السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الإسلام الإندونيسي» والديمقراطية

3 ابريل 2011 23:29
يشعر البعض، وإن كانوا أقلية إلى الآن، بالتشاؤم من أن تتمكن الثورة الشعبية في تونس، ونظيرتها التي فرضت إحداث التحول السياسي الجاري في مصر، من تسجيل نجاح ملحوظ في تحقيق الديمقراطية في هذين البلدين، كما ينتابهم القلق من وجود مخاطر من أن تأخذ الجماعات السياسية الإسلامية، والتي يتبنى بعضها تفسيرات متطرفة لمبادئ الشريعة الإسلامية، دوراً مؤثراً في مسار التحول السياسي من شأنه أن يحدد اتجاه المرحلة المقبلة وماهيتها. فهل هناك أية حقيقة في الجدل الذي يحاول أصحابه القول بأن الإسلام غير متناسق مع الديمقراطية؟ إذا ما قسنا الأفكار إلى الواقع، فإن المثال الإندونيسي يقترح إجابة مغايرة تماماً. مرت إندونيسيا بتحول سياسي رئيسي بدأ بإسقاط النظام السلطوي الذي بقي في الحكم مدة 32 سنة، وذلك من خلال حركة الإصلاح التي انطلقت في عام 1998، كما يحدث في الحالتين التونسية والمصرية حالياً. ويشير التحول الإندونيسي نحو الديمقراطية إلى أن الإسلام، كدين وكثقافة (أي كمنظومة حياة) متناغم مع الديمقراطية بكل تأكيد. ومن الواضح أن رسوخ مفاهيم الديمقراطية ومفهوم الدولة الأمة عند المسلمين في إندونيسيا، يناقض مفاهيم بعض المحللين الذين يعتقدون أن الإسلام والديمقراطية غير متجانسين، وأن الدول الإسلامية لا مصير لها غير الحكم السلطوي. ورغم أن بعض الدول الإسلامية قد ابتليت فعلاً بجماعات سياسية إسلامية متطرفة، فقد شهدت إندونيسيا عملية تجمّع سياسي سلمي، ضمت في صفوفها مجموعات ذات مواقف سياسية متنوعة. ففي البرلمان، يتعامل "حزب العدالة والازدهار"، الذي يعتبر أكبر حزب سياسي إسلامي في مرحلة ما بعد عملية الإصلاح، مع أجندات وطنية متنوعة، بالتعاون مع أحزاب علمانية. وتواجه إندونيسيا مطالب من قبل بعض الجماعات لتطبيق تفسيرات صارمة للشريعة في مناطق متنوعة، أهمها في "آتشيه"، حيث يفرض على النساء لبس الحجاب بموجب قانون محلي حول اللباس الإسلامي. وقد أصبحت هذه الأعمال نقاطاً تتجمع حولها جماعات سياسية إسلامية أخرى لعمل الشيء نفسه في مكان آخر. إلا أن غالبية المسلمين الإندونيسيين يلتزمون بالحقوق الدينية لكافة الجماعات على أنها محمية ضمن الدستور، ولم يوافقوا على التطبيق الحرفي للشريعة الإسلامية. وفي الوقت الذي يتضح من خلال ذلك المثال الإندونيسي أن بإمكان الإسلام والديمقراطية أن يتعايشا في ذلك البلد، فإن التساؤل المثار بالضرورة هو ما إذا كانت نتيجة مماثلة لهذه يمكن أن تتحقق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ يقول روبرت دبليو هيفنر، عالم الإنثروبولوجيا من جامعة بوسطن، إن الفضل يعود لمنظمات إسلامية إندونيسية واسعة، مثل "نهضة العلماء" و"المحمدية" (لهما أتباع تتجاوز أعدادهم 40 مليوناً و30 مليوناً على الترتيب) في تحقيق مثل ذلك الأثر في إندونيسيا. وقد شكلت النشاطات الاجتماعية للجماعتين، مثل إنشاء المدارس والمستشفيات ودور الأيتام وغيرها من الأنشطة والمؤسسات الاجتماعية، أمثلة حية على كيفية الموازنة بين المبادئ الإسلامية والقيم الديمقراطية وبناء الأمة. وقد انخرط ناشطو الحركتين كذلك في نشاطات مثل الجهود المناهضة للفساد، ومن أجل إيجاد حاكمية جيدة، والمساعدة على تطوير سياسات عامة، وإعداد الميزانيات في الحكومات المحلية. ويعود بعض الإندونيسيين بالفضل لتجنب النزاعات إلى التوجهات الثقافية الإندونيسية. فعلى سبيل المثال، يقول العالم الإندونيسي توفيق عبدالله إن الأحجام الكبيرة للمنظمات الإندونيسية الإسلامية، مقارنة بكونها منشقة إلى منظمات أصغر حجماً، أظهرت المسلمين الإندونيسيين على أنهم أكثر توحداً ويتبنون تفسيرات شعبية غير حاسمة، كما يتجنبون في أغلب الأحيان أي خلافات أو نزاعات ذات قواعد دينية. يقول عالم مسلم من إندونيسيا، هو "أزيوماردي أزرا"، إن المسلمين في إندونيسيا يؤكدون على الطبيعة التقبلّية للإسلام، وهو السبب الذي قبلوا نتيجة له الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من الأفكار الجديدة بسهولة نوعاً ما. وتقدم التجربة الإندونيسية نظرتين معمقتين للديمقراطيات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أولاهما أن منظمات المجتمع المدني الإسلامي يمكنها أن تلعب دوراً نشطاً في تقوية الدولة الديمقراطية، وثانيهما أن التنوع داخل الإسلام يمكن أن يشكل قوة مؤهلة لتشجع قبول التغيير والفروقات الاجتماعية، وإلهام الورع الشخصي والمثل السياسية، بل يمكن بكل تأكيد أن تشجع الأفراد والمجتمعات على أخذ المبادرات الإنسانية الضرورية لبناء الأمم. تيستريونو باحث في «مركز دراسات الإسلام والمجتم» بجاكرتا ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©