«ألف..باء» الديموقراطية

ينصح علماء النفس والتربية الآباء والأمهات بإتاحة حرية الاختيار للأطفال لما لها من أكثر من دلالة وأهمية في النمو النفسي للطفل، فالطفل يتعلم عندما يجد نفسه أمام اختيارات متعددة، لأنه يحاول أن يفهم طبيعة كل اختيار من حيث المزايا و العيوب والنتائج التي ستترتب عليه، كما يتعلم منذ نعومة أظافره ما ينمي فيه استقلال الشخصية، والقدرة على الإقناع، والقابلية للإقتناع بما هو صحيح، فالأم التي تجبر طفلها على ترتيب فراشه قد يصبح قلقاً خائفاً وقد لا يفعل، أما عندما تقنعه بأهمية ترتيب الفراش، ثم تترك له حرية الاختيار ما بين الترتيب أو عدمه، فإنه سيقبل على ترتيب فراشه راضياً وسعيداً، ويصبح ذلك عادة يومية من سلوكه. إن حرية الاختيار التي تتاح للطفل في المناخ المنزلي هي حرية منظمة، ولابد من وجودها كشرط أساسي للصحة النفسية منذ الطفولة المبكرة، والتشدد الذي لا يتيح حرية الاختيار يؤدي إلى الخوف والتواكل والخنوع، أما التساهل الذي لا يضع حدوداً لتلك الحرية، فإنه هو الآخر يؤدي إلى التقليل من المثابرة، ويضعف الإصرار، ويزيد من العدوانية، وبطبيعة الحال فإن التشدد يختلف عن الحزم، لأن الحزم يكون عند الاقتضاء فلا هو بالتشدد المفرط، ولا هو بالإجبار والإرغام، وهناك اختلافات كبيرة في شخصية الأطفال الذين ينشأون في مناخ منزلي متسلط، ونظرائهم الذين ينشأون في مناخ أسري متساهل، ففي الحالة الأولى يعاني الأطفال من الاستياء والشك، وترتفع لديهم معدلات القلق والخوف حيث يغلب على سلوك الوالدين محاولات»قولبة»سلوك الأطفال والسيطرة عليهم بأساليب متشددة، حيث يسودالنظام القهري والطاعة العمياء، أما المناخ الأسري المتساهل فإنه يجعل الأطفال أقل اعتماداً على النفس، وأقل تحكماً في السلوك وأقل مسايرة للجماعة، ويزداد فيهم التردد وعدم القدرة على اتخاذ القرار، لأن والديهم أفرطا في عدم الحزم معهم، بل وعقابهم إذا لزم الأمر، كما أفرطا في تقبل سلوكهم ومنحوهم الحرية الكاملة غير المنظمة. إن الحرية المنظمة تتناقض مع «الفوضوية»، لأنها تتضمن الالتزام عن اقتناع، وذات تأثير إيجابي في النمو النفسي الجيد للطفل وتكيفه الاجتماعي، وتسهل معدل نمو الذكاء لديه، وتكسبه قدرة على مواجهة المواقف الصعبة، والأهم أنها تكسبه المزيد من الثقة بالنفس واحترام الذات، وتقدير حرية الآخرين، ومن ثم تخلق لديه قاعدة وأفق واسع لتقبل الرأي الآخر.. أظن أنها أسس مهمة، بل إنها»ألف.. باء» الديموقراطية التي نفتقدها كثيراً. المحرر