السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبدالله المالكي: سقيت الحديقة بدمي وغذيتها بلهفتي

عبدالله المالكي: سقيت الحديقة بدمي وغذيتها بلهفتي
5 أكتوبر 2009 00:28
تمتد منذ أكثر من 15 سنة حديقة خضراء على مساحة 18000 متر مربع، هي رئة هذا المكان ومتنفسه، تتوسط حيا جميلا راقيا في أبوظبي.. تكفّل الإماراتي عبدالله المالكي -أحد سكان الحي، بسقيها وغرس الأشجار بها، وأحاطها باهتمامه الكبير، فسهر على تنظيفها وسقيها وشهد أغصانها تنمو وتترعرع. وربطته بالمكان فاعتبره جزءا من حياته، يذكر كل يوم غرس فيه شجرة، ويذكر كم واحدة عبثت بها أيادي الأطفال فاجتثتها، ويذكر كل تفاصيلها وجزئياتها. استحداث حديقة تمتد عناية المالكي لباقي أطراف الحي وأحواض الأشجار به، فقد رعاها مدة 15 سنة ولم يتخيل يوما أنه سيتخلى عن رعايتها، ففي يوم استفاق على صوت الجرافات وهدير محركاتها وضجة العمال، تساءل مذعورا عن سبب وجودهم؟ فأخبروه أن مشروعا جديدا سيقام بالمكان، وهو استحداث حديقة ألعاب للأطفال، ويستدعي الأمر نزع بعض الأشجار ونزع كل العشب ليوضع مكانه إسفلت يوائم البنية التحتية للحديقة الجديدة، لم يستسغ المالكي ما يجري فاحتج على قطع الأشجار وتغيير ملامح المكان، وأمام تصميمه على عدم قطع الأشجار فإنه تم تفهم رغبته القوية في الحفاظ على المكان وجماليته ونظرته، ولكن لم يتم التراجع عن نزع العشب ومازالت الأعمال جارية. ظلال السيارات يقول المالكي- موظف سابق بوزارة الخارجية: «عندما كان عمري 12 سنة عرفت الجميل وترعرعت فيه وارتبطت بالمكان وزاد ارتباطي به مع ازدياد سنوات عمري. كنت أزرع بعض الشجيرات لتستظل به السيارات من حرارة الشمس، وهكذا بدأت القصة، وكنت أرعاها يوميا أقلمها وأسقيها وأقوم اعوجاجها، وأخاف من عبث الأيادي بها فأدافع عنها ولا أسمح للأطفال باللعب فيها، وتكسير شجيراتها الصغيرة الطرية، وفاض عشقي لغرس الأشجار عن الأحواض القريبة من بيتي، إلى الحديقة التي تتوسط الحي «الفريج»، فبدأت أغرس الأشجار الصغيرة وأنتظر نموها مع مرور الأيام، ولم يكن الأمر سهلا، بحيث كنت أجلب الشتلات الصغيرة التي أشتريها وأعتني بها لأجد أغلبها منزوعا في اليوم الموالي، وأرجع وأغرس غيرها، وكنت أدافع عنها بقوة كبيرة حتى لا يتم نزعها، بحيث أكثر من مرة دخلت في شجارات كبيرة مع أهالي أطفال الحي، في البداية كانت الناس تستغرب هذا العمل» يضيف: «عند الظهيرة أعتني بالعشب وأقلم الأشجار، وكنت أشتري الماء وأجلبه في صهاريج، بمعدل 3 صهاريج يوميا، وكل صهريج بـ75 درهما، وأقوم بذلك مرتين في الأسبوع أيام الصيف، ومرة في الأسبوع أيام الشتاء، وهذا على مدار 15 عاما، وأصبحت محل تقدير كل سكان الحي لأنه أصبح من أجمل المناطق في أبوظبي، فقد غرست ما يناهز 1000 شجرة ظليلة، منها المزهرة وغير المزهرة، منها ما زرعته في هذه الحديقة ومنها ما زرعته في أحواض الفريج، كلها اشتريتها من المشاتل، كما أنه عندما كنت أنوي السفر لأي بلد فإنني أوكل 3 أو 4 عمال طيلة فترة غيابي، وعلى نفقتي الخاصة للاعتناء بالحديقة». عناصر جمالية يربط المالكي ما قام به بحبه وعشقه للخضرة والأشجار، كما يقول إن ثقافته في العناية بالمكان والعمل بيديه استمدها من خلال تجواله بالعالم حيث يقول: «سافرت كثيرا، ومن خلال تجوالي في مختلف هذه البلدان الأوروبية، كنت أشاهد البيوت تنام وسط الخضرة، وأول الأولويات هي نضارة الحي، فالأشجار أساس الجمال عندهم، وحسب كل البيوت التي دخلتها هناك لابد من توفر 3 أو 4 شجرات عمرها من عمر المنزل، يتجاوز بعضه 100 سنة، وعندما كنت أتجول بهذه البلدان كان اهتمامي ينصب حتى في قياس المسافة بين الشجرة والأخرى، لأقوم بنفس الشيء في هذه الحديقة فأطبق كل ما رأيته، ولا أتوانى دائما في الاستفسار عن حيثيات الزراعة، وطرقها وتفاصيلها، وطريقة تسميدها، ونوعية السماد المفروض استخدامه». يضيف: «كنت أستنفد جهدا ووقتا كبيرين في العناية بها، ناهيك عن المصاريف المالية، حيث إذا تم تقييمها وبعملية حسابية بسيطة، فإنني أنفقت على هذه الحديقة ما يقارب 2 مليون درهم -(وبغض النظر عن الماديات لأنني صرفتها بشكل تطوعي وغيرة على بلدي)- فهذه الأشجار كأبنائي رأيتها تكبر يوما بعد يوم أمام عيني، فلا أتصور يوما قطعها أبدا». قطع الأشجار ما أثار حفيظة المالكي محاولة تغيير ملامح الحديقة بقطع بعض الأشجار ومسح عشبها لتعويضه بإسفلت اصطناعي في إطار خلق تغذية الحي بحدائق ألعاب للأطفال، هذه الحدائق تستدعي وضع بنية تحتية تلائم ألعاب الأطفال وتراعي سلامتهم، لكن المالكي يقول: «لا أستطيع تصديق هذا، فالأشجار لا تنمو بسرعة وتصرف على حديقة ملايين الدراهم لمدة سنين كثيرة لتنمو أشجارها وتتعمق جذورها في الأرض وتصبح باسقة ظليلة، لأتفاجأ ومعي سكان الحي -خاصة الأجانب منهم- بقدوم عمال ينوون قطع أشجار الحديقة، وعند المعارضة بشدة لجأت إلى رئيس قسم الزراعة في بلدية أبوظبي ولمعنيين آخرين قالوا «إنهم يقومون بواجباتهم عبر تعويض هذه الحديقة بحديقة أخرى للأطفال، ومن ضروريات العمل قطع بعض الأشجار والعشب لتعويضه بإسفلت اصطناعي». يسترسل المالكي ويقول حزينا: «حزّ هذا في قلبي بحيث من المفروض ترك الأشجار التي تمت رعايتها سنين طويلة، وكذلك العشب والاعتناء به وإنزال الألعاب رغم أن المسألة فيها تحفظ أيضا، كيف ذلك والمنطقة تنعم بالهدوء التام لتحط الرحال حديقة ستجمع الأطفال من كل مكان يسهرون الليل فتعرف المنطقة هرجا ويملؤها صراخ الأطفال، ناهيك عن الزحمة التي ستسببها سيارات القادمين للحديقة، هذا كله يمكن تجاوزه، لكن ما لا أستطيع تصديقه هو عدم التقدير لهذه الحديقة الجميلة وللمجهود الذي بذل من أجل الاعتناء بها طوال هذه السنوات»! يضيف المالكي خاتما كلامه: «لقد تم تفهم الموقف، وتراجعوا عن قطع الأشجار، لكن لم يتم التراجع عن إزالة العشب الأخضر، مع العلم أن أرضيته أصبحت خصبة حيث تروى وتتغذى لمدة تجاوزت 15 سنة، واليوم تنتزع لتعوض بالإسفلت، وهذا أمر يحزنني كثيرا، فلماذا يحصل هذا في الحديقة رغم وجود مناطق أخرى خارج الحي لا توجد بها حدائق يمكن تجهيزها بهذه الألعاب! لكنني لم أحصل إلى اليوم على شيء من البلدية سوى الوعد بعدم قطع الأشجار الكبيرة فقط، واليوم يرى الجميع استمرار نزع العشب.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©