الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العدالة··· طريق السلام إلى دارفور

العدالة··· طريق السلام إلى دارفور
30 يوليو 2008 23:00
يأتي اعتقال زعيم صرب البوسنة رادوفان كراديتش في الأسبوع الماضي ليثبت أن إحقاق العدالة ممكن وفي المتناول؛ فبعيداً عن صورة القائد السياسي الذي حاول كراديتش رسمها لنفسه تحول بعد صدور قرار المحكمة الدولية بمتابعته بجرائم الإبادة الجماعية إلى مجرد مجرم آخر تلاحقه العدالة الدولية؛ والحقيقة أن اعتقال الزعيم الصربي جاء ليؤكد أهمية السعي إلى تحقيق العدالة وإرساء قواعدها، لا سيما فيما يتعلق بالرئيس السوداني البشير، بعدما رفع المدعي العام لدى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي لويس مورينو-أوكامبو، مذكرة إلى قضاة المحكمة يطالب فيها باستصدار قرار توقيف ضد الرئيس السوداني بتهمة ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في دارفور؛ ومن المتوقع أن يُصدر قضاة المحكمة خلال الأشهر القليلة المقبلة قرار الاعتقال، وهو ما يثير المخاوف لدى البعض من أن ذلك سيقوض مباحثات السلام والعمليات الإنسانية الجارية في السودان، لكن التجارب السابقة تثبت أن السعي إلى تحقيق العدالة يمكن أن يساعد على إرساء السلام واستتباب الأمن· في أبريل من العــام 1999 عندما كان الناتو ويوغوسلافيا يخوضان حرباً على كوسوفو قام المدعي العام لدى الأمم المتحدة بزيارة وزيرة الخارجية الأميركية وقتهــــا مادلين أولبرايت، وسألهـــا ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدعم توجيــه الاتهــام إلى الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسوفيتش؛ وباعتباري كنت مستشاراً للوزيرة وأحد قدماء المفاوضين الذين شاركوا في جميع مباحثات السلام بالبلقان طيلة الخمس سنوات السابقة كانت نصيحتي للوزيرة بسيطة وواضحة: ''إذا توافرت الأدلة، وجهوا له الاتهام على أن يكون ذلك في أقرب وقت وبصورة علنية''؛ وسرعان ما تحولت النصيحة إلى موقف أميركي رسمي، حيث قررت المحكمة الجنائية متابعة ميلوسوفيتش ليتم التوصل بعد فترة وجيزة إلى اتفاق سلام سينهي الحرب؛ ولم تنقضِ سوى 18 شهراً على قرار المحكمة حتى أطاح المواطنون الصرب بزعيمهم وأخرجوه من السلطة ليتم تسليمه إلى محكمة الجنايات الدولية المختصة في يوغوسلافيا السابقة· بالطبع هناك أوجه اختلاف واضحة بين الوضع في البلقان والأزمة السودانية، كما أن هناك انشغالات مستعجلة يتعين وضعها في الاعتبار، مثل الثروة النفطية للسودان وعلاقاته الوثيقة مع قوى عالمية مهمة، واتفاقية السلام بين الشمال والجنوب التي قد تتعرض للتهديد إذا ما تزعزع الاستقرار في الخرطوم، فضلاً عن وضع قوات حفظ السلام الدولية وعمال الإغاثة والمدنيين الذين قد يتعرضون للانتقام؛ ويزعم منتقدو المدعي العام أن المذكرة التي رفعها لقضاة المحكمة تهدد مفاوضات السلام الجارية لحل مشكلة دارفور؛ والحال أن تلك المفاوضات لم تحرز أي تقدم حتى قبل أن يسمي المدعي العام الرئيس السوداني؛ ولتحقيق التقدم على مسار الأزمة المتفاقمة في إقليم دارفور يتعين علينا التطلع إلى الفرص المتاحة، وليس فقط التركيز على التحديات التي تطرحها المذكرة؛ فالتحديات معروفة بعدما انزلقت دارفور منذ العام 2004 إلى دوامة العنف والبؤس، ولم يعد هناك من أمل للتوصل إلى اتفاق مستدام في الإقليم المنكوب· الأكثر من ذلك، أن الرئيس البشير خاض سلسلة من الصراعات من جبال النوبة في عمق البلاد إلى الجنوب، ثم إلى الشرق في دارفور، وهو النمط ذاته الذي اتبعه ميلوسوفيتش من سلوفينيا إلى كرواتيا مروراً بالبوسنة، ثم انتهاء بكوسوفو؛ لكن فيما عدا التحديـــات هناك أيضاً فرص لإحياء المفاوضات وتعزيزها، ولعلنا نذكر جميعاً كيف شجع توجيـــه التهم إلى الزعيم الصربي الراحل خصومه الداخليين وعجل بقبول اتفاق سلام وضع ''الناتو'' خطوطه العريضـــة بعــــد أسابيـــع قليلـــة على قرار محكمـــة الجنايـــات اعتقال ميلوسوفيتش· في البوسنة وأفريقيا الغربية أدى توجيه التهم إلى بعض الشخصيات المتورطة في جرائم الحرب إلى استبدال المتشددين في المفاوضات، ما سهل الوصول إلى اتفاقيات السلام؛ ومع أنه من غير المرجح أن يتم استبدال الرئيس السوداني، أو أن يتسبب ذلك في تململ شعبي، إلا أن قرار المتابعة في حال صدوره سيضع البشير أمام ضغوط داخلية متنامية ستجبره على تبني مواقف أكثر إيجابية تجاه مباحثات السلام؛ ولا ننسى أيضاً أن توجيه التهم للرئيس البشير قد يساهم في تغيير السياق الدولي، لاسيما إذا ما قررت بعض الدول النأي بنفسها عن الحكومة في الخرطوم· فعلى سبيل المثال، لم ينجح حظر دخول الأسلحة إلى دارفــــور -الصادر عن مجلس الأمن- في تحقيق الغرض المنشود بسبب استمرار بعض الدول في خرق القرار، لكن مع توجيه الاتهام قد تضطر تلك الدول إلى تعليق شحناتها من الأسلحة؛ وبالطبع لا يمكن للعدالة أن تتحقق في ظل الفراغ السياسي، فبينما تبحث محكمة الجنايات الدولية مسألة إصدار قرار التوقيف سيراجع مجلس الأمن الدولي سياساته تجاه السودان كلما طرأ جديد؛ وحتى في حال صدور القرار سيكون من حق مجلس الأمن تعليق المتابعـــة في حدود السنــة إذا ما برز وضع إنساني طارئ يحتم ذلـــك· حتى في داخل مجلس الأمن نفسه، فإن صدور قرار التوقيف من شأنه قلب علاقات القوة بين أطرافه، فإلى غاية اليوم نجحت بعض الدول الداعمة للخرطوم في اختطاف المجلس، لكنها اليوم ستجد نفسها أمام نظام متهم بالإبادة ويصعب الوقوف إلى جانبه، وهو ما يتيح للولايات المتحدة وحلفائها فرصة جديدة لتحسين الوضع الإنساني والضغط على حكومة الخرطوم لوقف دعمها للجنجويد؛ وقد يساعد القرار أيضاً مجلس الأمن على توسيع حظر الأسلحة الموجهة لدارفور لتشمل جميع السودان· جيمس أوبراين المبعوث الأميركي السابق إلى البلقان ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©