الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مفاوضات التجارة العالمية··· وسد المشاعر الحمائية

مفاوضات التجارة العالمية··· وسد المشاعر الحمائية
30 يوليو 2008 22:59
انهارت مفاوضات التجارة العالمية -الثلاثاء الماضي- في جنيف بسويسرا، بعد سبع سنوات من المفاوضات على فترات متواصلة ومتقطعة أحياناً، في إشارة أخرى إلى تنامي قوة الصين والهند على الساحة الدولية وتراجع القدرة الأميركية على فرض إرادتها عالمياً؛ فقد فشل باسكال لامي -المدير العام لمنظمة التجارة العالمية- في تجسير الخلافات الناشبة بين مجموعة جديدة من البلدان النامية الواثقة في نفسها، وبين القوى الاقتصادية الغربية الراسخة· وفي الأخير عجزت الأطراف جميعاً عن تقديم التنازلات الضرورية للتوصل إلى اتفاق يتوج مباحثات التجارة الحرة ويرسي قواعدهـــا على الساحـــة العالمية· ويبدو أن الفشل جاء لينهي -في المدى المنظور على الأقل- أية آمال لعقد صفقة عالمية تفتح المزيد من الأسواق وتلغي الدعم الزراعي وتعزز النظام التجاري الدولي· وفي هذا الإطار يقول بيتر باور -المتحدث باسم المفوضية الأوروبية بشأن فشل مفاوضات التجارة العالمية: ''إنها ضربة قويـــة تضر بالثقة في الاقتصاد العالمي، فجرعــــة الثقة التي كنا في حاجة ماسة إليها اختفت بعد انهيار المباحثات''· وعلى مدار تسعة أيام من المباحثات على مستوى عال وصلت المداولات إلى طريق مسدود عندما رفضت الولايات المتحدة والهند والصين تقديم أية تنازلات حول الإجراءات المرتبطة بحماية المزارعين في البلدان النامية من التداعيات السلبية لتحرير التجارة؛ ويرى مؤيدو ما يسمى بجولة الدوحة للمباحثات التي انطلقت في العام 2001 أن الاتفاق كان سيكبح المشاعر الحمائية التي من المرجح أن تتنامى في هذه الفترة، حيث يتراجع فيها النمو الاقتصادي على الصعيد العالمي؛ لكن فشل المباحثات وجه ضربة أيضــاً إلى مصداقية منظمة التجارة العالمية التي تأخذ على عاتقها تنظيم التجارة وتطبيق القواعد الدولية المرتبطة بها، ناهيك عن تعطل جهود التوصل إلى اتفاقيات أخرى متعددة الأطراف بما فيها تلك الرامية إلى كبح الاحتباس الحراري؛ وبالطبع لا يعني انهيار مباحثات جنيف توقف التجارة الحرة بين الدول، كــــل ما هنالك أن الإطار العام المنظم لن يكون منظمة التجارة الحرة بقدر ما سيكون الاتفاقيات الثنائيــــة بيــــن الــدول· ويبقى أكبر المتضررين من فشل المباحثات -في التوصل إلى اتفاق عام- هم البلدان الصغيرة والفقيرة التي كانت تعول على فتح أسواق الدول الكبرى في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان أمام منتجاتها؛ ويتوقع الخبراء الاقتصاديون أنه بعدما وصلت المباحثات إلى هذا الطريق المتقدم وعجزت مع ذلك في إبرام اتفاق بين الدول الـ153 الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، أصبحت إمكانية تدارك الأمر والتوصل إلى اتفاقية شاملة بعيدة جداً، إن لم تكن مستحيلة؛ فقد رأينا مواقف متحفظة إزاء التجارة الحرة وفوائدها بشكل واضح خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تشكك الأوروبيين، خاصة في فرنسا وإيطاليا والبلدان الأخرى التي يعرف اقتصادها تراجعاً على الطريقة الأميركيــــة· هذا الاتجـــاه العـــام يحـــذر منه نوربرت والتر -الخبير الاقتصادي في البنك المركزي الألماني- قائلاً: ''إنه من المهم أن نمضي قدماً حتى عندما يبدي الاقتصاد العالمي بعض التباطؤ وتغريه السياسات الحمائية بدل فتح الأسواق''؛ مضيفاً: أن أسعار الغذاء المرتفعة تمنحنا فرصة أخرى للتوصل إلى اتفاق مادام المزارعون الأميركيون والأوروبيون يعيشون فترة ازدهار، رغم أنه من الصعب تقليص الدعم الموجه للزراعة الذي كان أحد أكثر المواضيع حساسية في المباحثات· وكغيره من المراقبين، أشار نوربرت والتر إلى أن أهم الخلافات هي التي أثيرت من قبل دول مثل الصين والهند بعدما أصبحت أكثر إصراراً على الدفاع عن مصالحها والتشديد عليها في دليل آخر على القوة التي باتت تتمتع بها· وعلى غرار الولايات المتحدة وأوروبا ربما ترى الصين والهند أنه من الأفضل لهما التفاوض على اتفاقات ثنائية يستطيعان من خلالها ممارسة ضغوط أكبر على شركائهم الاقتصاديين؛ وإلى حدود ساعة متأخرة من ليلة الثلاثــاء الماضي استمرت الوفــود الوزارية المشاركة في مناقشة المواقف المعلنة سابقاً، وما إذا كان ممكناً البناء عليها للخروج باتفاق يرضي الجميع؛ لكن آفاق التوصل إلى اتفاق ظلت ضعيفة، لا سيما في فترة الانتخابات الأميركية التي تبعد أي احتمال لمشاركة واشنطن في مباحثات جديدة· وقد انهارت المفاوضات بسبب إصرار الهند وباقي الدول النامية على حماية منتجاتها الزراعية من التنافس في حال أغرقت الواردات الأسواق الداخلية وأضرت بالمزارعين· لكن الولايات المتحدة جادلت بأن حماية المزارعين لا تنسجم مع مقتضيات التجارة الحرة، بل تعني التراجع عن التزامـــات الدول تجــــاه القوانين التجاريـــة المعول بهـــا حاليـــاً· وتعتقــــد مــــــاري إلكــــا بانجيستــــو -وزيرة التجارة الإندونيسية- أن فشل المباحثات حول التجارة العالمية يعكس عجز القوى الصناعية الكبرى عن التعامل مع النفوذ المتنامي للصين والهند والبرازيل في الاقتصاد العالمي؛ واشتكت من أن ''المطالب المعقولة'' للدول الناشئـــة لم تلقَ قبولاً من طرف واشنطن التي لم تبـــدِ على حد قولها ''أية مرونة في هذا المجال''· غير أن سوزان شواب -ممثلة الولايات المتحدة في المباحثات- نفت أن تكون واشنطن مسؤولة عن انهيار المفاوضات، كما تدعي ذلك بعض الدول النامية، قائلة: ''إن التزام الولايات المتحــــدة ما زال قائمـــاً وننتظر استجابة متبادلة من الآخرين''· وأكدت ''شواب'' أنه يستحيل مساعدة الدول النامية على مواجهة تدفق الواردات دون الإضرار بالتجارة الحرة، لأن ذلك سيكون تشريعاً للحمائية على حساب التجارة الحرة؛ وفي تصريح لأحد المسؤولين قال إن الطبيعة التقنية لسبب انهيار المفاوضات يدل على غياب الإرادة السياسية وتخوف النخب الحاكمة من تسويق الاتفاق إلى الناخبين· ستيفين كاسل ومارك لاندلر-جنيف ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©