الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عندي امتحان لكن أين نعالي؟

عندي امتحان لكن أين نعالي؟
27 يوليو 2008 01:46
أستحق جائزة نوبل في الانتظام المدرسي، فمع 2160 يوماً دراسياً، وهو حاصل 12 سنة في 9 أشهر في 20 يوماً، لم أتغيب بعذر أو من دون عذر، إلا في أيام معدودة، وإذا لم أستطع تذكر أيام العذر لأنني كنت فيها مريضاً مرض الموت، فلا أيام ''اللاعذر'' أتذكرها جيداً، لأنها لا تتعدى أصابع اليد الواحدة· لم يكن الالتزام بالمدرسة حباً مني للعلم والنور الذي يقال إنه يشع منه، وإنما بسبب ذهابي إلى المدرسة طوال تلك السنوات مع أبي والعودة معه، وهكذا فقدت مقوماً من مقومات التسرب المدرسي، فالأولاد ''الصيّع'' كانوا يتسربون لأنهم يستقلون ''الباص''، وبكل بساطة كانوا في الصباح لا يصعدونه ''ولا من شاف ولا من درى''، وإذا كُشف أمرهم، قالوا بصوت ولد واحد: السائق جاء قبل الموعد أو تأخر كثيراً· وكنت، للأسف، أفتقد لمقوم آخر، فمدارسي كانت في دبي، بينما كنت أسكن في الشارقة، والأولاد ''الصيّع'' كانوا يتسربون ويبقون في مناطق سكنهم، ومع وقت العودة، يعودون إلى بيوتهم، ''ولا من شاف ولا من درى'' أيضاً، وهذا لم يكن متوافراً في حالتي المؤسفة· بالطبع، لم يكن مناسباً لواحد مثلي، يُشار عليه بالبنان بأنه فوضوي بعض الشيء، أن أقعد مثل الأطفال مكتوف اليدين في الصندوق الخلفي لسيارة أبي من نوع ''تويوتا كراون''، ونحن نسير على طريق الشارقة دبي حين كان بمسرب واحد، وأعود مثل الحيوانات الأليفة من المدرسة كل يوم أيضاً· قررت ذات يوم من أيام الصف الأول الإعدادي كسر قيد الالتزام بخطة لا تخطر حتى في بال الشيطان، جلست في السيارة الواقفة في حوش المنزل من دون أن ألبس نعالي، فإذا جاء وقت نزولي فاجأت أبي بالأمر، فيضطر إلى أخذي إلى دكانه لأبقى معه هناك وأحقق أمنيتي ''التسربية''، وقد استوحيت هذه الخطة من الصف الثالث، حين نسيت لبس نعالي وذهبت إلى المدرسة حافياً وأنا أرفرف بجناح الفرحة، فلا أحتاج إلى خلع النعال كل مرة للعب أو للمحافظة عليه، ومع العودة كانت قدماي كأنهما قطعتا قار· وفعلاً جرت الرياح بما تشتهي سفني، لكن إخوتي سألوني عن سبب وجودي في السيارة قبلهم، فقلت إن عندي امتحاناً مهماً وأريد المذاكرة، وكانت هذه غلطتي الوحيدة بعد أكثر من ساعة، صعد الجميع إلى السيارة واتجهنا إلى دبي، وكنت طوال الوقت أقلّب صفحات الكتاب بتركيز شديد، لأن عندي امتحاناً· بوصولي إلى المدرسة، وكان أكثرهم قد نزلوا إلى مدارسهم، فاجأت أبي ورحت أسأل بدهشة: أين نعالي؟ نعالي وين؟ هكذا لن تستطيع الذهاب إلى المدرسة، لكنه ذكرني بالامتحان المهم، قلت له إن المعلم متعاون وسيعيد الامتحان في يوم آخر، لكنه أصر على ذهابي إلى المدرسة· أخذني إلى دكانه في منطقة السبخة البعيدة عن مدرستي ''المهلب'' التي تقع بالقرب من نادي الشباب، وطلب مني اختيار نعال من نعالات دكانه، بعد أكثر من ساعة وصلت إلى المدرسة بنعال جديدة، ومع أولى الخطوات انفصل كعب فردة من النعال وذهب في حال سبيله وأصبحت معوقاً رجل أطول من الأخرى· ولأنني تأخرت عن الطابور الصباحي، فقد حصلت على ضربات بالعصا على يدي، وبقيت طوال اليوم حبيس الصف لا أستطيع الخروج بسبب النعال الجديدة، وعند العودة سألني أبي وهو مبتسم: ماذا فعلت في الامتحان؟ أحمد أميري ahmedamiri74@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©