الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النقد الفني والأدبي في الإمارات·· أين المشكلة؟

النقد الفني والأدبي في الإمارات·· أين المشكلة؟
30 يوليو 2008 23:15
النقد في الإمارات سؤال يثار بين فترة وأخرى، سؤال لا إجابة محددة له، كل يرى أسبابا معينة لظاهرة شبه غياب هذا النقد بفروعه، سواء كان في الأدب أم في أشكال الفنون الأخرى من تشكيل ومسرح وسواهما، ففي ظل وجود أنواع الأدب من قصة ورواية، ووجود المسرح والتشكيل، لماذا لا نجد ناقداً محلياً متخصصاً يقدم دراسات نقدية رصينة؟ ولماذا نجد نقاداً في بعض دول الخليج (السعودية والبحرين والكويت وعمان) ولا نجد مثيلا لهم في الإمارات؟ لماذا ظلت الحركة النقدية في الإمارات تسير حتى الآن بخطوات بعيدة جدا عن حركة الإبداع التي تسابق الزمن؟ أسئلة حملناها إلى عدد من المبدعين في الساحة الثقافية، وكانت هذه الحصيلة: يقول الشاعر والمترجم د· شهاب غانم: النقد بطبيعته يحتاج إلى ذائقة، لكنه إلى ذلك يحتاج إلى معرفة وخبرة، ولذلك نجد أن النقد في الإمارات قليل، وليس بغائب تماما إذا ما قارناه بفروع الإبداع الأخرى من شعر وقصة حيث يمكن للمبدع أن ينطلق على سجيته وإن كانت معرفته بأصول فنه وبالنقد تساعده في الارتقاء بإبداعه، ويمكن تلمس بدايات الكتابات النقدية الإماراتية عند (الأديب الراحل) الدكتور أحمد أمين المدني في مقدمته لديوانه ''حصاد السنين'' الصادر عام ،1968 وكذلك مقدمته القصيرة لديوانه ''أشرعة وأمواج'' الصادر عام ،1972 إضافة إلى دراساته النثرية ومن أهمها كتابه ''الشعر الشعبي في الخليج العربي: نشأته وتطوره'' الصادر في دبي عام ،1967 فالمدني درس الأدب بطريقة منهجية مما مكنه أن يكتب تلك الدراسة· بدايات انطباعية يضيف غانم: هناك آخرون حاولوا ولوج عالم النقد بطريقة أقرب إلى الانطباعية منهم إبراهيم بوملحة وبلال البدور وعبد الغفار حسين، فقد تناول هؤلاء تجارب شعراء مثل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ومبارك العقيلي وخلفان مصبح وأحمد بن سليم وخليفة بوشهاب وسواهم· كما أن حمد بوشهاب نفسه قام بدور الناقد ربما بشكل أقل مباشرة أحيانا من خلال اختياراته الكثيرة في مجال الشعر الشعبي ونشرها في كتب عدة، كما أنه تناول شعر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وقدمه للقراء· ومن الشعراء الذين اهتموا بالكتابة النقدية الشاعر أحمد محمد عبيد صاحب الكتب المتعددة وبعضها دراسات متعمقة وبعضها الآخر أقل تعمقا ولكنها تظل مفيدة· وهناك الشاعر سلطان العميمي الذي نشر أكثر من كتاب تتناول بعض الشعراء الإماراتيين، وكذلك الأمر بالنسبة للشاعر أحمد راشد ثاني وعبد الله الطابور الذي تناول سيرة بعض الأدباء والشخصيات الثقافية الإماراتية· وأنا شخصيا كنت منذ صباي مولعا بدواوين الشعر وكتب النقد، ورغم أنني تخصصت في ثلاثة فروع من الهندسة ونلت الشهادات العليا في العلوم الإدارية والدكتوراة في الاقتصاد، إلا أن كتب نقد الشعر بقيت جزءا لا يتجزأ من قراءاتي، فاطلعت على كثير من كتابات طه حسين والعقاد وميخائيل نعيمة ومحمد مندور وأنور المعداوي وزكي مبارك وسواهم، كما قادني اهتمامي إلى قراءة بعض القدامى كالجرجاني والآمدي وبعض الغربيين أمثال كولرج وإليوت وريتشاردز، مما ساعدني في مسيرتي الشعرية وحفزني على كتابة تعليقات على بعض الدواوين والأشعار المعاصرة خصوصا لبعض الأصدقاء ونشرت عشرات المقالات التي جمعت كثيرا منها في كتب أدبية ذات طابع نقدي ومنها ''وقفات مع دواوين معاصرة'' و''بين قصيدتين'' و''نزيل عصيفرة'' و''البردوني'' و''صورة مدينتين'' و''من شعراء الأغنية اليمنية'' و''شعراء من الإمارات'' ويتناول حياة وشعر عشرة من شعراء الفصحى والنبطي في الإمارات· كما أنني كتبت باللغة الإنجليزية دراسات عن الشعر العربي والإماراتي نشرت في كتبي التي صدرت بهذه اللغة· ويتابع غانم: في العقود الأخيرة تأثرت الكتابة النقدية بالنقد الغربي فانتشرت دراسات النقد البنيوي والتفكيكي وما شابه ذلك، وهي كتابات تشرّح النصوص كما يشرح الطبيب جثة الميت، وبات النقد أكثر تخصصا وأقل أدبية وإمتاعا لأمثالي من غير المتخصصين، مع اعترافي بقيمة بعض تلك الدراسات، ومن هنا بدأ يظهر في الساحة بعض المتخصصين من الإماراتيين مثل الدكتور علي بن تميم الذي عرفه الجمهور من خلال برنامج ''أمير الشعراء'' وأتوقع أن تصدر له دراسات جادة في المستقبل· كما لا يمكن أن ننسى دور الأشقاء العرب ممن يدرسون في جامعات الإمارات ومدارسها واهتموا بالأدب المحلي، وهم كثر· انطباعات عابرة وفي مجال القصة القصيرة لا يبدو النقد أفضل حالا منه في المجالات الأخرى، فرغم أن سنوات السبعينات والثمانينات شهد النقد بعض الحراك من قبل نقاد عرب وأكاديميين جامعيين، فقد تراجعت هذه الظاهرة منذ سنوات وباتت تتقلص، وفي لقاء مع القاص إبراهيم مبارك قال لنا إن النقد يكاد يغيب عن الساحة باستثناء بعض الكتاب العرب الذين يقدمون دراسات وأبحاثا وقراءات غالبا ما تكون سريعة وغير معمقة، ويضيف: طبعا شهد عقدا السبعينات والثمانينات فترة زخم ثقافي وحضور مهم للمبدعين والنقاد، وكان هناك نقاد عرب برزوا في متابعة الإبداع الإماراتي مثل عزت عمر ونواف يونس وثابت ملكاوي وغيرهم من أكاديميين كتبوا في نقد القصة وغيرها، ولكن بعضهم توقف منذ سنوات، والبعض الآخر لم يقدم جديدا يذكر، وكل ما يقدم هو عبارة عن قراءات وانطباعات ليست عميقة، ما يجعلنا نقول بكل ثقة بغياب النقد الجاد والحقيقي، واللافت أكثر هو غياب النقاد من المواطنين، وأستطيع القول إننا نفتقر إلى الناقد المثقف ذي التجربة الثقافية والخبرة التي يستطيع من خلالها تقديم رؤية نقدية متميزة، فكل الباحثين هنا هم ممن يعتمدون أسلوب تجميع مادة بحثية من هنا وهناك، وعرضها في كتب تكرر ما قبلها، حيث تغيب عنها الرؤية الإبداعية الخاصة للمؤلف، ما يجعلها كتبا هزيلة والهدف منها أن يقول لنا الباحث إنه يراكم كتبا ومؤلفات، لكن الواقع أن هذه الكتب تفتقر إلى العمق والجدية، وهذا الأمر يؤثر في تصورنا للمنهج والأسلوب المتبع في تأليف الكتب بحيث يغدو الاستسهال هو السائد، وما يسود الآن هو القراءات الانطباعية الصحافية التي لا تفيد الكاتب بشيء· نقد التشكيل وفي ما يتعلق بنقد الفن التشكيلي ومستواه التقينا الفنانة ابتسام عبد العزيز التي قالت: بالحديث عن النقد الفني أود في البداية أن أنوه إلى أن عملية تذوق العمل الفني تتم من خلال توفر عناصر أساسية منها الإدراك، الانفتاح، تناسب وتناسق أعضاء الشيء بعضها ببعض، أي أن الانسجام بين عناصر الشكل في العمل الفني نفسه تعطي صورة ممتعة، وهنا يبلغ العمل الفني الحس الجمالي، ولكن لا بد من مرحلة أخرى تضاف وهي حالة الشعور والإحساس بقيمة الفكرة التي يحملها العمل الفني، وكنتيجة حتمية لما نعيشه في عصرنا من تحول، أدى إلى التحول في الفن، الذي هو ليس بتحول أو تغيير عاطفي، إنما هو ولادة تراكيب جديدة، فأصبح لدينا إدراك جديد يشمل كلاً من الشكل والمعنى للمنتج الفني، هذا الشكل لم يعتده المتلقي في الفن، فالقدرة على تقبل الاتجاهات الجديدة، بعقلية تسمح بالتطور بدا أمراً نسبياً، مما دفع بالمعترضين على هذا الفن إلى المطالبة بجعل الحاضر والمستقبل نسخة مطابقة للماضي· وقاد الآخرين إلى الاعتقاد بأن إعطاء الآراء والأحكام، بالتعبير عن تفضيلاتهم هو العمل الأساسي للنقد، حيث تناسوا أن الفنان المعاصر هو شخص مبتكر لا مقلد، فللأسف لم يقدم النقد في مجال الفنون التشكيلية سوى بعض الجهود الفردية لبعض المتتبعين من الفنانين أو الكتاب المعنيين والتي لم تتعد إعطاء فرضيات ورؤى تحليلية لبعض الأعمال أو المعارض الفنية، ففي رأيي أن الناقد يجب أن يقدم على القراءة أولا في الحقول التشكيلية القديمة والحديثة ليكتسب رؤية ثقافية، وليكون قادرًا على نقد العمل الفني، ويبقى هناك بعض الفنانين الذين يقومون بهذا العمل دوريًا، فعندما يعرض (فلان) يتولى (فلان) نقد أعماله وبالعكس، الأمر الذي جعل المتلقي يحتار ويعزف عن الخوض في ما لا يفهمه· فللأسف هذا هو حال النقد، والذي من المفترض أن يكون كلاماً منظماً حول الفن، يبحث عن ماهية العمل الفني، يعتمد على قدرة وخبرة الناقد في الملاحظة أو الرؤية، وهذا سبب الاختلاف بين النقاد في تقديرهم للأعمال الفنية، والذي مرجعه الأساسي اختلاف الخبرات الماضية فليس من السهل أن يتفق ناقدان في نقدهما، لأنه ليس من الممكن أن يكون لكل منهما أرضية واحدة يتعايشان فيها· ولا بد لنا أن ندرك بأنه طالما أن هناك أشكالاً كثيرة للفن، فبالتالي هناك الكثير من أشكال النقد، بحيث لا توجد نظرية واحدة تكون ملائمة لكل هذه الأشكال، هناك مقاييس لمدارس نقدية قديمة فشلت في تقدير إنتاج الفن، لأن تلك المقاييس جامدة، ولا تنطبق على أعمال سمتها التغيير، فبالتالي لا نستطيع أن نتبين مدى اتفاق وسائل الفنان مع تعبيره ما لم ندرك وجهة نظره وما أراد أن يعبر عنه· النقد السياقي وتتابع ابتسام عبد العزيز: ومن أنواع النقد التي استعين بها في تحليل العمل الفني ما يسمى بالنقد السياقي الذي يبحث في ''سياق'' العمل الفني والظروف التي ظهر فيها هذا العمل، وتأثيراته في المجتمع، ويشمل بوجه عام جميع العلاقات المتبادلة بين العمل وبين الأشياء الأخرى، دون النظر إلى العمل بطريقة جمالية، كالبحث عن السمات النفسية والمجتمعية والفكرية التي ابتدعت وأثرت على طريقة إنتاج العمل الفني، والنقد السياقي يمارس في نطاق واسع، فمن الملاحظ أن الفن الحديث يتأثر بقوى أخرى في المجتمع كالعامل الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي ، الأفكار الأخلاقية للعصر، ونظرة الفنان نفسه، كل هذه العوامل وكثير غيرها، يمكن أن تترك طابعها على الفنان، وبالتالي على أعماله· هنا أود الإشارة إلى أنه من الخطأ الاعتقاد بوجود مفهوم واحد، وكأن لدى الفنان فكرة ثابتة وموحدة، عن العمل منذ أول عملية الإبداع إلى آخرها، فالعملية الخلاقة، ليست في العادة حركة مباشرة، غير منقطعة نحو هدف الفنان، فقصد الفنان يتغير أثناء سيره في عمله، وكثيرا ما يكون للفنان مقاصد متعددة· وبصفتي مهتمة بالفن المعاصر، أتساءل عن الدور الذي يمكن للنقد أن يقدمه للفن المعاصر؟ وما هو دور النقد في تعليم هذا الفن للعامة والمختصين؟ وأرى أن الهدف الأساس للنقد، في مجتمعنا الحر، هو نقد الحياة من أجل الارتقاء بالقيم الفنية وهذا هو دون شك الهدف الدائم للنقد، غير أن طابع الزمن اللاعقلاني الذي نعيش فيه، يستدعي التركيز باستمرار نحو هذا الهدف، فللأسف تسعى الأغلبية إلى التأكيد على مقدار السيطرة على نوعية الفكر والشعور في المجتمع، بل والاعتراض على التغيير العام والمفاجئ، لكننا كفنانين نصر على الارتقاء بالمعايير نحو الأفضل، آملين أن يساعد النقد الفني في تطور الثقافة البصرية، نظراً لأهمية النقد في تطور القدرات البنائية عند الأفراد التي تترك تأثيراً إيجابياً على المجتمع والناس، ولأهمية دور الكتابة أو النقد في الفن الحديث، دفع العديد من الفنانين إلى الكتابة ليس بهدف النقد إنما لتحقيق الغاية الأساسية من النقد وهي تحقيق الفهم· إذاً فهدفنا الرئيسي هو فهم الأسباب الموجودة في العمل الفني والتأثير الذي تمتلكه فينا· وختاماً فإن الفن الحديث يحتاج كأي شيء إلى عقلية حديثة لتقديره وفك رموزه للاستمتاع به، فالفنان المعاصر يكتب عن فنه، ولكن تلك الكتابات مختلفة، فهي تتصل جميعها بعمل الفنان، وتلقي ضوءاً على شخصيته وعمله· فهل نعتبر الفنان ناقدا أيضا على اعتبار أن كل قرار يتخذه يمتاز بالبعد النقدي فالفعل الإبداعي هو فعل تواصلي؟ دور المؤسسات الثقافية من جهته يفصل الدكتور صالح هويدي رؤيته في هذا الموضوع بالقول: لا بد لنا، دفعاً لأي لبس محتمل، ورغبة في ضمان سلامة التواصل مع القارئ، استبعاد بعض المفاهيم الحافة بمصطلح النقد الأدبي لدى جمهرة كبيرة من القراء· ومن أجل تحقيق ذلك أرى أن علينا أن نميز بين نمطين من النشاط النقدي، الأول: وهو ما يعرف بالمتابعات النقدية، وهو نشاط يهتم بالتركيز على الملاحقة الصحفية للنتاج الإبداعي، وتقديم عرض عام له· أما الثاني: فهو المقصود من وراء مصطلح النقد، ونعني به القراءة المنهجية التي تتوجه إلى النتاج الإبداعي بهدف تفكيك بناه واستنطاق إمكاناته الخبيئة وإضاءة المسكوت عنه فيه، من خلل عُدة نقدية ومنهجية منظّمة، لإعادة إنتاج النص في ذهن القارئ· وبقدر ما يتعلق الأمر بالنقد الإماراتي، فإن ظاهرة المتابعات النقدية تبدو هي المظهر الأكثر حضوراً في مشهده الثقافي منذ أجيال الرواد، بدءاً بجيل الأستاذ عبد الغفار حسين وانتهاء بجيل الشباب الحالي، فثمة عدد من الكتاب مارسوا هذا اللون من الكتابة التي عنيت بمتابعة الكتب والظواهر والنتاجات الأدبية والفكرية؛ شرحاً وتعريفاً وتلخيصاً، لا تخلو من أحكام معيارية· والحق أن النقد بمعناه المنهجي نشاط ثقافي معقد، يحتاج إلى توافر جملة من الشروط والظروف والإمكانات الثقافية والاجتماعية والمعرفية، لعل من أبرزها ما يأتي: الاستعداد الشخصي من امتلاك عناصر الذكاء والفطنة والصبر والحساسية، التراكم الثقافي وسعة الإطلاع وتنوع القراءات، الاطلاع المنهجي على النظريات والمناهج النقدية والفلسفية، الدربة في التعامل مع النصوص والأنواع الأدبية ومعرفة خصائصها وتطوراتها، والتفرغ للممارسة النقدية ومنحها الوقت والجهد الكافيين· من هنا يمكنني القول إن انصراف المثقف الإماراتي وإخلاصه للمشروع النقدي بمفهومه الأخير، الكاشف عن منجز منظور وتراكمي، لا يزال في بداياته التأسيسية ويحتاج إلى آليات ووسائل تضمن تطوره وازدهاره، لكن ذلك لا يمنع من ذكر عدد من الأسماء التي سيكون مجحفاً إنكار جهودها، أمثال: الأستاذ علي بن تميم والدكتورة فاطمة البريكي، وأحمد منصور لو واصل مشروعه الذي بدأه وتفرغ له، ومثله فاطمة السويدي وبعض الأصوات الشبابية الواعدة، أمثال: مروان البلوشي وسواها من المواهب التي يمكن الأخذ بيدها، لو بذلت المؤسسات الثقافية والأكاديمية جهوداً غير تقليدية في هذا الشأن·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©