السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أنقدوا المسجد الأقصى قبل فوات الأوان

أنقدوا المسجد الأقصى قبل فوات الأوان
2 أكتوبر 2009 00:22
تابع العالم أجمع المحاولات التي قامت بها مجموعات من اليهود المتطرفين لاقتحام المسجد الأقصى المبارك صباح يوم الأحد الماضي من خلال دخولهم من باب المغاربة وهو الباب الذي تسيطر عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، حيث تصدى شعبنا الفلسطيني في مدينة القدس وفلسطينيي الداخل سنة 1948م لهذه المجموعات المجرمة، وافشلوا مخططاتها والحمد لله، وقد أصيب عدد من المرابطين المدافعين، وهذا يبرهن على أن الفلسطينيين المرابطين يفدون الأقصى بالغالي والنفيس ولن يسمحوا لهؤلاء المجرمين بتدنيس ساحات المسجد الأقصى المبارك، ونحن هنا نتمنى الشفاء العاجل للجرحى والمصابين الذين سالت دماؤهم الزكية دفاعاً عن أولي القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين. إننا نحمل السلطات الإسرائيلية المسؤولية بالوقوف وراء كل ما يحدث من انتهاكات من قبل المتطرفين اليهود لساحات المسجد الأقصى، حيث إن قوات الشرطة الإسرائيلية هي التي تسهل دخول المتطرفين من باب المغاربة، كما تتولي حراستهم وحمايتهم. لقد حذرنا منذ عشر سنوات من خلال خطبة الجمعة لنا في المسجد الأقصى المبارك والتي تناقلتها جميع وسائل الإعلام وقتئذ، حيث بينا بأن مجموعات إسرائيلية متطرفة أعلنت بأنها قد أتمت صنع فانوس من الذهب يزن 42 كيلو جراماً ليضعوه على الهيكل المزعوم بعد بنائه على أنقاض المسجد الأقصى المبارك بعد هدمه لا سمح الله. إن المسجد الأقصى المبارك يتعرض لهجمة شرسة، فمن حفريات أسفله، إلى بناء كنس بجواره، إلى منع سدنته وحراسه وأصحابه من الوصول إليه، ومنع الأوقاف من الترميم، والعالم وللأسف يغلق عينيه، ويصم أذنيه عما يجري في الأقصى والقدس، وكأن الأقصى والقدس خارج حسابات المجتمع الدولي ، كما أننا نحمل الحكومة الإسرائيلية مسؤولية تلك الأعمال الخطيرة، محذرين من أن ذلك سيؤدي إلى عواقب وخيمة لا يستطيع أحد التنبؤ بنتائجها، مؤكدين أن المساس بالمسجد الأقصى المبارك هو مساس بعقيدة جميع المسلمين في العالم، فارتباط المسلمين بالمسجد الأقصى ارتباط عقدي وليس ارتباطا انفعالياً عابراً ولا موسمياً مؤقتاً، فهو آية من القرآن الكريم. القدس إسلامية إن مدينة القدس مدينة إسلامية بقرار رباني افتتح الله بها سورة الإسراء في قوله تعالى:»سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ» (سورة الإسراء الآية (1))، هذا القرار لن يلغيه أي قرار صادر من هنا أو هناك ، وستبقي كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، رغم كيد الكائدين، فقد لفظت القدس المحتلين عبر التاريخ، وستلفظ هذا المحتل إن شاء الله، ومن المعلوم أن بلادنا فلسطين تحتل مكاناً مميزاً في نفوس العرب والمسلمين، حيث تهفو إليها نفوس المسلمين. وتشد إليها الرحال من كل أنحاء المعمورة ، ففيها المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثاني المسجدين ، وثالث الحرمين الشريفين ، وفيها التاريخ الإسلامي العريق الذي يزرع نفسه بقوة في كل شارع من شوارعها ، وكل حجر من حجارتها المقدسة، وكل أثر من آثارها. لقد ربط الله- سبحانه وتعالى- بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى في الآية الكريمة السابقة حتى لا يفصل المسلم بين هذين المسجدين، ولا يفرط في واحد منهما، فإنه إذا فرط في أحدهما أوشك أن يفرط في الآخر، فالمسجد الأقصى ثاني مسجد يوضع لعبادة الله في الأرض كما ورد عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – قال : قلت يا رسول الله : أي مسجد وضع في الأرض أولاً ؟ قال : « المسجد الحرام، قلت ثم أي ؟ قال :المسجد الأقصى، قلت : كم بينهما؟ قال: أربعون عاماً» (أخرجه الشيخان)، كما وربط الله بين المسجدين حتى لا تهون عندنا حرمة المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وإذا كان قد بارك حوله، فما بالكم بالمباركة فيه؟ الشعب المرابط عند دراسة للأحاديث النبوية الشريفة نجد أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أثنى على المرابطين المقيمين في بيت المقدس، وأن منهم الطائفة المنصورة إن شاء الله، فبيت المقدس سيبقى إن شاء الله حصناً للإسلام إلى يوم القيامة على الرغم من المحن التي تعصف بالأمة، فالخير سيبقى موجوداً في هذه الأمة، وفي الشعب الفلسطيني المرابط إلى يوم القيامة لقوله – صلى الله عليه وسلم - : « لا تزال طائفةٌ من أمتي على الدينِ ظاهرين لعدوُّهم قاهرين لا يضرُّهم مَنْ خالفهم إِلاّ ما أصابَهُم من َلأْوَاء حتى يأتيهم أمرُ اللهِ وهم كذلك قالوا: وأين هم ؟ قال : ببيتِ المقدسِ وأكنافِ بيتِ المقدس» (أخرجه أحمد بن حنبل). فالقدس لا يمكن أن تُنسى، أو تُترك لغير أهلها، مهما تآمر المتآمرون وخطط المحتلون، الذين يسعون لطمس طابعها العربي الإسلامي، ومحو معالمها التاريخية والحضارية، وتحويلها إلى مدينة يهودية، ففي كل يوم تدفن جرافات الاحتلال الصهيوني جزءاً عزيزاً من تراثنا، كما تتهيأ معاول الهدم لتقويض جزء جديد، إنهم يريدون لمدينة القدس أن تندثر وأن يندثر أهلها، ولكن القدس يجب أن تبقى، فليس في العالم قاطبة مدينة تثير الخواطر، وتشحد خيال المؤمنين ، مثل القدس الشريف التي وصفها ابنها العلامة الجغرافي شمس الدين أبو عبد الله المقدسي في كتابه «أحسن التقاسيم»، بأنها «أجل المدن قاطبةً، لأنها مهبط الوحي ومدينة الأنبياء ، ومجتمع الدنيا والآخرة»، هذه العبارات على إيجازها، تختصر تاريخاً ممتداً طوله أكثر من أربعة آلاف سنة، شهدت المدينة خلالها، أمماً وحضارات، وتعاقب عليها أفواج من الغزاة والطامعين. وعند زيارة المسجد الأقصى المبارك نجد أن كل ركن في المسجد ينطق بماض للإسلام غال وعريق: هنا كانت نهاية الإسراء، ومن هنا عرج بمحمد – صلى الله عليه وسلم – إلى السماء، وإلى هنا جاء عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وخالد بن الوليد، وسعد بن أبي وقاص، وعبادة بن الصامت ، ومعاذ بن جبل، وسلمان الفارسي وغيرهم من الصحابة الكرام – رضي الله عنهم أجمعين- وهنا علّم شداد بن أوس- رضي الله عنه- «معلم هذه الأمة «، وهنا قضى عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – بين الناس، وهنا نودي بمعاوية بن أبي سفيان-رضي الله عنه- خليفة للمسلمين. محنة محدقة إن القدس في هذه الأيام تتعرض لمحنة من أشد المحن وأخطرها، فالمؤسسات فيها تغلق، والشخصيات الوطنية تلاحق، والبيوت تهدم، والأرض تنهب، والهويات تسحب، وجدار الفصل العنصري يلتهم الأرض، وكل معلم عربي يتعرض لخطر الإبادة والتهويد، وسلطات الاحتلال تشرع في بناء عشرات الآلاف من الوحدات الاستيطانية لإحداث تغيير ديموغرافي في المدينة المقدسة من أجل إضفاء الطابع اليهودي عليها ، والمسجد الأقصى يتعرض لهجمة شرسة ، فمن حفريات أسفله ، إلى بناء كنس بجواره ، إلى منع سدنته وحراسه وأصحابه من الوصول إليه ، ومنع الأوقاف من الترميم ، كما أن سلطات الاحتلال أصدرت أوامر هدم إدارية بحق أبنية داخل كنيسة الأرمن الكاثوليكية في البلدة القديمة بالقدس، والعالم وللأسف يغلق عينيه، ويصم أذنيه عما يجري في القدس، وكأن القدس خارج حسابات المجتمع الدولي. ونحن هنا نستذكر تاريخ المدينة المقدسة ، وهي تحكى قصة الفاروق عمر، الذي أخذ المدينة بعهدة عمرية علمت الناس من بعده كيف يكون التسامح مع الآخرين، وكيف تُحترم حقوق الناس وتُصان أعراضهم، فقد اهتم المسلمون عبر تاريخهم المشرق ، منذ عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، وعهد الخلفاء الراشدين من بعده بفلسطين عامة ومدينة القدس والمسجد الأقصى بصفة خاصة ، كما اهتم الأمويون والعباسيون والأيوبيون والمماليك والأتراك العثمانيون بعمارة الأقصى والصخرة المشرفة وبالساحات والممرات والأسوار والأروقة، ولا ننسى الفتح الصلاحي لهذه المدينة وتحريرها من الإفرنج الصليبيين على يد القائد صلاح الدين الأيوبي. بقلم الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى المبارك
المصدر: القدس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©