الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

راؤول ··· كوبا نحو الرأسمالية

راؤول ··· كوبا نحو الرأسمالية
27 يوليو 2008 01:18
في إحدى القاعات الممتدة على طول الطابق الأرضي لبناية في العاصمة الكوبية ''هافانا'' تناوب مجموعة من الكوبيين على استخدام آلات رفع الأثقال ويتمرنون لتحسين لياقتهم البدنية، وللوهلة الأولى لا يوجد ما يلفت النظر لو لم يكن المكان مخصصاً أصلا كموقف للسيارات؛ وهكذا وما أن يبدأ الليل في الزحف على المدينة حتى ترفع الآلات المصنوعة يدوياً في إحدى ورشات الحدادة وتخبأ بعيداً عن الأنظار، لتفسح المجال للسيارات القديمة التي يملكها سكان البناية· ومع أن قاعة الرياضة التي تحتل موقف السيارات في أسفل البناية لا وجود لها في الأوراق الرسمية، إلا أن ''جليرمو أريستا'' افتتحها قبل خمس سنوات ويعمل بها ثلاثة أشخاص، كما يتقاضى خمسة دولارات عن كل شخص من المشتركين الذين زاد عددهم عن المائة؛ والحقيقة أن الأعمال الصغيرة التي تزدهر على هامش السوق الكوبي توضح بجلاء روح المبادرة والحركية النشطة في المجتمع الكوبي التي تنتظر من يطلق لها العنان ويفسح المجال أمامها لإخراج الاقتصاد الكوبي من مشاكله العديدة· فقد عانى اقتصاد الجزيرة الصغيرة من أزمة عنيفة منذ أن فقدت البلاد الدعم الذي كان يوفره لها الاتحاد السوفييتي بعد انهياره في التسعينيات؛ وفيما اعتقد البعض أن كوبا ستلجأ إلى تبني إصلاحات اقتصادية للتخفيف من وطأة النظام الاشتراكي على غرار الصين، رفض ''فيديل كاسترو'' التخلي عن مبادئه الاشتراكية وفتح الاقتصاد أمام المبادرة الخاصة؛ لكن الأنظار معلقة اليوم على أخيه الأصغر ''راؤول'' للقيام بالخطوة الأولى نحو اقتصاد السوق والرأسمالية؛ وتزيد سمعة ''راؤول'' البرجماتية من إنعاش أمل الكوبيين من أن حقبة الزهد والتقشف الاقتصاديين على وشك الانتهاء، لا سيما بعد إعلان ''راؤول'' عن إدخال مجموعة من الإصلاحات على القطاع الزراعي، كما بدا في خطاب ألقاه مطلع الشهر الماضي وكأنه يهيئ الشعب لتغير اقتصادي قادم؛ وفي هذا السياق صرح ''راؤول'' في خطابه أمام البرلمان الكوبي -الذي لا يفعل شيئا عدا التصديق على القرارات الحكومية- أن ''الاشتراكية تعني العدالة الاجتماعية والمساواة، لكن المساواة في الحقوق والفرص، وليس في الدخل''· ويعلق على الخطاب أحد المحللين السياسيين في كوبا قائلا: إنه من الصعب تصور أب ثورة 1959 يتلفظ بهذه الكلمات ويقول إن الاشتراكية لا تعني المساواة في الدخل؛ وقد ساهمت مجموعة من العناوين اللافتة في الصحافة الكوبية مثل السماح للكوبيين بتملك الفنادق المخصصة للسياح، والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر في تغذية الترقب الشعبي من احتمال تبني ''راؤول'' للنموذج الصيني والتوجه نحو اقتصاد السوق؛ في هذا الإطار يوضح ''ويليام ليوجراند'' -الخبير في الشؤون الكوبية بالجامعة الأميركية بواشنطن-: ''بالطبع لن تذهب كوبا إلى حد ما قامت به الصين من تفكيك لشبكة الأمان الاجتماعي''؛ ولكنه يضيف أن: ''راؤول'' أبان عن حس براجماتي لم يجرؤ كاسترو على إقراره، لذا جاءت بعض الخطوات مثل التغاضي عن العمل غير المصرح به، والزيادة في الرواتب وتشجيع الإنتاج باحتساب العمل الإضافي، والأهم من ذلك فتح القطاع الزراعي للمبادرة الخاصة والسماح بتسويق المحصول؛ ويؤكد الخبير في الشؤون الكوبية أنه ''إلى درجة ما يبدو أن الكوبيين منخرطون في مرحلة تجريبية يختبرون فيها آليات السوق من الناحية الاقتصادية وتداعياتها السياسية''· فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وما ترتب على ذلك من فقدان كوبا لأحد موارد النفط الغنية التي كانت تسند الاقتصاد وتغنيه عن فاتورة الطاقة المرتفعة دخلت البلاد مرحلة المشاكل الاقتصادية؛ وفي ظل المتغيرات العالمية المستجدة اضطر كاسترو إلى التخفيف -ولو على مضض- من قبضة الدولة على الاقتصاد، وسمح بظهور مهن خاصة غير مؤممة مثل مهن للخياطين والميكانيكيين وأصحاب المطاعم· واستحدثت الحكومة في هذا السياق 150 نوعا من التراخيص للكوبيين حتى يتمكنوا من إنشاء أعمالهم الصغيرة والاعتماد على أنفسهم، فارتفع عدد أصحاب المهن الخاصة إلى 200 ألف كوبي؛ غير أن ذلك الرقم تراجع إلى 150 ألف وفقا لأستاذ العلوم الاقتصادية ''أنطونيو خورخي'' في جامعة فلوريدا، بسبب عدم تحمس كاسترو للمبادرة الخاصة التي أدت في نظره إلى اغتناء البعض على حساب البعض الآخر وتكريس الفوارق الطبقية في مجتمع يعتنق الاشتراكية كعقيدة يحظر المساس بها· وللحد مما اعتبرته الحكومة الكوبية تداعيات سلبية للانفتاح الاقتصادي سحبت في العام 2004 تراخيص 40 نوعاً من المهن الخاصة بما فيها المطاعم، وقامت برفع الضرائب، كما فرضت قيوداً على زيادة الدخل مثل التحكم في عدد الطاولات الموضوعة في المطاعم التي يسمح للكوبيين بفتحها داخل منازلهم· ويرى ''خورخي''، الخبير الاقتصادي، أنه ما كان لكاسترو أن يسمح بتقاعس الدولة عن السيطرة على الاقتصاد والإمساك بمقاليد الأمور، لكن ''راؤول'' يستطيع التخفيف من تلك القبضة ويفسح المجال لإدراج مهن جديدة مثلا في القائمة المسموح بها، وقد يتساهل أيضا في منح التراخيص، أو إزالة بعض القيود مثل الضرائب المرتفعة وغيرها· والواقع أن التشدد الذي قابل به كاسترو الأعمال الخاصة دفعها إلى العالم السفلي بعيداً عن أنظار الرقابة الحكومية وأنعش بذلك الاقتصاد غير المهيكل· فعلى سبيل المثال قررت ''آني''، التي رفضت ذكر اسمها الثاني شأنها في ذلك شأن جميع الكوبيين الذين استجوبناهم، التخلي عن مهنة التدريس التي تدربت عليها وتفرغت لكسب رزقها من خلال مساعدة خالتها على تأجير غرف بيتها للسياح بسبب الراتب الهزيل الذي لم يكن يتجاوز تسعة دولارات في الشهر· سارا ميلر وماثيو كلارك-هافانا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©