السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عين السخط

عين السخط
30 يوليو 2008 23:21
حين وصل الرحالة البروسي بوكلير موسكاو إلى تونس سنة 1835م حرص على كتابة يوميات اختار لها عنوان ''سميلاسو في أفريقيا'' رسم فيها ما شاهده في تونس من أحوال الناس وعاداتهم وطرائق عيشهم· وحين وصل الرحالة الأمريكي مايدجر سكينر إلى مسقط في التاريخ ذاته تقريبا، حرص هو الآخر على إعلام قرّائه الغربيين بما لا عيْن رأت ولا أُذن سمعت· كلاهما كان ينقل الواقع بطريقة تنمّي في المتلقي الغربي إحساسه بالتفوّق والغلبة· ومثلما هو الشأن بالنسبة إلى الرحّالة الغربيين عادة لم يُخْف بوكلير موسكاو استفظاعه لكلّ ما شاهده وسمعه· فهو يصف المدارس والكتاتيب قائلا: ''المدارس ذات الأبواب المفتوحة على الشارع تلوح لك من خلالها أكوام متراصّة متشابكة من الصّبية، يرسلون صياحا فظيعا مسترسلا، وتلك هي طريقتهم في تعلّم القراءة''· ويحدّث عن الأنغام والموسيقى التي سمعها في شوارع تونس وأحيائها مخبرا متلقّيه أن الموسيقى في الأرض قاطبة إنما تقوم على التناغم والإيقاع المنتظم الذي يشيع في نفس السامع الأريحية والنشوة إلاّ موسيقى العرب· ذلك أنها تنهض على النشاز والفوضى· ومن شدّة نشازها وهولها تموت الأزهار حالما تصلها الأنغام وتسّاقط مزقا ونثارا· يذكر أنه كان مارّا بالسوق وفجأة ''تعالت نغمات موسيقى عربية مزعجة، تحدّت جميع قوانين الوزن والإيقاع· حتى أن أزهارا شتّى تساقطت تحت تأثير مقطوعة من هذا الفنّ''· لن يخرج مايدجر سكينر في كتابه ''رحلات إلى الهند'' من دائرة هذه النظرة الساخطة· فهو يحدّث عن مسقط باعتبارها أشدّ الأماكن حرارة في الدنيا، لذلك يسميها ''جهنّم'' ويعلم قارئه المفترض أن مقياس الحرارة الذي كان بحوزته قد سجّل 103 درجات، فيما هو يلحّ على أنه سمع نخاع عظامه يغلي كالمرجل· وهو ينهي وصفه لمسقط معبّرا عن اقتناعه التام بأنها جهنّم الحمراء، بل هي سقرٌ وقد اشتدّ أوّارها· ثم يحدّث عن السكان العرب قائلا إنهم ''قوم متوحشون يجوبون الشوارع مسلحين بالخناجر وشعورهم مسدلة على أكتافهم وقد لوّحت الشمس أطرافها حتى غدت بنّية ملتهبة الذوائب كأنها طلع شياطين''· ثمة في هذين الكتابين إلحاح على أن العربي كائن شرّير· ثمة إلحاح أيضا على أن مقامه تحت الشمس دليل على أن الحياة نفسها محض عبث ولا معنى· بل إن وجوده أمارة على أن الفوضى تتحكّم بالحياة أكثر من النظام· إن وجوده على الأرض خطيئة لا يمكن أن تغتفر أصلا· لهذا كلّه يمعن كل من بوكلير موسكاو ومايدجر سكينر في رثاء الأماكن التي عمّرها هذا الإنسان العربي الذي أفسد الحياة· ويعتبران تونس ومسقط بلدين رجيمين· وما وجود العرب فيهما إلاّ أمارة على أن تلك الأمكنة ملعونة· حتى لكأن الطبيعة قد آلت على نفسها أن تعاقب تلك الأرض لذلك رمتها بذلك الصنف من البشر· وتلك مكائد عين السخط·· تلك مفعولاتها وأحابيلها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©