الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
30 مايو 2010 20:39
يجاورني منذ سنوات في نفس المكتب، يبدأ صباحاته بشكل متماثل، فنجان القهوة ذو الرائحة الشهية، ثم السعال، سعال يبدأ مكتوما ويرتفع لدرجة البوح عن تعب مدخن قضى قرابة ربع قرن مع سيجارته، ينزوي زميلي بعدها متعبا، يكح، يسعل، يحتقن ثم ينهض ليكمل سعاله في مكان ما. هو واحد من مدخنين كثر، يعلم جيدا أنه يملأ قفصه الصدري بالكربون الأسود، أن حنجرته تجف وتتقرح، أن المرض يدب كالنمل في دمه، يعلم ويتجاهل، يشعل سيجارته مرة أخرى لينفث المرض. هناك أكثر من مليار شخص مدخن في العالم، يشاركون زميلي سعاله الدائم، يتشاركون أيضا ترسب المواد المسرطنة في الفم والحنجرة والرئتين، ويضيفون للعالم أرقاما جديدة تحت بند السبب الأول من أسباب الوفاة. إن كان العالم يذكر لكريستوفر كولومبوس اكتشافه أميركا، فإن التاريخ لن يغفر له أنه ايضا اكتشف تدخين التبغ، هذه العشبة التي كان الهنود الحمر يدخنونها أصبحت سرطان العصور الحديثة التي تنهش صدور الرجال وحتى النساء، لدرجة أن ثلث رجال الصين سينقرضون بسبب التدخين! النيكوتين هو المادة الأشد خطرا في السجائر، فنقطة واحدة من النيكوتين الخالص يمكن أن تقتل انسانا، وللطرافة سميت هذه المادة نسبة للبحار الفرنسي (جون نيكوت) وهو من أدخلها أوروبا عام 1559م، وفي عام 1881م اخترعت مكائن لف السجائر الأمر الذي حول السجائر إلى غول يقتل سنويا أربعة ملايين انسان حاليا. وبرغم أن حكومات الدول شنت حربها على التدخين منذ القرن السابع عشر، إلا أن جهودها لم تساهم كثيرا في القضاء على الآفة، ولكن اليوم مع التطور الطبي الكبير واكتشاف الترابط الوثيق بين السجائر والأمراض المختلفة، أصبح التدخين عدو المجتمعات كلها لا الدول فقط. في الامارات قامت الدولة بخطوات كبيرة في سبيل محاربة التدخين، وكان قانون مكافحة التدخين الذي شهد النور العام الماضي ضربة حاسمة في وجه مروجي التبغ ومحبي السجائر، وأصبحنا اليوم أكثر استمتاعا في المراكز التجارية الخالية من السجائر، وصارت لوحة السيجارة المشطوبة « ممنوع التدخين» مبعث ارتياح لنا ولأطفالنا أينما رأيناها، في المقابل أصبح المدخنون مثل «عبيد السيجارة» يتجمعون في مواقف السيارات، وأمام البوابات، تصلاهم الشمس وهم يسحبون الكربون من قلب السيجارة لينفثون احتراق صحتهم قبل أن يسعلوا مرة أخرى حتى التعب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©