الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النجاة من حافة الهاوية

النجاة من حافة الهاوية
5 أكتوبر 2009 00:32
يوم تقدم لخطبتي طالباً يدي لم أكن أعرفه تماما فما سمعت عنه إلا القليل من أبي وأمي وأخي فهو زميل شقيقي الأكبر في الدراسة كان يزورنا ويتردد على منزلنا على فترات متباعدة لكن لم أره فيها ولا مرة لأنه كان يجلس مع أخي في معزل عن البيت كله بغرفة الضيافة. حتى إذا تصادف وأعددت لهما مشروبا فإن أخي هو الذي يتولى تقديمه وكل معلوماتي عنه أنه على خلق رفيع ومن أسرة محترمة وإن كانت أقل في المركز الاجتماعي من أسرتي ولكن هذا لا يعيبه. وعندما همست الخادمة في أذني تسر اليِّ برغبته في طلب يدي كان الأمر فيه بعض المفاجآت. إذ أنني لم أكن أتوقع أن تتم خطبتي وأنا في هذه السن. فقد انتهيت لتوي من دراستي وحصلت على مؤهل متوسط. ولم أكمل الثامنة عشرة بعد وأرى أنني لا زلت صغيرة رغم اكتمال أنوثتي..ثم إنه يكبرني بحوالي اثنتي عشرة سنة. لكن هذه الملاحظة الأخيرة لم اتوقف عندها كثيرا لأن زوج أختي الكبيرة يكبرها بأكثر من خمسة عشر عاما. وأختي الوسطي يكبرها زوجها بأحد عشر عاما، ولم تؤثر هذه الفروق والجميع سعداء، لذلك استبعدت فارق السن من حساباتي ورأيت فيه فتى أحلامي فليس في بلدتنا من هو أفضل منه، وفي نفس الوقت لا أحلم بمن يفوقه فهو في وظيفة مرموقة ودخله جيد والأهم أنه سينقلني إلى العاصمة حيث يقيم ويمتلك شقة يستعد لتأثيثها، سألوني عن رأيي فيه فلم أجد جوابا، فلا أنا تعاملت معه من قبل ولا أعرف عنه الكثير. لا أدري ان كنت أريده أم لا كان كل شيء في تفكيري في منطقة رمادية غير واضحة الألوان، معدومة الملامح، أخشى أن أوافق فأتحمل نتيجة اختياري وأنا مقبلة نحو المجهول. غير قادرة على التمييز. وأخاف إن رفضته أن أندم طوال عمري إذ لا أتوقع أن يتقدم لي من هو أفضل منه أو مثله. ووسط هذا التشوش الفكري وجدت وسيلة الخلاص في الرد بأن أقول لهم إفعلوا ما ترون. فالأمر إليكم والقرار قراركم. ولا أخفي أنني وجدت في هذه الكلمات مخرجا جيدا وإجابة تريحني حتى إذا فشلت الزيجة فيكون هذا الزوج من اختيارهم. وإذا نجحت فأكون قد فزت بزوج مناسب وفي كلتا الحالتين لن يلومني أحد وعلى الأقل لا يحملونني المسؤولية. اختفاء العريس حملت الخادمة موافقة أسرتي وطارت بها اليه والى أسرته، فجاءوا يحملون الهدايا والمأكولات والفواكه مما لذ وطاب وتمت قراءة الفاتحة. في هذه الليلة دس في يدي مبلغا كبيرا، حينها لم أعرف لماذا، لكن عندما سألت أمي عن السبب قالت ان ذلك من عرف بلادنا أن يعطي العريس العروس مبلغا مثل هذا. ولا أنكر أنني كنت اختلس النظر اليه كثيرا لأعرف ملامحه جيدا وقد كان وسميا للغاية أكثر مما كنت أحلم أو أتوقع. وأنيقا رغم بساطة ملابسه وشعرت بالسعادة تسري في أوصالي وربما الارتياح الشديد له، حتى بدأت أفكر فيه كثيرا وأتمنى أن يعاود زيارتنا بشكل مباغت حتى أتمكن من النظر اليه ورؤيته والشيء الوحيد الذي كنت أخشاه أن تكون النظارة الطبية التي يستخدمها قد تركت أثرا واضحا فوق أنفه أو على عينيه وظل هذا الهاجس يراودني حتى يوم العرس عندما خلع نظارته واطمأن قلبي بأنه لا يوجد ما يعيبه ولا مكان لمخاوفي. منذ ليلة قراءة الفاتحة غادر الى عمله وانقطعت عني كل أخباره فلم تكن هناك وسائل للاتصالات وحتى لو كانت فأعتقد أن الحياء سيمنع كلامنا من الاتصال، ولا أخفي عليكم أنني كنت راغبة في الجلوس معه على انفراد والتحدث اليه، كنت أدعو ربي في صلاتي أن تتم هذه الزيجة على خير فأقاربي كثيرا ما يثيرون المشاكل في زيجات بنات عائلتنا بسبب تعسفهم في الشروط ومبالغتهم في المهور، وشروطهم القاسية في حفل الزفاف والمؤخر وقائمة المنقولات. مرت ستة أشهر تخللها عيد الأضحى ولم يحضر لزيارتي فشعرت بحرج بين صديقاتي كأنني غير مرغوب في إذ أن العيد مناسبة ليتحجج الخاطب لرؤية مخطوبته.. وأنا نفسي كنت أنتظر هذه الفرصة لرؤيته.. وحاولت أمي أن تخفف عني بأنه سيوفر اجازاته لشهر العسل ووجدت في هذا المبرر عزاء وهميا تمسكت به وأقنعت نفسي بصحته، بعدها عاد وتم تحديد موعد العرس بعد أيام قليلة فقد انتهى من تأثيث الشقة وشاركت أسرتي فيها بشيء يسير، كان الحفل بسيطا الى اقصى حد، مجرد جلسة أمام المنزل تجمع فيها الرجال. وفي الداخل من حولي النساء والفتيات والأطفال. حتى حضر وأمسك بيدي ومن حولنا الجميع واتجه بي الى منزل أبيه، كنت أسير نحو المجهول الى مكان مجهول وزوج لا يزال ايضا مجهولا، لكن ليلة الزفاف كشفت لي عن معدنه الأصيل وبدد مخاوفي وأشعرني بالأمن والأمان وبعد لحظات معدودة هدأت أنفاسي المتلاحقة واسترخت اعصابي المتوترة ولولا الحياء لاستكنت في أحضانه. الزينة مرفوضة تأكدت أنه يحمل أخلاق الفوارس ويتمتع بصفات النبلاء، أسبوعان فقط وانتقلنا الى شقتنا التي لم أكن أعرف عنها أي شيء غير أنها في العاصمة التي أراها على شاشات التلفاز وفي الافلام والمسلسلات وهناك بدأت حياتنا. أنا لست فاتنة، ولكنني بكل تواضع استطيع أن أقول وبكل حياء أنني على قدر من الجمال. وفوجئت بزوجي يرفض تماما أن أتزين له، يريدني دائما كما أنا على طبيعتي، ولا أبالغ إذا قلت إنه كان يغضب مني إذا وضعت المساحيق أو استخدمت أدوات التجميل، ويأمرني أن أتخلص منها على الفور ولم أحاول أن أعرف السبب غير أن مبرره الوحيدة حسب قوله، إنه يراني على طبيعتي أكثر جمالا، وأن هذه المساحيق تقلل من جمالي بل ربما تشوهه. واقتنعت لأن المهم عندي أن يرضى عن مظهري، كنت أحسد نفسي أنني فزت برجل مثله على خلق ودين يؤدي الصلوات والعبادات، لكن الإنسان لا يصل أبدا الى حد الكمال، إذ كنت باحساس الأنثى وشعور الزوجة ألاحظ اهتمامه بالنساء. لا يستطيع أن يرفع عينيه عنهن في الشارع حتى وأنا معه ولا يتورع عن أن يحدثني عن مفاتن كل واحدة يراها، ووصل الأمر الى انه تغزل في امرأة كانت تسير أمامنا دون أن يراعي أحاسيسي حينها سحبت يدي من يده اعتراضا شعرت بأن كرامتي قد جُرحت وقد نسي هو الأمر لكنني لم أستطع نسيانه. ويتكرر المشهد كثيرا في مخيلتي حتى زرع الشك في نفسي.. كنت أشك في كل تصرفاته وكلماته.. في كل لحظة أتخيل انه مع امرأة غيري.. وإن كنت متأكدة انه لن يعصى الله أبدا، وهذا التأكد وتلك الثقة جعلتني أسرح بخيالي بعيدا واعتقد أنه متزوج بأخرى في الحلال فهو لن يقع في الحرام، وتساورني الاوهام وتلعب برأسي سنوات طوال حتى كنت أفاتحه فيها فلا يرد الا بضحكة تزيد غيظي، وان كان ينفي ويقسم بأغلظ الأيمان فإن غيرتي كانت أكبر حتى كادت تفسد علينا حياتنا رغم اننا انجبنا ثلاثة ابناء التحقوا بالمدارس وشهدوا بعضا من مشاجراتنا ومشاحناتنا، وتنقلنا بين اكثر من مسكن على مدى أكثر من عشرين عاما، لكن في كل مكان كنت اتخيل وأعتقد انه على علاقة بامرأة. الإعجاب بالفنانات التغير الجديد الذي طرأ على زوجي وأصبح يؤرقني بل ويمزقني فهو اهتمامه بالأفلام والمسلسلات والفنانات، يأخذ من كل واحدة منهن أجمل ما فيها ويضعني في مقارنة ظالمة معها، فهذه صاحبة عيون ساحرة جريئة، وتلك تملك ساقين فاتنتين وثالثة ممشوقة القوام، ورابعة فاتنة الجمال، وخامسة جذابة، وسادسة تجعل زوجها يعيش في غرام دائم، وسابعة تغدق عليه بالمال، وثامنة تقدم له الهدايا. وهكذا سلسلة بلا نهاية يكرر ويعيد ويزيد في محاسن كل واحدة منهن ويضعني معهن في مقارنات. ومن الطبيعي أن أخسر في كل مرة، أشعرني في النهاية بأنني قبيحة ولا قيمة لي، افتقد كل المميزات، ليس عندي ما يجعلني أنثى في عينيه ولا حتى مجرد امرأة عادية، حتى تصرفاتي لا يرضى عنها، ويوجه اليًّ الانتقادات أنني مجموعة من السلبيات، خالية من الايجابيات وزاد الطين أنه بدأ يشاهد بعض المواقع الخليعة على الانترنت ويضعني في مقارنة مع الساقطات، ويكسبن طبعا لأنهن ممثلات يتصنعن كل حركة وهمسة ولمسة وكل ما فيهن مسخ شيطاني يغري الرجال بالوهم. أصبح يلومني ويوبخني لأنني لا أتزين له ولا اهتم بمظهري مثل الممثلات ولا ألقي بالا لهذه الأشياء وأنني افتقد الاحساس ومتبلدة المشاعر وباردة، حولني من مجني عليها الى متهمة، وبدلا من أن يلوم نفسه على هذه التصرفات ألصق بي الاتهامات، فضقت به ذرعا وأصبحت بين المطرقة والسندان لا أجد منفذا ولا مخرجا. وكدت أطلب الطلاق بعد ما عكر صفو حياتنا تماما ولم نعد نهنأ بشيء بسبب هذا الزوج المتصابي. صدري كالمرجل يغلي والأكثر قسوة على نفسي أنني غير قادرة على الشكوى ولا البوح بذلك لأنه يمس كرامتي ويجرح قلبي ويهدم بيتي. حتى ضاقت بي الدنيا بما رحبت، ووصلت الى طريق مسدود ولم أعد قادرة على الاحتمال. فاض بي الكيل. وكان لابد من حل وحسم بعدما نفد صبري. أصبحت بين خيارين كلاهما مر أما أن انفجر وأموت كمدا. وإما أن أتكلم حتى لو كانت النتيجة فضيحة له ثم طلاقا وضياعا. هجمة مرتدة تمهلت وتريثت في كيفية اختيار الحل المناسب بعد ما اخترت أن أتكلم، كنت بين عدة خيارات أما ان أخبر صديقه المقرب، واستبعدت هذا الخيار لأن الحياء يمنعني من أن أتحدث معه في هذه الأمور. وإما أن أخبر أمه وايضا استبعدت هذا الخيار لأنها لن تصدقني وتتحول كل الاتهامات الي، وأخيرا اخترت أن استشير أمي. واستجمعت شجاعتي وحدثتها بكل ما يقع بالتفصيل شعرت بعدها بارتياح شديد حتى قبل أن اسمع من امي كلمة واحدة غير أنني شاهدت في عينها ابتسامة تتم عن شيء لم أفهمه الا بعد ما قالت الجواب، ببساطة طلبت مني أن أكون أولا عاقلة في التعامل معه. وأبدأ بالدواء والعلاج بأن أفعل ما يرضيه ثم أدعي أنني معجبة بهذا الممثل الوسيم وذلك الفنان الأنيق. ثم الثري والحنون والعاشق وهكذا أي ببساطة أواجهه أو أحاربه بنفس اسلحته. وأرد اليه «رصاصاته»فيشعر بكل تصرفاته. ولأن الرجل كان غيورا استشعر في الحال هذه الملاحظات وبدأ يظهر عصبيته ورفضه لما أبديه نحو الآخرين حتى ولو كانوا مجرد ممثلين يظهرون على شاشة التلفار وهم أصلا لا يعرفوننا وطالبني بأن أتوقف تماما عن هذا الهراء. فحملقت في وجهه وتساءلت لماذا تحل ذلك لنفسك وتحرمه على الآخرين؟ تأكد ان هذا كان فخا نصبته لك وسقطت فيه. وبعد ما حاول أن يبرر ويدعي أن هناك فرقا بين الرجل والمرأة في هذه الأشياء الحساسة، فشل في المراوغة واعترف بكل اخطائه وسقطاته، وأدرك حكمتي في حل هذه الأزمة وتعهد بالعودة الى صوابه وأحجم عن مشاهدة التلفاز وأقلع عن التعامل مع غرف الشات ومواقع الشبهات وعاد انسانا جديدا الي والى ابنائه. لم اكن اقصد من تجربتي هذه أن أحكي لكم قصة مسلية أو حدوتة ما قبل النوم وإنما أردت أن الفت انتباه الزوجات الى أن الحلول بأيديهن لكل المشاكل مهما كانت مستعصية وبالحكمة والتروي لا يوجد شيء اسمه المستحيل. وأسرار البيوت تحتاج الى الكتمان لا الإعلان.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©