بداية الثلاثينيات، وكانت صيغة الخبر كالتالي: (أفادت الأنباء أن ذهن الإنسان لم يتوقف عند شيء… فهو في جديد دائماً، وقد علمنا عن سمو الشيخ خليفة بن زايد أنه اشترى ماكينة للري ترج الأرض رجاً، وتعج الماء عجاً، لها أزيز الريح وخرير المطر، تنتفض كأنها زلزال لا يطاق، فتفجر الأرض عيوناً وينابيع …)، وقد أثار هذا الخبر فضول المواطنين الذين تجمعوا حول القصر أياماً يشاهدون الماكينة وهي تعمل. وتعلّم الظاهري، المولود في العام 1896 في العين، الكتابة والقراءة والحساب على يد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الأول، عم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة، وإضافة إلى كونه رائداً في الصحافة، برز بفطرته في التجارة، وكان أول مَنْ أسّس بناية مكوّنة من طابقين مبنية من الطين، وأول مَنْ بنى مقهى شعبياً في العين. ويروي الظاهري، الذي شهد ثلاثة قرون، أهم محطات حياته، إذ تعلّم قراءة القرآن الكريم أولاً، قبل أن يبدأ في تعلم الكتابة والقراءة والحساب على يد مَنْ تربى في كنفه الشيخ خليفة بن زايد الأول، في مرحلة مبكرة من عمره، كان خلالها يتنقل بين مدينة أبوظبي وواحة البريمي، واستفاد كثيراً من العلماء الذين كانوا يتردّدون إلى منزل خلف بن عتيبة، أحد كبار تجار اللؤلؤ في ذلك الوقت، كما استفاد من مجالسته الشيوخ في تنمية مهارة التجارة، فكان أول من شيّد محال تجارية من الطين، ومغسلة للثياب، في وقت كانت أداة الغسيل فيه الطين والماء. وكان الظاهري يبدي اهتماماً لافتاً بالمقهى، فصار ملتقى ثقافياً وترفيهياً للسكان، واشتهر من خلاله ببيع «النخي والشاي والقهوة» التي كان يجلبها بكميات كبيرة من دبي مُحمّلة على ظهور الجمال، كما حرص على تزويده بجهاز أسطوانات غنائية وموسيقية «البشتختة» في وقت لاحق، قبل أن يضيف الراديو إلى مقتنياته، وشكل أول عهد له بجهاز الراديو قصة طريفة، إذ شاهده للمرة الأولى مع جندي بريطاني أتى إلى المقهى، فسأله الظاهري عن الآلة غريبة الشكل التي يحملها، وما أن بدأ بتشغيله حتى دُهش، ومن معه، في المقهى من الصوت المنبعث منه، عندها بدأ بعض الزبائن يكبرون ويستعيذون بالله من الشيطان الرجيم، إذ ظنوا أن الجهاز مسكون بالجن، وفرّ بعضهم من شدة الخوف، لكنه أعجب بالجهاز، وطلب من الجندي أن يبيعه إياه، فوافق واشتراه بـ25 روبية، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت، على حد قوله. الزراعة رزق مدينة الواحات كما أطلق عليها الأهالي فيما بعد، تضم عدداً من واحات النخيل التي كانت مصدراً للرزق، تضمن للأهالي حصولهم على قوتهم اليومي، والمؤونة السنوية من التمر والدبس، ويؤكد الظاهري أن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، كان السبب الرئيس لازدهار الزراعة في مدينة العين، خاصة بعد تحرير مياه الري وحفر الآبار، ووضع نظام عادل لتوزيع الحصص، والاعتماد على زراعة الأجداد. وقال مصبح عبيد الظاهري، إن «الأفلاج» من المعالم التي تتميز بها مدينة العين، بل تمثل إحدى المفردات التي تروي تاريخ هذه المدينة الجميلة، والتي طورت من تجاربها لتوفير الماء، خاصة في بيئة يمارس أهلها مهنة الزراعة، مشيراً إلى أن مع دخول الصيف كان الحديث عن الماء يصبح أكثر إلحاحاً، نظراً لزيادة الحاجة إليه مع انخفاض المنسوب، بحيث تنتج الظروف البيئية الوسائل المناسبة من أجل المحافظة على هذه الثروة من خلال تقليل الهدر وإيجاد البدائل. ويستدعي ذاكرته عن الأفلاج ومعاصرته لتلك الأيام حين أمر المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، بحفر الأفلاج من منطلق أهميتها في توفير المياه للزراعة، بعد أن كانت الكثبان الرملية تشغل مساحة واسعة من مدينة العين، حيث كانت في تلك الفترة تختلف شكلاً ومضموناً عما هي عليه الآن. وأضاف:«الأفلاج كانت مصدراً أساسياً للحصول على الماء، وكان المغفور له بإذن الله الشيخ زايد يشارك في حفر هذه الأفلاج يداً بيد مع أهالي المنطقة حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من اتساع في الرقعة الزراعية». وأشار إلى أن فلج الصاروج يعتبر من أهم الأفلاج وأكبرها في مدينة العين، ولا يزال قائماً حتى الآن، ويروي المنطقة ومزارع النخيل، ففي الصباح تزداد كمية الري وفي الليل تقل، والهدف من ذلك هو الحفاظ على تدفق هذه الأفلاج وضمان توافرها، والحد من الهدر والإسراف واستخدام المياه بطريقة عشوائية، خاصة أن العين تتميز بزراعة النخيل بمختلف أنواعها، وهي تحتاج إلى كمية كبيرة من المياه خلال فترة النهار، ومع قدوم الليل، وتحول الطقس إلى البرودة تقل حاجة النخيل من المياه. وقال الظاهري، إن في مدينة العين قرابة 280 فلجاً، ومعظمها يعتبر جافاً، وتبقى منها بعض الأفلاج التي يصعب تحديد العمر الجغرافي لها، ومنها فلج العين، وفلج الهيلى، وفلج القطارة، وفلج الداوودي، وفلج الجاهلي، وفلج الجيمي، وفلج المعترض، وفلج المويجعي، وفلج مزيد، ويسمى فلج العين بفلج الصاروج، لأنه من الأفلاج الكبيرة، ويسير تحت الأرض ضمن قنوات عديدة عليها مجموعة من الفتحات لتسهيل عملية تنظيف ومراقبة المياه، وعند تولي المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ممثل الحاكم في مدينة العين، قام بحفره وترميمه وإعادة توزيع نسب المياه على المزارعين بأسلوب عادل. وأكد الظاهري أن فلج القطارة يعتبر من أهم الأفلاج، حيث ينبع من منطقة صعرا بجنوب البريمي، ويصل إلى مدينة العين ضمن قنوات تحت الأرض وطوله 8 كيلومترات. نهج الشورى قال الظاهري في حديثه، إن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كان يسير على القيم والمبادئ الإسلامية الحنيفة، وتربى على الحكمة في مجلس والده الشيخ سلطان بن زايد – رحمه الله-، وأضاف أنه حين كان يعمل لدى الشيخ خليفة بن زايد الأول، وصدرت الأخبار بميلاد شيخ من أسرة آل نهيان سمي بـ «زايد»، أمر الشيخ خليفة بن زايد الأول بإقامة الاحتفالات الشعبية، ومنها الرزفة والعيالة، وخرج الأهالي في مسيرة إلى القصر، وحينها شعر الناس أن ذلك المولود سيكون ذا شأن عظيم، وستحدث على يده أمور كبيرة. ويستطرد:«إن زايد قائد حظي بإعجاب وولاء القبائل والبدو الذين كانوا يعيشون في الصحراء، وهو بلا شك أقوى شخصية في الإمارات المتصالحة، كما كانت تسمى في السابق، لقد كان واحداً من العظماء في ذلك الزمان، لقد ظهر منذ البداية كرجل مرموق يحيطه البدو بالاحترام والاهتمام، كان لطيف الكلام دائماً مع الجميع، سخياً جداً بماله. ومنذ اللحظة الأولى لتوليه منصب ممثل الحاكم في مدينة العين، بدأ المغفور له الشيخ زايد تطبيق مبدأ التشاور مع أبناء شعبه في كل ما ينوي فعله، وترك ذلك بصمات واضحة في نفوس أهل العين الذين التفوا حول زايد، وصاروا ينتهجون فعله وعمله ويسيرون على خطاه». وأشار الظاهري إلى أنه منذ تولي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان ممثل حاكم العين وضع الإنسان نصب عينيه، فكان كثير التفكير في التنمية البشرية وتطوير الإنسان من خلال توفير التعليم والصحة والمسكن الملائم والغذاء، حيث اعتنى بواحات النخيل التي كانت تنتج التمور في الشتاء والرطب في الصيف، وذلك حتى ينعم الأهالي بالحصول على غذاء من غرس أيديهم ومن إنتاج أرضهم. لقد وضع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - رحمه الله- تحقيق هدف نبيل من شأنه أن يخدم الوطن وأبناءه، من خلال خطة دقيقة لتطوير نظام الري والسقاية في مدينة العين تعتمد على خطوتين رئيستين: الأولى، إصلاح الأفلاج القديمة في مدينة العين، والثانية، تتمثل في حفر أفلاج جديدة لتوسيع شبكة الري والسقاية في زراعة الأرض، وتتضح رؤية المغفور له في تطبيق مبدأ الشورى حين عرض على أبناء شعبه في مدينة العين فكرة تحرير مياه الري والسقاية، وإلغاء قوانين تجارتها التي كانت سائدة، وأدرك أبناء شعبه في العين صدق نيته الطموحة، حيث قال الظاهري، إن المغفور له الشيخ زايد كان يردد دائماً:«أساس الحضارة الزراعة»، وغيرها مثل«أعطوني زراعة أعطيكم حضارة»، على هذا الأساس اقتنعوا بقراره الحكيم الذي شكل بداية للانطلاق نحو تطبيق نظام اجتماعي واقتصادي جديد يرتكز على قيم ومبادئ العدالة الاجتماعية. هذه الواقعة الشجاعة للمغفور له الشيخ زايد في تحرير مياه الري والسقاية وإلغاء قوانين تجارتها توضح لنا مرتكزات ومعالم الشورى في فكره ومنهجه، لأن هذه الوقفة الشجاعة تشكل فعلاً مبدأ الشورى الأول عنده، لأن حل تلك المشكلة كان يعني حل جميع المشاكل الناجمة عنها، بالإضافة إلى المعنى الأكبر وهو وقوف الحاكم إلى جانب الأغلبية الفقيرة من أبناء شعبه، وبحل تلك المشكلة تجسدت العدالة الاجتماعية، ورسّخت معالم الحب والولاء والوفاء في قلوب الجميع للمغفور له الشيخ زايد طيب الله ثراه. وقال الظاهري، إن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لم يكن «يحلم بتطوير نظام الري والسقاية والزراعة لتحقيق العدالة الاجتماعية في مدينة العين فحسب، بل كانت أحلامه تتجاوز حدود مدينة العين، كان -رحمه الله- يحلم بزراعة الصحراء، وبناء نهضة شاملة لوطن كبير موحد، كان يدرك أن ذلك الحلم الطموح لن يتحقق بسلطة الحاكم الفرد المعزول عن شعبه، وإنما بإرادة الشعب وعزيمة سواعد أبنائه المخلصين. وأشار الظاهري إلى أن في السادس من أغسطس العام 1966م ولد عهد جديد، حيث تولى المغفور له الشيخ زايد حكم أبوظبي، ومنذ اللحظة الأولى لتوليه مقاليد الحكم دأب على إرساء قواعد الإدارة الحكومية وتنظيمها على أسس عصرية، وكان يدرك أن عليه في الفترة بعد العام 1966م أن يبني مجتمعاً جديداً للأجيال القادمة وليس لسنوات محدودة مقبلة. الختمة وزفة الخاتم عندما يكمل أحد الصبيان تلاوة القرآن بجميع أجزائه تحت إشراف المطوع، يطلق عليه (الخاتم)، فإن كان أهله من الأغنياء أغدقوا على المطوع الهدايا والنقود من دون أن يشعر أحد، وأما إذا كان الخاتم من الفقراء فيقيم له أهله احتفالاً عجيباً من نوعه، وعن طريق الاستعارة يتم توفير البشت والعقال المقصبين والسيف المذهب، فيلبس «الخاتم» الملابس النظيفة (الثوب والبالطو والغترة والنعال). وفي صبيحة يوم الاحتفال يخرج الخاتم الصغير من بيته، وهو بكامل هيئته لابساً بشته وعقاله، وحاملاً سيفه في يده اليمنى، يصحبه والده ووالدته وصديقاتها حاملات على رؤوسهن أطباق (المخلط) و(مراش) ماء الورد والمباخر، ويتوجه الجميع إلى مدرسته، حيث يجتمع فيها الصبيان والمدرسون، وهم متأهبون لاستقبال الموكب، وما أن تطأ أقدامهم أرض المدرسة حتى يوزع عليهم ماء الورد والبخور بعد أن يأخذ المطوع نصيبه منها ليطعم أهله وأقاربه، ثم يأمر جميع طلابه بالانصراف إكراماً لهذه المناسبة السعيدة، وذلك بعد اختيار الكبار منهم برفقة أحد المدرسين ليزفوا الخاتم بصحبة والدته، فيمرون به بالأحياء لا يتركون بيتا إلا ووقفوا عنده لقراءة التحميدة، وللحصول على المكافآت المالية التي توهب له تقديراً لحفظه القرآن الكريم، وبعد مرور أسبوع أو أكثر على هذه الحال، يكون أهل الخاتم قد وفروا المبلغ المناسب من بيوت الأغنياء الشرقية منها والقبلية، وهو المبلغ الذي سيقدمونه للمطوع إكراماً له على حسن رعايته لابنهم مع الدعاء له بالخير والبركة والعمر المديد. السحارة يحضر الصبيان الكبار كل منهم صندوقاً خشبياً صغيراً يدعي (السحارة) لحفظ أدواته فيه، وبعضهم كان يمتلك نوعاً جيداً من تلك (السحاحير) تم استيراده من خارج البلاد، وكان مصنوعاً من خشب (السيسم) بقصد توفير الظلال اللازمة لطلاب المدرسة. مدرسة «ابن خلف» مدرسة (ابن خلف) اختلف على تاريخ تأسيسها ما بين العام 1903 والعام 1912، وأنشأها التاجر خلف بن عتيبة، وقد تلقى طلابها التعليم الديني على يد الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم، أحد أفراد عائلة آل مبارك، وهو من علماء الإحساء، واستمرت حتى العام 1926. وفي مدينة العين، كان الشيخ ثاني بن محمد قاضياً ومعلماً للمواد الدينية والقراءة والكتابة، وقد أنفق على هذه المدارس الشيوخ والتجار وأهل بني ياس. الخدمة لا يوجد في المدرسة مستخدمون بل الطلاب أنفسهم هم الذين يقومون بخدمة المدرسة من فرش ورش وتنظيف، أما الحوائج الخاصة بالمطوع فيكلف الطلاب بشرائها له. العقاب بالفلقة والعصا من وسائل العقاب قديماً العصا والفلقة (التيحيشة) وهي عبارة عن رمح بطول المتر تقريباً مربوط به خيط متين يعلق به المذنب من قدميه بعد (التيحيشة) بالفلقة والعصا، وتحكم بقفل ويحتفظ المطوع بمفتاحها، فإذا تغيب أحد الأولاد عن الدرس، يوضع في الفلقة وهي، خشبة طويلة نسبياً وبها محز أو سلسلة، حيث يتم وضع قدمي الصبي في الفلقة، ويقفل عليهما، ويظل في بيت المطوع مدة طويلة قد تتراوح أحياناً من يوم إلى ثلاثة أيام.. وقد توضع القدمان في الفلقة، وترفعان إلى الأعلى مع الضرب بالعصا (المطرق) على حافتيهما.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©