الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السينما الصينية·· صراع بين الجمال والأيديولوجيا

السينما الصينية·· صراع بين الجمال والأيديولوجيا
3 يناير 2008 00:43
بدأت صناعة السينما الصينية إبان الثلاثينيات من القرن الماضي في مدينة ''شنغهاي'' على أيدي الحركة اليسارية التي انشأت شركات حاولت مراوغة السلطة لكي تعبر أفلامها من الرقيب أما أهم تلك الشركات فهي ''كونولون'' و''روينوا''، الا أن حركة التحول الكبرى في صناعة سينما صينية كانت مع مجيء الشيوعيين الى السلطة عام ·1949 بكين وشنغهاي تبنتا وبقوة إنتاج أفلام تعبر عن توجهها الجديد لذا لم تبق السينما الصينية في إطار مخاطبة ابن المدينة المتعلم الذي يستطيع أن يفهم المعاني المبثوثة في الأفلام اليسارية ما قبل 1949 لذا طالبت السلطة الجديدة أن تكون هناك معالجات مبسطة يفهمها ابن الريف وهذا بالطبع حال الفن الموجه والمؤدلج ، من هذا المنظور بدأت الموضوعات الساذجة التعليمية ومع ظهور أول معهد سينمائي عام 1956 بدأ الشباب الصيني يتعرف بشكل علمي على صناعة السينما والتي تؤهلهم الى الانتقال الى أكاديمية السينما في بكين· عام 1966 تم اغلاق معهد السينما وأعيد افتتاحه عام 1970 عندما بدأت الثورة الثقافية، الا أن أهم ما أنجز حقاً هو عام 1979 حيث كان البرنامج الاصلاحي الاقتصادي قد قاد الثقافة بمجملها الى التطوير عبر الاطلاع على المنتج السينمائي الأوروبي والأميركي، ولم يحصل هذا التطور علمياً إلا بعد أن اختير المخرج ''وي تيانمنج'' رئيساً لاستوديو تسيان عام 1973 فقد قرر أن يدخل الشباب عالم الإخراج بأنفسهم وبدون رقيب· الحروب والسخرية كان الموروث التاريخي موضوعاً أساسياً لأفلام الشباب حيث الحرب الصينية اليابانية جسدها فيلم ''الواحد والثمانية'' من إنتاج ثلاثة شباب هم ''جانج جونزهاو'' والمصور ''جانج ييمو'' ومصمم الديكور ''هي كن''· جاء بعد ذلك فيلم ''القرار السري'' للمخرج ''وي جينيو'' الا أنه لم يتخلص من الموروث الحربي في قصة تتحدث عن ضابط ووثيقة وقعت من قبل ''شيانج كاي شيك'' لم يستطع الضابط التستر عليها، أما فيلم ''الأرض الصفراء'' الذي اشترك فيه الثلاثة أنفسهم الذين انتجوا ''الواحد والثمانية'' فقد استقبل برفض حكومي وبقبول جماهيري وبخاصة في مهرجان ''هونج كونج السينمائي عام ·''1985 أفلام متعاقبة حققت صدى كبيراً منها ''سارق الحصان'' و''نهر بلا عوامات'' و''البئر القديمة'' بسبب انقلابها على الفهم الايديولوجي للسينما ولقناعتهم أن الايديولوجيا لا يمكن أن تصل الى روح الفنان والى فهم الطبيعة الاجتماعية للفرد ومشكلاته الاقتصادية والنفسية· هذا الإنتاج السينمائي الشاب كما يذكر أمير العمري في كتابه عن ''السينما الصينية الجديدة'' ووجه بقسوة لا حدود لها باعتباره قد تخطى ما هو مسموح له، الا أن الناقد الشاب ''زو دايك'' هاجم المخرجين الكلاسيكيين من مثل ''تسي ين'' صاحب ''شقيقان المسرح'' و''اسطورة جبل تيانيوان'' و''بلدة هيبيسكس'' باتهامه بالتخلف ومحاولة تشويه الإبداع السينمائي الشاب فانشغلت الصحافة بالردود والمشاكسات العلمية بين مؤيد ورافض، الا أن الموجة الجديدة بدأت تكرس مفاهيمها وبخاصة في فيلمي ''سارق الحصان'' و''الأرض الصفراء''· الموجة الجديدة المخرجون الذين مثلوا الموجة الجديدة مثل ''تشين كايج'' و''هوانج تسيامن'' و''جانج زيمنج'' كانوا مخلصين للجانب الجمالي ولتناول المشكلات التي يمر بها المجتمع الصيني وأن كل ما جاءت به الايديولوجيا لم تغير من الموروث الصيني شيئاً بل ظلت القيم كما هي، أما فيلم ''أغنية سوان'' الذي أخرجه ''جانج جيمنج'' الذي تطرق الى قصة الموسيقار الصيني المسن فقد دافع عن الموروث الثقافي الصيني· وربما يعد فيلم ''آخر أيام الشتاء'' للمخرج ''وي تسينيو'' أحد أهم الأفلام عن العذابات التي تعرض لها الناس هناك في معسكرات الأشغال الشاقة التي بنيت في عمق الصحراء التي تقع في الشمال الغربي من البلاد، كذلك كان فيلم ''في أرض العيد'' و''سارق الحصان'' لجوانج الذي طرح موضوعة الأقليات في التبت ومنغوليا· هؤلاء المخرجون بدأوا يحركون عين الكامير باتجاه ساخر والذي تجسد في فيلم ''حادثة المدفع الأسود'' الذي كان يتفكه على موضوعة ''الديمقراطية الصينية الجديدة''، انهم شباب آمنوا بأن السينما كفيلة بتعليم الجمهور عبر الرمز والايحاء، إن المشاكل الاجتماعية يمكن أن تحل الا أن الديمقراطية من الصعوبة أن تجد لها موطئ قدم في عصر الايديولوجيا الواحدة· الفقر والجوع كانت رواية ''صدى الوادي'' لـ ''كي لان'' هي مصدر فيلم ''الأرض الصفراء The Yallow Eerths''· ويلخص قصته ''أمير العمري'' في كتابه عن السينما الصينية الحديثة بأن جندياً أرسل ليجمع الأغاني الشعبية من شمال الصين الذي يقطنه فلاحون بسطاء وبعد أن وصل الجندي الى القرى شهد حفلاً لعرس الا أن ما يواجهه هو حالة الفقر التي يعيشها الناس وبأن العروس لم تتجاوز التسع سنوات، هنا يدهش ''جي'' الجندي الذي سيسكن مع أسرة العروس المتكونة من الأب وابنته ''كويكياو ذات الثانية عشرة من العمر وابنه ''هانهان''، يرى الجندي الحزن الطاغي على وجوه الجميع الذين لم يتبادلوا معه الحديث، الا انه ''الجندي'' يقيم مع الفتاة علاقة ثقة فيفهم منها أن أباها يريد تزويجها لرجل مسن بوصفها سلعة وبعد أن يهجر القرية ويعود إليها ثانية يراها قد تزوجت محمولة بهودج أشبه بالسلعة التي تباع الا أنها تهرب من بيت زوجها ويرى القرية في حالة تضرع لسقوط المطر، فيغادر من غير رجعة· شعرية عالية وادانة للبطل المهزوم، ذلك هو الرمز الذي حفل فيه ''الأرض الصفراء''· جوائز عالمية أما رواية ''كان هناك مكان جميل'' للقاص ''جانج ماتلينج'' فقد أوحت للمخرجة ''نواتكسينن'' إخراج فيلم ''التضحية بالشباب'' وفي عام 1988 ذهبت جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الى فيلم ''الذرة الحمراء'' للمخرج ''جانج ييمو'' الذي أخرج من قبل ''الأرض الصفراء'' و''الواحد والثمانية''، كونه أحد أهم الأعمال الصينية الذي يحصد ولأول مرة جائزة كبرى في مهرجان دولي كبير، وكالعادة حارب النقاد الرسميون الفيلم كونه شكلياً ومصوراً انحطاط الشخصية والخضوع لما هو جمالي غربي بالرغم من أن الفيلم يقوم على مبدأ الاستفادة من الحكايات الشعبية أو الأسطورة· الا أن الملاحظة الأساسية اللافتة أن أغلب الأعمال الصينية كانت تدور على ثلاثة محاور وهي الحروب الصينية اليابانية وواقع الزواج في الريف الصيني من فتيات صغيرات يقدمن الى رجال مسنين· المخرج ''جانج ييمو مواليد ''1950 ويعد عبقرية السينما الصينية الى جوار زميله ''تشن كايج'' ولم يكتف ''ييمو'' بذلك بل أخرج فيما بعد فيلمه ''جو دو'' و''ارفعوا المصابيح الحمراء'' و''قصة كيوجو'' و''العيش'' وجميع أفلامه تلك تدافع عن المرأة في مجتمع متخلف ريفي، فهو بالفعل جوهرة السينما الصينية بالرغم من أنه لم يتعلم على درجات عالية من المعرفة العلمية بل عمل مزارعاً وفي حفر الآبار بالريف الصيني، الا انه كان متعدد المواهب وبخاصة في فن التصوير الفوتوغرافي، ولم يتعلم السينما الا على كبر من حياته· كذلك كانت حياة المخرج ''تيان جوانج جوانج'' الذي أخرج ''ملك الشطرنج'' و''ملك الأطفال'' و''وداعاً يا خليلتي'' و''قمر الإغواء'' و''الطائرة الورقية الزرقاء'' و''سارق الحصان'' حيث حصل على السعفة الذهبية في مهرجان ''كان'' السينما عن ''وداعاً يا خليلتي''· أما المخرج ''وي تيانمنج'' والمخرج ''تسي فاي'' و''جيانج وين'' و''هوانج جيانكسين'' و''جانج جونزهاو'' فقد أرسوا دعائم السينما الصينية التي تطالب بالانزياح عن الايديولوجيا المريضة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©