السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

(الفصل الاول: نساء حرّات)

(الفصل الاول: نساء حرّات)
3 يناير 2008 00:41
التقت آنا، بعد فراق، بصديقتها مولي في شقة في لندن صيف عام ·1957 كانت المرأتان بمفردهما في الشقة· قالت آنا بينما كانت صديقتها عائدة من المدخل بعد محادثة هاتفية، ''المسألة هي، كما تبدو لي، أن كل شيء يتهاوى''· كانت مولي مولعة بالحديث على الهاتف، فبمجرد ان ترفع السماعة تسأل الطرف الاخر بسرعة: ''حسنا هل من نميمة؟'' أما الآن فقد قالت: ''كان ذلك ريتشارد، يقول إنه قادم· يبدو، أن اليوم هو وقت الفراغ الوحيد المتاح له حتى الشهر القادم، بحسب تأكيده''· ـ حسنا، ولكني لن أغادر المكان· ـ لا، ابق حيث أنت· راحت مولي تدقق في مظهرها الخارجي، كانت ترتدي سروالا وكنزة، وكلاهما كان خيارا سيئا· حسمت أمرها وجلست قرب النافذة· قالت ''عليه أن يتقبلني كما أبدو''· ثم أضافت ''لم يقل شيئا عن سبب الزيارة، أزمة أخرى مع ماريون، على ما أظن''· ـ ألم يكتب لك؟ سألتها آنا بحذر· ـ كلاهما، هو وماريون، كتبا لي رسائل حميمة· غريب أليس كذلك؟ ''غريب اليس كذلك''· كانت العبارة المميزة التي عندما ترد في أحاديثهما فلكي تدلل على نميمة قادمة· الا ان مولي قالت بعد أن رمت بتلك الملحوظة: ''ولكن لا فائدة الآن من هذا الحكي، سيصل حالا''· ـ ربما سيترك المكان عندما يراني هنا· قالتها آنا بمرح ولكن بشيء من العدوانية· حدقتها مولي بحدة وقالت: ''حقا، ولكن لماذا؟''· كان معروفا على الدوام ان آنا وريتشارد لا يستلطفان بعضهما البعض، واعتادت آنا ان تنصرف كلما كان ريتشارد على وشك الوصول· لذا علقت مولي: ''اعتقد انه في دواخله يستلطفك· كل ما في الامر إنه، اعتاد ان يودني انا· لذا فإن كل ما يحمله من تحفظات نحوي يحيلها اليك· الأحمق، اعتاد ان يحب او لا يحب· ـ يا لفرحتي· ولكن هل اتعرفين؟ لقد اكتشفت أثناء سفرك شيئا، وهو اننا بالنسبة لكثير من الناس قابلتين للتبادل، عمليا· ''الآن فقط استوعبت ذلك؟''· قالتها مولي بحس الانتصار، كعادتها عندما تتوصل آنا لحقائق بديهية· كان التوازن في هذه العلاقة قد تحقق مبكرا· فمولي بشكل عام أكثر خبرة بالحياة العامة من آنا، أما هذه الثانية فكان نصيبها تفوق في الموهبة· تحتفظ آنا بوجهات نظرها الخاصة· الا أنها الآن تبتسم معترفة انها كانت بطيئة الاستيعاب· ـ سيكون غريبا ان نكون مختلفتين جدا'' قالت مولي ''فكل ما يرونه فينا اننا نعيش أسلوب الحياة نفسه·· عازبتين·· إلى آخره· ''نساء حرّات''·· قالت آنا بسخرية· ثم وبغضب لم تألفه منها مولي، بحيث انها استحقت نظرة أخرى متفحصة من صديقتها: ''انهم لا يزالون، حتى أفضلهم، يحددون شخصياتنا من منطلق علاقتنا مع الرجال''· ـ ولكننا نحن فعلا هكذا، أليس ذلك صحيحا؟'' قالتها مولي بشكل حاد وبعد نظرة استغراب تلقتها من آنا صححت قائلة: ''حسنا، إنه من الصعب ألا يفكروا بتلك الطريقة''· ساد صمت قصير لم تنظر فيها المرأتان كل منهما إلى الأخرى، الأمر الذي عكس حقيقة ان فراق سنة بينهما كان زمنا طويلا· ''حرّات!''· قالت مولي وهي تتنهد قبل أن تكمل ''هل تعرفين أنني عندما كنت بعيدة، كنت أفكر بنا، وتوصلت الى حقيقة اننا نوعيات جديدة تماما من النساء· ألسنا كذلك؟''· ''لا جديد تحت الشمس'' قالتها آنا، محاولة تجريب لكنة ألمانية، الأمر الذي أثار حفيظة مولي التي تجيد نصف دزينة من اللغات· فأعادت العبارة بصوت امرأة عجوز وبلكنة المانية· ''لا جديد تحت الشمس''· كشرت آنا معترفة بالفشل· فهي غير قادرة على تعلم اللغات، كما أن وعيها بذاتها كان كبيراَ جداً إلى درجة يصعب عليها معه أن تكون شخصا آخر· للحظة بدت مولي مثل الأم شوغر، أو السيدة ماركس، التي زارتاها كلتاهما في استشارة روحانية· إلا أن التحفظ الذي شعرت به كلتاهما نحو تلك الطقوس المحفوفة بالصرامة والألم، تم التعبير عنه باسم التدليل ''الأم شوغر''، الذي أضحى، مع مرور الايام، اسما يتجاوز شخص تلك المرأة، وبات يدلل على نظرة شاملة نحو الحياة، التقليدية، المتجذرة، المتحفظة، رغم فضائحيتها المرتبطة بما هو غير أخلاقي· وبالرغم من كل ذلك، كان هذا ما تشعر به مولي وآنا، كلما تناقشتا حول تلك الطقوس· فإن آنا بدأت تشعر مؤخراً، أكثر فأكثر، بضرورة مناقشة هذا الأمر، ضمن أمور أخرى، مع صديقتها· ولكن مولي، المنفعلة الآن كما اعتادت أن تفعل في السابق تجاه أبسط نقد توجهه آنا للأم شوغر، قالت بسرعة: ''على أية حال، كانت هي رائعة وكنت أنا بوضع لا يسمح لي بأن انتقدها''· قالت آنا: ''اعتادت الأم شوغر أن تقول: أنت الكترا، أو، أنت أنتيغون وانتهى الأمر عند ذلك، بحسب علمي''· ''حسنا، لكنه لم ينته تماما''، قالت مولي بسخرية لتؤكد على ساعات الألم التي مرت بها كلاهما· ''صحيح''· قالتها آنا بالتأكيد غير متوقع بحيث أن مولي نظرت إليها باستغراب للمرة الثالثة· ''بالطبع أنا لا اقول انها لم تقدم لي كل المساعدة الممكنة· انا متأكدة انني ما كنت لأحتمل ما حصل لولاها· على أية حال·· أتذكر بوضوح تام عصر احد الايام، وأنا اجلس هناك، في الغرفة الكبيرة، الاضاءة الخافتة، تمثال بوذا، اللوحات والمنحوتات''· ''ثم ماذا؟'' قالت مولي بنبرة انتقاد حادة هذه المرة· في مواجهة هذا القرار غير المعلن وأمام التصميم على عدم مناقشته قالت آنا: ''كنت أفكر بهذا الامر طوال الشهور الماضية·· والآن أحب أن أتحدث معك عنه· في نهاية الامر، كلانا مرت بالتجربة نفسها، مع نفس المرأة''· ـ حسنا؟ استمرت آنا بكلامها المتدفق: ''أتذكر جيدا تلك الظهيرة، عندما أدركت إنني لن أعود الى الوراء· كان هناك ذلك الفن الملعون المنتشر في المكان كله''· سحبت مولي نفسا حادا، وقالت بسرعة :''لا ادري ما الذي تعنينه تماما''· وأمام عدم رد آنا عليها، قالت بصيغة استجواب: ''هل كتبت أي شيء خلال غيابي في الخارج؟''· ـ لا· بصوت مرتجف قالت مولي: ''لطالما قلت، أنني لن أغفر لك أبدا ان أهملت تلك الموهبة· وأنا اعني ذلك· لقد فعلتها آنا، ولن اكتفي بأن أقف وأتفرج عليك· لقد أضعت موهبتي في الرسم والرقص والتمثيل ومحاولات الكتابة· والآن··· انت موهوبة فعلا يا آنا· لماذا اذن؟· ببساطة انا غير قادرة على فهمك''· ـ كيف يمكن لي أن أقول لك لماذا، عندما تقرعيني دوما بهذه الحدة؟ كانت عينا مولي مغرورقتين بالدمع الأمر الذي عزز تأثرها بالتقريع الأكثر إيلاما صديقتها حتى الان· ثم قالت بصعوبة: ''في مكان ما من رأسي، لطالما فكرت أنه، ما دمت سأتزوج، فلن أهتم ان أضعت مواهبي التي ولدت معي، حتى إنني في الفترة الاخيرة كنت أحلم بإنجاب مزيد من الاطفال· نعم أعرف ان ذلك ضرب من الغباء، ولكنه صحيح· انا الآن في الاربعين وابني تومي لم يعد طفلا· ولكن الأمر الأساسي هنا، ان كنت انت نفسك لا تكتبين لانك ببساطة تفكرين بالزواج··''· ''ولكن كلانا تريد الزواج''· حاولت آنا ان تقول ذلك بدعابة· الا ان نبرة صوتها وشت ببعض التحفظ على النقاش· لقد استوعبت بألم، إنه لن يكون باستطاعتها بعد الآن ان تناقش موضوعات محددة مع مولي· ابتسمت مولي بامتعاض، ووجهت لصديقتها بمرارة نظرة قاسية قائلة: ''حسنا، ولكنك ستندمين لاحقا''· ''سأندم!''· قالت آنا، وهي تضحك من الدهشة: ''لماذا لا تريدين ان تقتنعي إن الناس الآخرين لديهم نفس نقاط الضعف التي لديك؟'' ـ كنت محظوظة بموهبة واحدة فقط من غير حاجة لأربع منها· ـ ربما إن ضغط الموهبة الواحدة لدي يعادل ضغط مواهبك الاربع· ـ لا يمكن أن أتحدث اليك وأنت في هذا المزاج· هل أعد لك بعض الشاي بينما ننتظر ريتشارد؟ ''أفضل أن أحتسي البيرة أو أي شيئ آخر''· قالت آنا وأضافت باستفزاز ''كنت أفكر إنني قد أخرج لاحقا لاحتساء بعض الشراب''· إلا أن مولي ردت بنبرة الأخت الكبرى التي فرضتها ردود آنا: ''لا يجب ان تحوّلي الموضوع إلى نكتة، انظري ماذا فعل الشراب بآخرين مثل ماريون· هل كانت تشرب في فترة غيابي خارج البلد يا ترى''· ـ نعم، أستطيع أن أؤكد لك إنها كانت تفعل ذلك· لقد جاءت لزيارتي عدة مرات· ـ جاءت لزيارتك؟ ـ هذا ما كنت أعنيه عندما قلت لك اننا، انا وانت، نبدو قابلتين لأن تحل واحدتنا محل الاخرى· قالت مولي وقد بدا عليها حب التملك والامتعاض، وهو أمر متوقع بالنسبة لآنا: ''أظنك ستقولين ان ريتشارد ايضا جاء لزيارتك؟''· هزت آنا رأسها موافقة، فقالت مولي بسرعة: ''سأحضر لك بعض البيرة''· وعادت من المطبخ بكأسين طويلتين مغبشتين من البرودة· وقالت: ''حسنا، من الأفضل لو تخبريني بشيئ قبل وصول ريتشارد· هل ستفعلين؟''· حصلت الروائية البريطانية دوريس ليسينغ على جائزة نوبل للآداب لعام 2007 وهي في الثامنة والثمانين من العمر· ترجمة: غالية قباني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©