الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محاسبة القادة... رهان الديمقراطية

30 مايو 2010 22:16
لنفترض أن بوش لم يكن يكذب وهو يدافع عن حربه في العراق، بل فقط ارتكب خطأه عن حسن نية شأنه في ذلك شأن العديد من الرؤساء قبله؟ هذه هي الفرضية التي يطرحها "كارل روف"، أحد مساعديه المقربين، في كتابه الأخير حول بوش وسنوات حكمه الذي عنونه "الشجاعة وعواقبها" وفيه يدعي أن بوش كان يعتقد فعلا أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل. ولكن حتى لو كان هذا الكلام صحيحاً، وثبت أن بوش أخطأ دون سوء نية، فإن ذلك لا يبرئه، بأي شكل، من المسؤولية، ولا يعفيه من تحمل تبعات أخطائه والخضوع للمساءلة. فمنذ متى يمكن للصدق والنزاهة أن يكونا تبريراً لشن حرب تحت ذرائع واهية وفرضيات مغلوطة؟ وهل توجد مهنة أخرى تسمح بارتكاب أخطاء كبيرة حتى لو كانت غير مقصودة دون التعرض للمحاسبة، ومساءلة صاحبها؟ لنتخيل على سبيل المثال طبيباً شخص عند أحد المرضى سرطاناً في عضو من الأعضاء وقام ببتره على افتراض أنه مصاب وأن السرطان قد ينتقل إلى باقي الجسم فقط ليُكتشف لاحقاً بعد فحوص دقيقة أن ذلك الشخص لم يكن مصاباً بالسرطان، فهل يعني ذلك أن الطبيب سيعفى من المسؤولية على رغم إصراره على أن خطأه كان غير مقصود؟ وهل سيُكتفى بهذا التبرير لطي الملف، أم سيتعرض الطبيب المعني للمساءلة بسبب عدم كفاءته وارتكابه خطأ جسيماً هدد حياة المريض وتسبب له في عاهة مستديمة؟ وإذا كانت المسؤولية التي يتحملها الطبيب ناتجة عن خطئه الذي مس حياة شخص واحد فما بالك بالقادة السياسيين الذن يقعون في أخطاء أخطر تهدد حياة مجموعة أكبر من الناس، ألا يجدر بنا مساءلتهم وإخضاعهم للمعيار ذاته من المحاسبة التي يواجهها كل من أخطأ وتسبب في الأذى للمجتمع والناس؟ والحقيقة أن قرار بوش بشن الحرب على العراق لم يكن الهفوة الوحيدة التي سقطت فيها حكومته، ذلك أن بلير في شهادته أمام لجنة تحقيق برلمانية اعترف بأن الحكومتين البريطانية والأميركية خططتا لمواجهة أزمة إنسانية خطيرة في حال اندلاعها بعد غزو العراق، ووضعتا كل الإمكانات لمعالجتها لكنهما فشلتا في استشراف الدور الذي ستلعبه "القاعدة"، أو إيران في العراق، على رغم المؤشرات والدلائل التي كانت تذهب في هذا الاتجاه، وأيضاً على رغم أن الدافع الرئيسي وراء غزو العراق كان بسبب التهديدات الأمنية التي احتاط لها بوش وبلير بعد هجمات 11 سبتمبر التي نفذها تنظيم "القاعدة". فكيف تجاهلت إدارتا بوش وبلير خطر تنظيم "القاعدة" في حين كان السبب المعلن هو محاربته ومنع تمدده؟ فتنظيم "القاعدة" كما هو معروف سبق أن نفذ عمليات إرهابية في أفريقيا واليمن، بل استطاع ضرب عمق أميركا نفسها، ومع ذلك يبدو أنه لم يخطر على بال بلير وبوش أن "القاعدة" ستظهر في العراق لمحاربة القوات الأميركية، فهل هذا هو الاهتمام الذي يُفترض أن يظهره قائد سياسي قبل الذهاب إلى الحرب؟ وهل قام بوش وبلير بدورهما واضطلعا بمسؤولياتهما، أم أنهما قصرا في ذلك وأخفقا في التقدير؟ وفي النهاية تحمل بلير مسؤولية مواقفه أمام مجلس العموم البريطاني، ولكن هل هذا هو كل شيء؟ ماذا عن المحاسبة الناشئة عن الخطأ والتقصير؟ هل تتبخر فقط لأنه اعترف بمسؤوليته؟ هنا لابد من الإشارة إلى الفيلسوف الألماني "إيمانويل كانط" الذي صاغ ما سماه "الحتمية القطعية" التي تحكم السلوك الأخلاقي قائلا: "عليَّ ألا أتصرف أبداً بطريقة تفترض أن القاعدة الأخلاقية التي بنيت عليها سلوكي تعتبر قاعدة عامة". وبعبارة أخرى، إن على تصرفاتنا أن يحكمها السؤال التالي: كيف سيبدو العالم لو أن كل شخص تصرف بذات الطريقة التي تصرفت بها؟ فبلير كان من أشد المدافعين عن مبدأ التدخل من منطلق ليبرالي، ولكنه مع ذلك لم يلتحق أبداً بالخدمة في القوات المسلحة، وهو ليس الوحيد في ذلك لأن العديد من المؤيدين للتدخل سواء كانوا ليبراليين أم غير ذلك لم ينضموا قط إلى القوات المسلحة لبلادهم، وبالطبع لا يحرمه ذلك من التعبير عن رأيه والدفاع عما يراه صواباً مثل التدخل في شؤون البلدان الأخرى، أو استخدام القوة العسكرية لتحقيق ذلك، غير أن الأمر يثير تساؤلا مشروعاً: لماذا نتوقع أن يبدي الآخرون شجاعة في اعتناق مبادئنا وتطبيقها على أرض الواقع إذا لم نبدِ نحن الشجاعة نفسها ولم نشارك في تنفيذها عمليّاً؟ وهنا يكتسي المبدأ الأخلاقي بعداً واقعيّاً كما أشار إلى ذلك "كانط" بحيث نعتقد أن الجميع يؤمن بمبدئنا، وهو في هذه الحالة التدخل العسكري، طالما أن شخصاً آخر يقوم بالقتال، والنتيجة أننا سنتورط في مجموعة من الحروب التي لن يكتب لها النجاح بسبب نقص الموارد كما يتضح حاليّاً بالنسبة لأميركا وبريطانيا في العراق وأفغانستان، ولكن بدلا من الاستفادة من هذه التجربة نسمع بلير يقول إن حرباً أخرى على إيران قد تكون مطلوبة، ومع أن الجنود سيواصلون تنفيذ الأوامر، ولكن إلى متى سيستمرون في ذلك إذا كنا لا نحاسب أنفسنا؟ فالمسؤولية التي تلوكها الألسن في المناسبات يجب أن تكتسي معناها الحقيقي الذي يليق بها في أي ديمقراطية، ذلك أن هذه الأخيرة تستند إلى المحاسبة وإذا لم نحاسب القادة على أخطائهم فإننا نضعف النسيج الديمقراطي ونقوض أركانه. ستانلي كوبر باحث في السياسة الخارجية بمعهد "كاتو" الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©