السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صعود الصين... ستون عاماً من الثورة والتحول

صعود الصين... ستون عاماً من الثورة والتحول
4 أكتوبر 2009 01:30
أي طريقة أفضل للاحتفال بعيد الميلاد من اعتلاء المنصة ومخاطبة العالم أجمع؟ في الأسبوع الماضي، أصبح الرئيس «هو جينتاو» أول رئيس صيني يخاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو امتياز حظي به أيضاً الرئيس الأميركي وحكام آخرون لافتون مثل معمر القذافي. وقد تطورت جمهورية الصين الشعبية، التي أتمت عامها الستين يوم الخميس، من بلد ضعيف لا أحد يلتفت إليه إلى قوة عالمية هائلة يحسب لها ألف حساب؛ غير أن من بين كل التحولات المذهلة التي عرفتها الصين، يبدو تحولها الكبير من حيث كيفية ارتباطها بالعالم هو الأكثر لفتاً للأنظار. فقد كانت الصين في البداية بلداً غير متفاهم مع كثير من أطراف المجتمع الدولي ومعادياً لها؛ حيث كانت الماركسية تحكم آراءه ومواقفه من الهيئات والمنظمات الدولية باعتبارها «أدوات للإمبريالية والهيمنة الرأسمالية»، ولسنوات عدة لم تكن للصين علاقة بها. أما في الأسبوع الماضي، فقد نبه «جينتاو» إلى «الدور المهم» للأمم المتحدة وأهاب بالمجتمع الدولي «مواصلة جهودنا المشتركة لبناء عالم منسجم يعمه السلام الدائم والرخاء المشترك». واليوم، تتوفر الصين على عضوية كل منظمة دولية رئيسية يحق لها الانضمام إليها، ووقعت أكثر من 300 اتفاقية دولية؛ بل إنها ساهمت في إنشاء منظمات إقليمية جديدة. كما بات الصينيون يعدون للمؤتمرات والقمم، ويرسلون وفوداً كبيرة إلى كل مكان، ويستثمرون بعناية الرأسمال الدبلوماسي. والأمر ليس مجرد كلام أو شعارات، وإنما هو واقع وحقيقة؛ ففي كثير من الحالات، يدفع انخراط الصين مع هيئات دولية، مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، بكين إلى إعادة النظر في سياساتها حتى تكون متناغمة مع المعايير الدولية. غير أن الخطوة المقبلة أساسية وحاسمة. فماذا ستفعل الصين اليوم وقد باتت منخرطة بشكل كامل في تعقيدات المشهد الدولي، وتكتسب قوة معتبرة فيه؟ وهل ستعمل بشكل متزايد على احترام المعايير الدولية ودعمها؟ وهل يمكنها أن تتحول في النهاية إلى قطب حقيقي ينافح عن المصلحة العالمية المشتركة، مع ما ينطوي عليه ذلك في أحيان كثيرة من مخاطر وتضحيات؟ الواقع أن الصين ترسل إشارات ملفتة في هذا الاتجاه. فمن جهة، نلاحظ الدور القيادي الذي تلعبه بخصوص المشكلة النووية الكورية الشمالية -حيث استضافت عدة جولات من المحادثات سداسية الأطراف، وتقدمت بمشاريع اتفاقيات دولية، واليوم، ولأول مرة تعمل على احترام عقوبات الأمم المتحدة المفروضة على حليفتها الصعبة. وعلى رغم أنها كانت تعارض الفكرة برمتها ذات يوم، إلا أن الصين تساهم اليوم بـ2000 من مواطنيها في مهمات لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن الصين تغيرت كثيراً منذ معضلة «السارس» التي ألمت بها في 2003، حين غطت بعض الجهات على انتشار الداء ولم تحفز تعبئة المسؤولين الصحيين الدوليين، حيث تقوم هذه المرة برعاية المؤتمرات الدولية حول إنفلونزا الخنازير وتلقيح الملايين من شعبها. وفي المجال الاقتصادي، كانت حزمة تنشيط الاقتصاد التي تبنتها بكين رداً على الأزمة العالمية كبيرةً حقاً -ومتطابقة تماماً مع الحجم الذي أوصى به صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة. صحيح أن كل دولة تتصرف على النحو الذي يحفظ مصالحها؛ إلا أن الصين في كل هذه الحالات كانت تساهم في سلامة ورخاء العالم أيضاً. وفي مجالات عديدة أخرى تبدو الصين أكثر حذراً نوعاً ما بشأن الانخراط في الجهد الدولي. فبخصوص تغير المناخ مثلا، تعد بكين واحدة من أكبر العقبات في طريق اتفاقية ملزمة في قمة كوبنهاجن في ديسمبر المقبل، وإن كان يُحسب لها -بما أنها تعد اليوم أكبر مصدر لثاني أكسيد الكربون في العالم- أنها باتت صارمة بشأن معايير الفعالية والطاقات المتجددة. ولكن ما لم يتم تحويل هذه الطموحات الداخلية إلى التزامات دولية محددة يمكن التحقق منها، فإنه لن يكون ثمة اتفاق وسيستمر العالم في الانزلاق نحو مصيبة مناخية. والواقع أن الولايات المتحدة لا تملك القوة لحمل الصين على تغيير سلوكها في العالم، ولكنها تمتلك بعض الأوراق التي تستطيع أن تلعبها. وفي هذا الإطار، بدأ مسؤولو الإدارة الأميركية يؤطرون العلاقات الثنائية في وجه التحديات العالمية، بحيث تصبح صحة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، التي توليها بكين أهمية كبيرة، مرهونة بالتقدم على صعيد الإسهام والالتزام تجاه التهديدات الرئيسية مثل تغير المناخ وملف إيران النووي. وبموازاة مع ذلك، تعمل الولايات المتحدة أيضاً على إعادة الانخراط حالياً مع المنظمات متعددة الأطراف، مما يزيد من قوة ونفوذ واشنطن حين تتعاطى مع بكين. ومن بين أكثر الطرق فعالية بالنسبة لواشنطن، حتى تؤثر في اتجاه تطور الصين، لسد الباب أمام الأعذار التي تدفع بها هذه الأخيرة لتبرير تخلفها عن التحرك، تفعيل دور أميركا القيادي -تمرير تشريعات قوية بخصوص تغير المناخ، والمصادقة على اتفاقية الحظر التام للتجارب، والوفاء بما تعهد به الرئيس أوباما بشأن نزع التسلح وتكثيف جهود التخفيف من الفقر المدقع عبر العالم- ذلك أن الاستثناء الأميركي من الالتزامات الدولية لطالما وفر للصين غطاءً سياسياً. وقد اعترف أوباما شخصياً، في الخطاب الذي ألقاه في الأمم المتحدة قبل أيام، بأن الولايات المتحدة لم تكن دائماً قوة عالمية مسؤولة، متعهداً بعمل ما هو أكثر وأفضل. كما أن الصينيين يقولون إنه من غير العدل أن نتوقع من الصين التي ما زالت في طور النمو أن تتحمل الكثير من المسؤولية الدولية؛ غير أن قوى العولمة التي جعلت من الصين قوة عالمية كبيرة اليوم هي نفسها التي تغذي وتنمي التهديدات التي لن تستطيع مواجهتها ومعالجتها سوى الدول التي تتعاون وتنسق فيما بينها. لقد قطعت الصين شوطاً طويلا في ظرف جيلين؛ ونأمل أن تعرف السنوات الستون القادمة نمو الصين وتحولها إلى طرف نموذجي يدعم النظام الدولي ويؤيده، لما فيه خيرها وخير الإنسانية جمعاء. نينا هاتشيجيان زميلة بمركز التقدم الأميركي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©