الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصومال··· بغداد على البحر

الصومال··· بغداد على البحر
28 يوليو 2008 21:57
يشتعل الصومال بينما ينظر العالم باتجاه آخر، لقد وصلت هذه الدولة إلى أعلى قائمـة أسوأ الدول من حيث الاستقرار -حسب تصنيف مجلة السياسة الخارجية- فقد أعلنت الأمم المتحدة أن الوضع الإنساني هناك ''أسوأ منه في دارفور''، وسوف يصبح عدد الذين يحتاجون معونة غذائية فورية هناك 3,5 مليون شخص، خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، فقد هرب أكثر من مليون لاجئ من مواطنهم، ونتيجة لتمرد عارم ضد الحكومة الانتقالية الحالية التي تتمتع بدعم الغرب وإثيوبيا، استحقت مقديشو، عاصمة الصومال، لقب ''بغداد على البحر''· لا يوجد نجوم دبلوماسيون في الصومال، كما لا توجد شخصيات فنية معروفة تحثّ على العمل الدولي والوعي كما فُعل في السودان وبورما، وبدلاً من ذلك استحوذ الصومال على تثاؤب جماعي من عدم الاكتراث، يكفي مجرد ذكر اسم الدولة ليرفع أكثر الدبلوماسيين أو العاملين في مجال المعونة يديه في الهواء يأساً، ومن سخريات القدر أنه بعكس النزاعات في كينيا وبورما والسودان، تطورت أزمة الصومال جزئياً بسبب ''حرب أميركا على الإرهاب''، والفشل في فهم بعض النواحي الحساسة في الإسلام· العالم الإسلامي ليس وحدة متكاملـــة، فهناك نضال مستمر بين المسلمين ممن لهم تفسيرات متباينة للدين، فالصومال دولة صوفية المذهب تقليدياً، والصوفية شكـــل منفتح من مذاهب الإسلام يتميز عن التفسيرات الأكثر تحفظاً مثل تلك التي نراها في المملكة العربية السعودية· إلا أن حركة أكثر محافَظَة قد تطورت في الصومال تحت دكتاتورية ''محمد سياد بري'' العلمانية، أثناء الفوضى التي تبعت إسقاطه عام ،1991 قام نظام اتحاد المحاكم الإسلامية الذي أفرزته تلك الأحداث بتطبيق الشريعة الإسلامية -بناء على المبادئ الإسلامية- ورغم معارضة العديد من الصوماليين لقوانينها الأكثر صرامة، إلا أن الحركة اكتسبت قوة على مستوى الجذور؛ لأن الشعب سعى للحصول على النظام والعدالة في دولة شوهها الجوع وعنف دعاة الحرب والنزاعات القبلية· ورغم الفروقات الداخلية في تفسير الإسلام، أنشأ اتحاد المحاكم الإسلامية دولة مستقرة نسبياً أدت إلى عودة الأعمال التجارية الصومالية، وقامت كذلك بتوحيد القبائل المتناحرة ووضعت حداً للقرصنة البحرية من شواطئ الصومال الخطرة، وهو ما أثار قلقاً الولايات المتحدة -بحجة أن أن تلك المجموعة وفرت مأوى لأعضاء تنظيم القاعدة الذين يسعون للحصول على ملاذٍ آمنٍ في الصومال- فتدخلت لدعم جنرالات الحرب العلمانيين -وبعضهم، حسب التقارير، من الذين حاربتهم في فترة حادث سقوط طائرة الصقر الأسود الشهيرة عام 1993- ضد اتحـــاد المحاكم الإسلامية، فكانـــت النتيجة تقوية التطرف في الصومال بدلاً من عزله· ورغم قوة نيران جنرالات الحرب العارمة، والذين تطلَق عليهم تسمية ''التحالف من أجل إعادة إرساء قوات السلام ومواجهة الإرهاب''، إلا أنهم هزموا على يد اتحاد المحاكم الإسلامية في منتصف عام ،2006 فقد قامت الولايات المتحدة بدعم الغزو الإثيوبي والاحتلال الذي تبعه بالمعلومات الاستخبارية والغارات الجوية والقوات الخاصة وإرسال المتهمين بالإرهاب إلى معتقل خليج جوانتانامو· بدأت عقب ذلك فوراً عملية تمرد على نَسَق العراق داخل الصومال، من قبل عناصر اتحاد المحاكم الإسلامية بشكل رئيس، وكذلك من قبل أعضاء من قبيلة هاوي، وهي قاعدة الاتحاد القبلية، ويؤمن رجال القبائل هؤلاء بأن الولايات المتحدة وإثيوبيا تهاجمانهم من خلال دعم الحكومة الصومالية الانتقالية التي يديرها أفراد من قبيلة الدارود المعادية، وهم يعتقدون، كونهم مسلمين، أن الإسلام يتعرض لهجمة ويتوجب عليهم حمايته· يواجه الصومال تحديات عميقة عديدة، إلا أن وقفاً لإطلاق النار -جرى التوصل إليه مؤخراً- ينادي بإنهاء التمرد قبل انسحاب إثيوبي لا مناص منـــه لصالح قوات من الأمم المتحـــدة، أتى ببعض التفاؤل والأمل، وتعكس قوة الاندفاع الأخيرة في الصومال نحو انتقال باتجاه المحافظة الدينية، والتشدد الديني أحياناً، تحولاً مماثلاً في أنحاء العالم الإسلامي، إلا أن الولايات المتحدة مازالت تستطيع المساعدة في عكس هذا الاتجاه من خلال عمل سريع ومسؤول· يتوجب على الولايات المتحدة أولاً أن تضغط على إثيوبيا لتنسحب، وأن تأتي بالفصائل الصومالية كافة إلى طاولة المفاوضات، وهي تستطيع كذلك أن تعمل ضمن الهياكل القبلية التقليدية لمد يدها إلى الشعب الصومالي وتحقيق تغيّر سياسي وتوزيع للمعونة، كما تستطيع الولايات المتحدة -من خلال التقرب من المعتدلين الصوماليين الذين سيكونون على استعداد لتحدي المتطرفين بأنفسهم، ومن خلال تمويل البرامج التنموية التي تظهر الاحترام للعادات المحلية والدين- أن تساعد في تحويل ''البندول'' بعيداً عن المتطرفين الذين يعظون بأن الإسلام يتعرض لهجمة من قبل الغرب· وحتى يتسنى لها ذلك، يتوجب على الولايات المتحدة أن تتعلم من كوارثها في العراق وأفغانستان وباكستان، بأن استخدام القوة لتدمير''الإرهابيين'' على حساب شعوب بأكملها لا يؤدي إلا إلى تقوية المتطرفين· أي اهتمام يوجه إلى الصومال مشجع هذه الأيام، إلا أن إيجاد مجتمع مستقر يزيل من معاناة الشعب الصومالي ويخاطب اهتمامات الغرب الأمنية، يتطلب المزيد، كتفهمٍ حقيقي للخطأ الذي وقع والعزيمة على تحقيق تغيير إيجابي· فرانكي مارتن باحث بالجامعة الأميركية في واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة كومن جراوند الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©