الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كارلوس فيونتاس عن العولمة والحدود الفاصلة بين ثقافتين

كارلوس فيونتاس عن العولمة والحدود الفاصلة بين ثقافتين
30 يوليو 2008 23:19
الكتابة بالنسبة للكاتب المكسيكي الكبير كارلوس فيونتاس فنّ وحيويّة دائمة، ووسيلة لتغيير العالم· كان فيونتاس في السابعة من عمره لما شرع في الكتابة· وقد أصدر وهو في هذه السن، مجلة أدبية· وكان يوزّعها في طوابق العمارة التي كان يسكنها بصحبة عائلته في العاصمة الأميركية واشنطن التي كان والده دبلوماسيّاً معتمداً فيها· وإثر تخرّجه من الجامعة، دخل عالم الدبلوماسيّة، تماماً مثل مواطنه الكبير الآخر، الشاعر أوكتافيو باث، وأخذ يتنقل عبر العالم· ومنذ سنوات، يعيش كارلوس فيونتاس في لندن· وفي إحدى رواياته هو يضع ''ريوجراند'' كحدّ فاصل بين بلدين: المكسيك والولايات المتّحدة الأميركيّة، وأيضاً كحدّ فاصل بين ثقافتين، الثقافة الأنجلوساكسونية، والثقافة اللاتينية· وهو يقول: ''إن ريوجراند هي الحدود الوحيدة في العالم بأسره والتي تفصل بين بلد في طور النموّ الذي هو المكسيك، وبلد مصنّع، هو الولايات المتحدة الأميركية· وبين سان دياغو الواقعة في كاليفورنيا، وتيجوانا، الواقعة في المكسيك، هناك حائط سميك من الإسمنت، وأسلاك شائكة، وحرّاس مدجّجون بالسّلاح تماماً مثلما كان الحال في برلين قبل انهيار الجدار· إنّ ريوجراند ليست إذن مجرّد حدود· إنها جرح، وخلال حرب ،1848 افتكت الولايات المتحدة الأميركية من المكسيك نصف مساحتها الوطنية، من التكساس إلى كاليفورنيا''· ويضيف كارلوس فيونتاس قائلاً: ''إن الجرح لا يزال ينزف في كلّ مرة يوقف فيها مواطن مكسيكي ويُضرب ويُقتل· وهذا يحدث دائماً· وما موضوع الآن على الحدود، وبعنف وحدّة، هو موضوع العولمة· لماذا في العالم الذي دخل عصر العولمة، تتنقل السّلع بكامل الحرّية، في حين يمنع الأشخاص من ذلك· عندما تكون الولايات المتحدة الأميركية في حاجة إلى اليد العاملة، فإنها تسمح بدخول المكسيكيّين لأراضيها· أما عندما تكون لها مشاكل داخليّة، فإنها تغلق حدودها''· ولكن هل هذه الحدود تجسيد للمواجهة بين الشمال والجنوب؟ عن هذا السؤال، يجيب كارلوس فيونتاس قائلاً: ''في المجال الاقتصادي يمكن القول إنّ ذلك صحيح· لكن، وبشكل مفارق، هناك بُعدٌ آخر للعولمة: التبادل بين الثقافات أو تنوع الهويّات· اليوم دخل العالم اللاتيني إلى الولايات المتحدة الأميركية· وخلال ثلاثين أو أربعين عاماً، سيكون التناصخ كاملاً· ومنذ وقت طويل، هناك 30 مليون من المواطنين الأميركيين الشماليين يتكلمون الإسبانية! وخلال الانتخابات المقبلة، لن يكون أي مرشح، سواء كان جمهورياً أو ديمقراطياً، أن يفوز دون التصويت اللاتيني، والذي هو بنسبة 80% مكسيكي''· ومفسراً هذا التناصخ، يقول كارلوس فيرنتاس: ''الولايات المتحدة هي الآن بصدد اكتشاف أنه ليس لها تاريخ واحد· تاريخ أبيض· أنجلوسكسوني، بروتستانتي، كما كان شعبها يعتقد دائماً، وهي الآن، أي الولايات المتحدة الأميركية ترى أن لها ثقافات أخرى، افروأميركية، صينية ـ أميركية، كوبية ـ أميركية، هندية ـ أميركية، مكسيكية ـ أميركية· تمثلها اليوم جمهرة من الكاتبات مثل توني موريسون، وكريستينا جارسيا، وساندرا سيزنيروس· وهؤلاء الكاتبات يروين قصة أميركا أخرى، وتاريخاً آخر· كيف نقدر أن نفهم أميركا إذا لم نأخذ هذا البعد بعين الاعتبار؟ كثيرون هم الأميركيون الذين يرفضون تقبل هذا الأمر· لكن تلك هي الحقيقة''· ولا يعتقد كارلوس فيونتاس أنّ هناك هيمنة ثقافة أميركية على المكسيك، وهو يقول: ''إن عولمة الثقافة هي في النهاية سطحية، وتتوقّف عند المسائل المتصلة بالمشهد وبالتجارة· إن جذورنا الحقيقية تضرب في الذاكرة، وفي العائلة، وفي المطبخ، وفي الفن، وفي الأدب·· وكل هذا ليس متأثراً بذلك· ثم هناك دائماً ثقافة الموضة· قديماً كانت هذه الثقافة متّصلة بالموضة الفرنسيّة· وفي عام ،1958 أتذكر أنني قرأت في أحد الجرائد ما يلي: ''أخيراً أصبحت بوجودنا مدينة حديثة· فهل يعني ذلك أننا تفرنسنا ؟ أبداً· إنّ القوة الأميركية تدفع بنا الآن بالأحرى نحو تدعيم مظاهرنا الثقافية· ثم إن الولايات المتحدة الأميركية لا تتلخص في ''ماكدونالد''! إنها بلد له أدب كبير، وسيمنا كبيرة، وموسيقى كبيرة، وعلى هذا الأساس كله، يجب أن نتفتح''· وعن العولمة، يقول كارلوس فيونتاس: ''أعتقد أنّنا لا نرى غير الوجه الأسود للعولمة· أي تدفّق الرسّاميل التي تجعل من العالم الثالث أقلّ استقلالية، وتولّد ما يمكن أن أسمّيه بـ''الدّاروينيّة الاجتماعيّة''، وهذا الحضور القويّ للاستهلاك·· لكن، هناك الوجه الآخر للعولمة· فالإعلام جعل من حقوق الإنسان مسألة عالميّة· وهو فرض واقعاً جديداً يتجاوز حقّ السّيادة القديم، وعدم التدخّل وحقّ تقرير المصير·· وبفضل الإعلام، لم يعد بإمكان الحكومات أن تتصرّف مثلما كانت تتصرّف في السابق··''· ولكن هل بإمكاننا أن نحقّق أهدافاً إنسانيّة مهمّة عن طريق العولمة· عن هذا السؤال يجيب كارلوس فيونتاس قائلاً: ''أعتقد أنّ القيمة الكبيرة للقرن الواحد والعشرين سوف تكون التنوّع· وفي أميركا اللاتينيّة، وربّما في جميع بلدان العالم الثالث، نحن ألححنا كثيراً على مسألة الهويّة· والهويّة تلقن مبادئ الوحدة· غير أنّ الوحدة يمكن أن تصبح بسهولة تسلّطاً· والأفضل أن نبحث عن التنوّع من خلال المعنى الحاصل للهويّة· وهذا ما نقوم به اليوم في المكسيك· نحن نعرف من نحن· والقرن العشرون كان قرن الهوية المكسيكية· والآن علينا أن ننفتح على الثقافات الأخرى للعالم، ونحن على يقين بأنّنا لن نفقد شيئاً من خلال هذا الانفتاح''· ويعتقد كارلوس فيونتاس أنّ اللاتينية نهر كبير لتلاقح الثقافات، وامتزاجها، بدونها لا يمكننا أن نفهم كتاباً مثل جابرييل قارسيا ماركيز واليخو كاربانتيي وكتاب المارتينيك· ومتحدثاً عن إمكانية البحث عن اللاتينية من خلال الأدب، يقول كارلوس فيونتاس: ''أنا لا أتفق مع سارتر حول مسألة الالتزام· فالكاتب حرّ في أن يتخذ موقفاً أو لا يتخذ· وإذا ما كان له دور، فإنه يتمثل في المحافظة على عافية الخيال واللغة· مع العلم أنّ أول شيء تفعله ديكتاتورية من الديكتاتوريات هو إرسال المثقفين والكتّاب إلى المعسكرات، ذلك أنها تخاف الكلمة وتخشى من الخيال· وقوة الكاتب يمكن أن تمارس في العزلة· وبالنسبة لي، فإن كافكا هو الذي أعطى وجهاً للقرن العشرين من خلال لغته وخياله· غير أنّه مع ذلك، لم يكن مناضلاً سياسيّاً''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©