الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تونس 2011.. الحصاد المنصف

تونس 2011.. الحصاد المنصف
1 يناير 2012
قالوا عنها «ثورة البوعزيزي» وأطلقوا عليها اسم «ثورة الياسمين» و»ثورة الحرية والكرامة» وتستحق من دون شك لقب «أم الثورات» في 2011.. انها ثورة تونس الخضراء التي أشعلت شرارتها نيران الانتفاضة في مصر وليبيا وفرضت التغيير في اليمن وهزت الحكم في سوريا ودفعت تسريع الإصلاحات في المغرب والجزائر والاردن والعديد من دول الوطن العربي. بائع خضار يدعى محمد البوعزيزي يشعل النار في نفسه في 17 ديسمبر 2010 في بلدة سيدي بو زيد التي لا يعرفها ربما أبعد من سكانها بعدما صادرت موظفة الأمن البلدي وتدعى فادية حمدي بضاعته لمخالفته القانون..الخبر عادي ربما لا يستحق النشر اذا ضاقت المساحة الخبرية، او حتى تمريره في شريط الفضائيات. لكن الا يقولون أعظم النار من مستصغر الشرر.. فالشائعات زادت بعد وفاة البوعزيزي في 4 يناير عن صفعة تلقاها- هكذا قيل لكن لم يثبت ذلك - واشتعلت الشرارة ليس لان البوعزيزي رمز وانما لان ما قام به عكس مأساة اكثر من 800 ألف عاطل عن العمل في أنحاء تونس لتنطلق التظاهرات ثائرة على أوضاع أصبح فيها الموت أسهل من البقاء «أحياء أموات». خرجت الثورة لم تطالب بأكثر من مقومات الحياة دون ان تدعو أو تقترب حتى من المحظورات في التلفظ بشعارات ضد الحكم في دولة لقبت على مدى تاريخها بالدولة البوليسية منذ انقلاب الرئيس زين العابدين بن علي على الرئيس السابق الحبيب بورقيبة وانتزاع السلطة في 7 نوفمبر 1987. لكن قمع السلطة الذي تجاوز كل الحدود متسببا بنحو 300 قتيل خلال اقل من اسبوعين جعل الجيش يختار الانحياز الى الشعب. غادر بن علي وزوجته تحت جنح الظلام ليل 14 يناير من دون ان يتنحى، وهو ما كشف عنه يوم محاكمته غيابيا في 20 يونيو حيث قال «انه لم يترك منصبه كرئيس ولم يغادر تونس هربا بل نتيجة خدعة بوجود خطة لاغتياله». لكن ما حدث بعد ذلك تحت ضغط الشارع كان متسارعا بداية من إقصاء كل ما يمت الى بن علي وحزبه الحاكم بصلة، مرورا بمرحلة انتقالية اولى أعادت الى تونس كل المعارضين الذين اعتقلهم ونفاهم عهد الرئيس المخلوع وفي مقدمهم «الإسلاميين»، وصولا الى إجراء انتخابات في 23 اكتوبر لاول مجلس وطني تاسيسي ينتظر ان ينشغل خلال العام 2012 في وضع دستور «الجمهورية الثانية» منذ استقلال تونس في 20 مارس 1956، والإشراف على تنظيم انتخابات عامة في غضون سنة. حقق حزب «النهضة» الإسلامي كما كان متوقعا الفوز بأغلبية 89 مقعدا من اصل 217 في المجلس التأسيسي، ووقع اتفاقا منح أمينه العام حمادي الجبالي رئاسة الوزراء بصلاحيات أوسع من رئاسة الجمهورية التي تولاها حزب «المؤتمر من اجل الجمهورية» ممثلا بالمنصف المرزوقي المعارض الشرس لبن علي الذي كان اول العائدين من المنفى بعد سقوط النظام والذي دعا التونسيين بعد أدائه اليمين القانونية الى هدنة سياسية واجتماعية لمدة ستة اشهر للتصدي للظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة متعهدا «الاستقالة من مهامه اذا لم يتمكن من الوفاء بوعوده خلال هذه المدة». دعا المرزوقي التونسيين الى المصالحة تحت شعار «لا مكان للثأر والانتقام» والمساعدة في بناء أول جمهورية حقيقية بعد عصر «الجملكيات» (الجمهوريات الملكية)، وشدد تحديدا على «حماية المنقبات والمحجبات والسافرات بلا تمييز وبمساواة امام القانون»، وذلك بعد صدامات طلابية شهدتها الجامعات التونسية على خلفية التشدد. والرسالة نفسها حملها زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي الى الولايات المتحدة في 7 ديسمبر ليعلن من هناك «إن الإسلام في تونس معتدل، وأنه مع حرية تغيير العقيدة والدين للأفراد وان الدستور الجديد لن يشير إلى دولة غير تونس ولن يتضمن أي مواد تدين إسرائيل». الآن، تنتظر تونس من سلطاتها التنفيذية الجديدة ان تنكب خصوصا على الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتدهور بعد عام قاربت فيه نسبة النمو الصفر وتفاقم فيه عدد العاطلين عن العمل ليبلغ نحو مليون، لكن مع ذلك أشار استطلاع الراي ان 92 بالمئة من التونسيين «متفائلون بالمستقبل بل ان 67 بالمئة قالوا انهم متفائلين جدا». اما سيدي بوزيد مهد الثورة فقد نسيها التاريخ، عائلة البوعزيزي غادرتها، والشرطية فادية عادت الى عملها بعد ان برأها القضاء في ابريل، وتقول وهي جالسة في مكتب بلا نوافذ داخل مبنى تعرض للتخريب بعد الإعلان عن نتائج انتخابات المجلس التاسيسي «كنت كبش المحرقة..أحببت مهنتي وعوقبت لمجرد انني طبقت القانون». لم يكن كلامها وحدها وإنما كلام المسؤول عنها محمد صلاح مسعودي بقوله غاضبا «ليس ذنبها ان احرق البوعزيزي نفسه! ان القصة التي كتبت خاطئة، انها مسرحية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©