الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المخدرات الأفغانية... اختبار للعلاقات الأميركية - الروسية

4 ابريل 2011 22:09
أحد العوامل المهملة في إعادة بناء العلاقات الأميركية-الروسية هو استمرار الحوار بين عاصمتي الدولتين حول تجارة المخدرات، وهو الحوار الذي ساعد على تفادي خلاف كبير بين البلدين بشأن الاتجار بالأفيون الأفغاني، ذلك أن موسكو قدمت تنازلاً كبيراً من جانبها العام الماضي، سمحت بموجبه لقوات حلف الناتو بتوسيع عمليات نقل المؤن العسكرية فوق أراضيها. وبذلك أصبحت الأراضي الروسية عاملاً رئيسياً في توسيع شبكة الإمدادات العسكرية الأميركية المتجهة إلى أفغانستان، بيد أن ذلك القرار قد اتخذ في خضم نزاع حاد بين العاصمتين بشأن إنتاج الأفيون الأفغاني. فمن جانبها تريد موسكو من واشنطن أن تسارع بإبادة حقول الخشخاش الأفغانية، التي تتهمها روسيا بأنها السبب الرئيسي في إدمان 1.6 مليون نسمة من مواطنيها، إضافة إلى تسبب المخدرات في مصرع ما يزيد على 30 ألفاً من المواطنين الروس سنوياً. غير أن واشنطن التي كانت قد وافقت من قبل على خطة رش حقول الخشخاش وإبادة محاصيلها، غيرت رأيها في هذه الخطة، واصفة إياها بأنها تعود بنتائج عكسية على جهودها المبذولة في أفغانستان. وقال مسؤولو واشنطن إن البديل الأمثل لتلك الخطة هو تشجيع زراعة وإنتاج المحاصيل البديلة للخشخاش على المدى البعيد، إضافة إلى ضرورة تحسين روسيا لوسائل علاج ووقاية مواطنيها من إدمان تعاطي الأفيون. غير أن الحوار حول هذا الأمر بين مسؤولي الجانبين لا يزال مستمراً، على نحو ما حدث الأسبوع الماضي في المكتبة التابعة لمقر السفير الأميركي في موسكو، حيث جرى لقاء مشترك بين مسؤولي الدولتين الذين أكدوا استمرار الحوار بينهم على الرغم من حدة اختلاف الرؤى لمسألة تجارة الأفيون الأفغاني. وفي اللقاء المذكور، قال فيكتور إيفانوف -مدير جهاز مكافحة المخدرات الفيدرالي الروسي- فإذا ما توقف إنتاج واستزراع الخشخاش، سوف ينتهي تلقائياً ترويج الأفيون. هذا ومن المعلوم أن أفغانستان تنتج حوالي 90 في المئة من إمدادات العالم واستهلاكه للأفيون، على رغم الصغر النسبي للمساحة التي يزرع فيها الخشخاش في أفغانستان. وهذا ما دعا "إيفانوف" إلى القول: فإذا ما ركزنا جهودنا على مكافحة زراعة الخشخاش وإبادته في مصادره الأساسية هناك، فسوف يكون ذلك أسهل وأقل تكلفة من مكافحة تجارة المخدرات عالمياً. ومن ناحيته رد "جيل كيرليكوفسكي" مدير مكتب سياسة مكافحة المخدرات بالبيت الأبيض على حجة نظيره الروسي بقوله: لا تعتزم الحكومة الأميركية فرض خطة استئصال الخشخاش التي تطالب بها موسكو. فذلك من شأن ومسؤولية الحكومة الأفغانية، وليست الأميركية. ويرى الناشطون الصحيون الروس أن من واجب الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي حث روسيا على تبني استراتيجيات أكثر فعالية لعلاج مدمني المخدرات الروس. وينتقد هؤلاء الناشطون السلطات في موسكو على منعها المدمنين من تعاطي عقار "الميثادون" المعروف بكفاءته في علاج الإدمان، وفي ذلك ما يعكس استمرار تبني السلطات في موسكو إلى اليوم لبروتوكولات العلاج المعمول بها سابقاً في العهد السوفييتي، وهي بروتوكولات تركز على معاقبة المدمنين وليس علاجهم في الأساس. ومن رأي الباحثة الأميركية "فاندا فيلباب" -زميلة رئيسية بمؤسسة بروكنجز، وخبيرة مختصة في أبحاث المخدرات الأفغانية- أن مسألة المخدرات الأفغانية هذه لا تزال تمثل إحدى كبرى التحديات في العلاقات الأميركية- الروسية، على رغم أن واشنطن قد أحسنت إدارة الخلاف حولها حتى الآن. وأوضحت هذه الباحثة المختصة أن واشنطن كانت على قناعة راسخة بضرورة استئصال الخشخاش الأفغاني وإبادة مزارعه، وإنها لم تغير رأيها في هذه الاستراتيجية إلا بعد أن كشفت دراسات أجريت حديثاً عن عدم جدوى هذا الخيار، لكونه يقصي الفلاحين الأفغان ويزيد من فقرهم، نظراً لعدم تمكنهم من استزراع محاصيل بديلة مدرة للدخل. وفي الاتجاه ذاته قالت الباحثة "فيلباب" إن موسكو قد أخطأت بتخريبها واستئصالها للجزء الغالب من الزراعة التقليدية الأفغانية خلال سنوات غزوها لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. ومضت "فيلباب" مستطردة في شرح هذا الخطأ الروسي بقولها: لقد دمر الروس الريف الأفغاني وأحكموا سيطرتهم تماماً على المدن، بينما فشلوا في فرض سيطرتهم على الريف. وبذلك تبنى الغزاة الروس سياسة الأرض المحروقة، أي قصف الريف وتدميره تماماً، بهدف إرغام الفلاحين على الهجرة من الريف إلى المدينة. ويعني تدمير المحاصيل التقليدية الزراعية عملياً إرغام الفلاحين على اللجوء إلى زراعة الخشخاش الذي لم يكن يتطلب أي أسمدة، ولا كمية كبيرة من الأمطار كي ينمو وينجح محصوله. ومنذ عام 1981، بدأت زراعة الخشخاش تنمو ببطء ولكن في ثبات واطراد. وفي المقابل نسي الفلاحون الأفغان زراعة المحاصيل التقليدية التي كانت تعتمد عليها حياتهم وعائلاتهم مثل الرمان والعنب والمشمش واللوز. كما اختفت نظم توزيع وتسويق هذه المحاصيل التقليدية، بينما برزت في السوق المحلية والإقليمية دول جديدة مثل أذربيجان لتنافس الأفغان عليها. واليوم تزداد مخاوف موسكو من التأثير المدمر لتجارة الأفيون الأفغاني على مواطنيها، خاصة وأن هذه التجارة باتت تهدد روسيا بكارثة ديموغرافية جراء تزايد أعداد المدمنين وارتفاع معدلات الوفيات السنوية الناجمة عنها. ولكن مشكلة روسيا أنها لا تزال تتبنى سياسات سوفييتية تميل إلى تجريم متعاطي الكحول، بينما تنظر إلى إدمان المخدرات على أنه وباء رأسمالي، فتتجاهل بذلك علاج مواطنيها المدمنين للمخدرات. ولكنها باتت مطالبة اليوم بتغيير هذه السياسات وتحسين مستوى علاج مواطنيها ووقايتهم من إدمان المخدرات. كاثي لالي - موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©