الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اذكروها.. لا أراكم الله مكروهاً!

30 مايو 2017 23:24
فجأة ينفجر الطوفان والبركان في أمة العرب. وفجأة يخمدان ويختفيان، ويقال: يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي، ويغيض الماء، ويقضى الأمر، ويتعانق المتناحرون، ويتصالح المتخاصمون. والمتهم في كل الأحوال عند الخصام وعند التصالح هو الإعلام. الإعلام يؤجج الصراعات.. الإعلام يشعل الفتن بين الأشقاء.. الإعلام يسبب الأزمة.. التصريحات أخرجت عن سياقها.. هناك اختراق.. هناك قرصنة إعلامية.. تصريحات المسؤولين أسيء فهمها.. الإعلام يفبرك التصريحات والحوارات.. والإعلام لا بد أن ينفي.. ولا بد أن يعترف بأنه كاذب.. المسؤولون العرب يلطخون أيديهم وأفواههم بالتصريحات غير المسؤولة، ثم يمسحون أيديهم وأفواههم في عباءة وقميص الإعلام ليبدو الإعلام هو الملطخ، وهو الذي أفسد الأجواء وتسبب في الأدواء وهيج الأنواء. الإعلام هو المظلوم الظالم في المشهد العربي كله. هو المجرم الضحية. هو القتيل القاتل. هو المجني عليه الجاني. هو المتهم البريء. احترنا مع المسؤولين العرب. إذا اختلفوا فإن الإعلام سبب خلافهم، وإذا تصالحوا فإن تصالحهم على حساب الإعلام. الإعلام هو كبش الفداء. يتجاوز المسؤولون العرب كل الخطوط الحمراء، ثم إذا وقعوا في حيص بيص يسارعون باتهام الإعلام والهجوم عليه. ويخترعون إعلاميين لمحاكمتهم وإدانتهم لأنهم أثاروا زوبعة بلا معنى، وفبركوا وكذبوا واخترقوا وقرصنوا وأخرجوا التصريحات عن سياقها. زمان كانت هناك مسرحية مصرية شهيرة اسمها «القضية»، وأظن أنها ما زالت تعرض حتى الآن وهي من تأليف الراحل لطفي الخولي على ما أذكر، وكان الراحل أحمد الجزيري أحد أبطالها. وكان اسمه في المسرحية على ما أذكر «الطنساوي». وكان رجلاً بسيطاً ساذجاً ومتهماً بأنه فتح نافذة في جدار جاره. فحكمت عليه المحكمة بجنيه مصري غرامة وإغلاق النافذة، ثم تغير الوضع بطريقة ما. فحكمت عليه المحكمة بجنيه غرامة لأنه «سد الشباك» وألزمته بإعادة فتحه. فكان يردد طوال المسرحية «افتح الشباك ولا أسد الشباك يا عالم»؟ الإعلام العربي هو نفسه «منصور الطنساوي».. فهو يحاكم ويتهم ويدان لأنه فتح النار أو النافذة أو الموضوع. ويحاكم ويدان لأنه أوقف النار وأغلق النافذة والموضوع. هو مدان في كل الأحوال العربية.. فهو منافق إذا أيد، وهو مثير للفتن ومؤجج للصراعات إذا عارض.. ماذا يفعل الإعلام «يفتح الشباك ولا يسد الشباك؟». والحق الذي لا حق سواه أن العرب قوم متطرفون في القول والفعل، في الخصومة والمصالحة. في الاتجاه والاتجاه المعاكس. وعبثاً تحاول أن تفهم لماذا تخاصموا ولماذا تصالحوا. ولماذا ولوا وجوههم شطر الشرق، ثم ولوها شطر الغرب. ولماذا الانتقال المفاجئ من الشقاق إلى العناق، ومن العناق إلى الشقاق؟ وسوف تكتشف أنها ليست مواقف ولا مبادئ، وإنما هي انطباعات وأهواء وانفعالات. لا خصومة دائمة ولا مصالحة دائمة. ودائماً هناك قول عربي مأثور عندما تحدث المصالحات الهشة، وهو أن الطرفين اتفقا على وقف الحملات الإعلامية المتبادلة. والمسؤولون العرب بهذا القول يدينون أنفسهم بأن الحملات الإعلامية قرار منهم ووقفها قرار منهم. ومعنى ذلك أن الإعلام يقول ويكتب ما يملى عليه. ومعنى ذلك أيضاً أن الإعلام بريء من تهمة تأجيج الفتن والصراعات. ومعنى ذلك أنه لا يفبرك ولا يقرصن لأنه يفترض في رأي المسؤولين العرب أنه موجه. يؤيد بتوجيه ويعارض بتوجيه. وهذا بالطبع ليس صحيحاً على إطلاقه. هناك بالتأكيد إعلاميون عرب كثر يتحركون بدوافع وطنية بحتة وتأخذهم الغيرة على أوطانهم وأمتهم... ويكرهون التجاوز في حق أوطانهم وثوابت أمتهم.. هناك إعلاميون كثر يدقون نواقيس الخطر من تلقاء أنفسهم إذا أسيء لثوابت الأمة، وإذا ولى أحد وجهه شطر أعدائها من الإرهابيين وبعض القوى الإقليمية. وهناك أيضاً إعلاميون في الجانب الآخر تحركهم الأهواء أو يتكسبون من الفتن والصراعات. لكن عيب الإعلام العربي هو عيب العرب عموماً، سواء كانوا مسؤولين أو أناساً عاديين، أو مرتادي مواقع «التفاصل» الاجتماعي. وهو عيب التطرف والاندفاع والغلو في القول والفعل. عيب العرب هو أنه لا توجد مواقف واضحة يمكن تأييدها أو معارضتها. عيب العرب عموماً هو القول والفعل بطريقة «رد الفعل».. وهو المسارعة إلى الاتهام بالخيانة والعمالة والكفر لمجرد أن هناك اختلافاً في الرأي. عيب العرب لخصه الخليفة أبو بكر الصديق، رضي الله عنه بقوله: «إن العرب قوم فيهم غرة». والغرة هي الغفلة والاندفاع والحماقة أحياناً وعدم أو سوء تقدير العواقب. والغرة تؤدي إلى أن العرب دائماً يفاجأون بما لم يحسبوا له حساباً. كما أن العربي كما قال عنه أحد التابعين «ثابت وصامد في الفتنة وخامل في الجماعة». عيب العرب أنهم يتعاونون على الإثم والعدوان ولا يتعاونون على البر والتقوى. العربي لا يريد جماعة لأنه في الجماعة سيكون كماً مهملاً. ولكنه يريد تفرقاً واختلافاً وفتنة لكي يظهر ويعرفه الناس. هو لا يريد أن يكون ترساً في آلة ضخمة، بل يريد أن يكون كل الآلة ولو كانت خربة ومعطلة ولا تعمل. وهذا اللاشيء واللاموقف العربي هو الذي جعلنا نتقاتل بالوكالة عن أعدائنا ونختلف بالوكالة عنهم. وجعل أعداءنا يقولون: العرب قوم لا أمان لهم ولا خوف منهم. لا أمان للتحالف معهم أو صداقتهم. ولا خوف من معاداتهم، العرب يستدعون الأجنبي للتدخل في شؤونهم الداخلية. ثم يدينون الأجنبي لتدخله باستدعاء من بعض العرب. العرب إذا دخلوا أمراً شانوه، وإذا خرجوا من أمر زانوه. يصنعون أزماتهم ويستدعون غيرهم لحلها، وإذا توسط العربي بين عربيين فإن وساطته مرفوضة وتدخله مدان. وإذا توسط الأجنبي فإنه مرحب به. إنها أحاديث ذات شجون وتداخل في الشؤون حول قوم لا خوف منهم ولا أمان لهم. فاذكروها لا أراكم الله مكروهاً! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©