الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أول كف وآخر كف!

أول كف وآخر كف!
27 يوليو 2008 01:47
لا أجد حرجاً من الكشف لقرائي الأعزاء عن أول كف ''أكلته'' وذقت طعمه وتحسست ألمه على خدي الوردي ، و'' فَرْ'' لي رأسي، لأشاهد الطيف بألوان أخرى، ولا عن آخر ''راشدي'' عَدّل لي مسار إتجاهي و''صحّاني'' على زماني! فما بين الفينة والفينة، أو بين فترة وأخرى، نحتاج إلى '' طراق'' يُفْتِح لنا خياشيم الرأس والمُخيّخ، كفعل صلصة ''التباسكو'' المكسيكية الحارّة، كي نفيق من سباتنا العميق، والنزول من أعلى البرج إلى البسيطة· وإذا كان الثمن والوسيلة ''كفاً'' خفيفاً، إلاّ أنه يؤدي الغرض ويُزيل العَرَض ، ويُثبت الدرس في الرأس في آن واحد! يقولون من يكبر ينسى، ولكن ليس كل الأشياء ولا كل المواقف والمشاهد ترضخ وتنصاع مطواعة لعوامل التعرية والنسيان، ومنها '' الكفوف'' أو ''الراشديات''، حالها كحال بعض من يفارقوننا في هذه الحياة، تأبى الذاكرة على نسيانهم، لنكتشف أنهم كل الذاكرة! لذلك، فضّلت كلمة ''راشديات''، وهي جمع لـ''راشدي''، إذ وجدتها أبلغ وأكثر عمقا ووصفا للحالة، لطالما علمت بأن أصل ''الراشدي'' قد جاء، أيها الأعزاء، من كلمة ''رُشد''! لذا، استجمعت شجاعتي وقررت أن أكشف لكم عن أبلغ ''الكفوف'' وأكثرها تأثيراً في نفسي، وأكثرها وقعاً ورنيناً في أذني ورأسي، ما استوجب حفظها في ذاكرتي البكر منذ الصغر، وأول كف بلا رتوش كان من والدي رحمة الله عليه لشدة حرصه وخوفه وعشقه لأبنته الوحيدة المدللة! سبب الكف، بالطبع، كان تقصيراً مني وسهواً، وكنت أستاهل ''الراشدي'' ولا أنكر ذلك، لأن الكذب حرام، ولي الفخر بأن ''أنكفخ'' خوفاً وحرصاً علىّ وليس لسبب آخر معاذ الله! فلم تكن مزحة ثقيلة منه، وهو الذي كان كثير المزاح والضحك، خصوصاً معي أنا بالذات· حذرني مراراً من الذهاب إلى بيت الجيران ونهرني مرات عدة بسبب ذلك، وأنا وعدته وكان الإتفاق، ودافعه إلى ذلك هو أن عندهم ولد ''هتلي'' شقي'' بدرجة ''سرْسرْي'' بعيد عنكم! ولكني إنسقت يومها وراء إلحاح شقيقته البريئة وذهبت معها، ولدى عودتي وجدت والدي يقف عند الباب والباقي تعرفونه ''ما يحتاي'' إلى شرح! بعدها قلت ''التوبه ياهي النوبه''· أما الكف الثاني، فكان ''مدوزناً مظبوطاً'' كظبط الموسيقي لآلته العزيزة، القانون· فكان للكف رنة في الجّو، وطنْة في الأذن طبعاً، حتى كادت طبلة أذني ''تنشرخ''! ولكن ولله الحمد، لم يكن هناك أي آثار جانبية غير الدهشة والدوران الذاتي حول نفسي· وقد صاحبته نوبة نوم عميق! حكاية هذا ''المُؤَرْخْ'' المنقوش والمطبوع والمحفور، إصبع إصبع على الخد والذاكرة هي أنني ذات يوم دخلت مستبسلة مؤازِرةً صديقتي التي استنجدت بي، بعدما كادت تنتقل إلى الرفيق الأعلى أو تتشوَه على يد ''شبه بنات'' غير شكل، وأثناء دخولي وفي عز المناوشات والمعمعة، وإذا بذلك الراشدي الآتي نحوي من اتجاه غير معلوم، حتى أنني حتى الآن لم أتعرف على صاحبته المتوحشه، ليبقى مجهول المصدر· ولتوهمي بضعف سمعي وإصابتي بالطرش جراء هذا '' البعيد''، إنتقلت من الصف السادس الإبتدائي إلى الصف الأول الإعدادي وأنا أرزح على المقعد الأمامي، مع طولي الاستثنائي مقارنة بزميلاتي، كما العمود المقسوم، كحائط سَدْ لمن يجلسن خلفي· فالتركيز كان أكثر في الدروس، والدرجات شبه النهائية في أغلب المواد عدا مادة الرياضيات المُعْقدة طبعاً، أثبتت ''دوزنة'' وفعالية هذا الكف المجهول وعمق تأثيره في عملية الإستيعاب لديّ· وهذا لا ينفي وجود كفوف ''طيّارية'' أخرى كثيرة من هنا وهناك، كنت أستقبلها وأرسلها غير هذين الكفين اللذين سردت قصتيهما، إلا أنها كانت بريئة من براءة عمرنا آنذاك، فهي، أي الكفوف، كانت مغلفة بشقاوة المرحلة وعبث الطفولة وأوقاتها، ممزوجة بضحكنا وقهقهاتنا وصراخنا أحياناً· فلا مكان للزعل بيننا، كنا نتوثب أدراج الطفولة العذبة بشغبها ومرحها العفوي الجميل، وإن صفع بعضنا البعض، فأكفنا حينها كانت بضْة ناعمة وطاهرة إلى أقصى حد، إذ لا تقوى على جرح ولا تتسبب ببكاء أحد! أما آخر ''راشدي'' أو صفعة أكلتها وأُفاخر بها حتى اللحظة، ،2008 فهي الأشد إيلاماً والأكثر تأثيراً في نفسي حتى الآن، لأنني أنا التي صفعت نفسها بنفسها، اعترافاً بالخطأ وإ قراراً باستيعاب الدرس الجديد، ولكن بلا شك لن يكون هو الأخير في رحلة العمر· وعلى رأي الفنان أبو أصيل عندما قال: ''أنا سبب نفسي بنفسي، جبت صبعي صوب عيني، وقلت ياحافظ على عيني''· همسة: ''لا بأس من درس نتعلمه في الحياة بـ''راشدي'' أو ''كف''، لعلنا كلما تذكرناه تذكرنا ذاك الدرس من جديد، و سلاااام يا نسيان''· فاطمة اللامي f_a6000@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©