الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وتعود دولة الشعر من جديد

وتعود دولة الشعر من جديد
30 يوليو 2008 23:37
إنّ للفنون والآداب دوْراتٍ تأتي عليها فتُخْمِلُها وتُنسيها، أو تبعثُها مِن مرقَدها فتُحْيِيها؛ وإلاّ فمَن كان يلتفت إلى النثر أداةً للتعبير قُبَيْل ظهور الإسلام، إلاّ ما يكون من مواقف خطابيّة في سوق عكاظ، أو في صُلح بين القبائل، أو في مناسبة نكاح؟ ثمّ مَن كان يظنّ أنّ العرب سيأتي عليهم حينٌ من الدهر يُنْكرون أجمل ما يُنْشئون من زُخْرُف القولِ وهو الشعر، فأمست الروايةُ والسرديّاتُ بعامّةٍ هنّ الأشيعَ والأطغى في الكتابة الأدبيّة، من حيث بدأت دولة الشعر تتضاءل وتنحسر، ويتقلّص نفوذُها وينحصر؟ وقد كان معروفاً في كثير من وزارات الثقافة العربيّة أنّ الدواوين الشعريّة لا يُطبع منها إلاّ عددٌ قليل من النسخ لقلّة قرّاء الشعر، إلى أن زعم لي الشاعر الْفِلَسْطِيُّ (كذلك النسبة الصحيحة المعروفة عند العرب إلى فلسطينَ) محمود درويش في مدينة مكناس بالمغرب في شهر مارس من سنة 1983 أنّه كان يتمنّى لو كان روائيّاً، لا شاعراً! ولعلّ ذلك الإحساس تأوّبَهُ تحت وطأة الموضة الرّوائيّة التي أوشكت أن تجرُف معها كلّ الأجناس الأدبيّة الأخرى، وذلك بعد أن انقرضت الملحمة، وألْفَتْ بعضَ سبيلِها إلى ذلك المسرحيّة، من حيث ازدانت الرواية وازدهرتْ فتبوّأت أعلى مكانةٍ لها في الكتابة الأدبيّة المعاصرة على وجه الإطلاق··· ولكنْ··· وعلى حينِ بغتةٍ من غفلة التاريخ أعلنت إمارة أبوظبي أنّها تُنشئ مسابقةً للشعر النبطيّ فلقيَت من النجاح والرواج والعناية من الجمهور ما لقيَتْ، فكان لا مناصَ من إنشاء مسابقة أخرى للشعر العربيّ الفصيح، فلقيت هي أيضاً من النجاح والمتابعة في أنحاء العالم العربيّ كلِّه ما لقيَتْ··· وفجأة ألفى الشعراء العربُ أنفسَهم، وخصوصاً من لم يجاوزوا الخامسة والأربعين، مدعوّين إلى أن يتمسّكوا بقرْض الشعر والالتفاف من حوله، والحرص على احتضانه، بعد أنْ لم يُمْسِ سبيلاً للمجد الأدبيّ، واكتساب الشهرة التي تحرص عليها النفس البشريّة من حيث هي قيمة من قيم الحياة الدنيا وزينتها فحسبُ، ولكنْ لنيل جوائز سنيّة تتكرّم بها إمارة أبوظبي على الشعراء العرب المتسابقين··· ولقد أفضى هذا التّأسيس لأكبر جائزتين للشعر العربيّ نبطيِّه وفصيحه إلى إصابة بعض القنوات والمؤسسات بالعدوى فأنشأت لها، هي أيضاً، جوائز حاولتْ أن تردّ بها الاعتبار، وأن تَلفِتَ إليها، من خلالها، الأنظار، ولكنْ هيهات! فالذي يقلّد لا يمكن أن يرقَى إلى مستوى المبدع الأوّل أبداً· غير أنّ ذلك كلّه ما كان له إلاّ ليكون فألَ خيرٍ على الشعر العربيّ ليعزّز من قوّة دولته، وليعيدَ شيئاً من سيرته التي عُرف عليها في التاريخ الثقافيّ العربيّ الطويل· ومن ثَمّ استعاد العربُ تقليداً أدبيّاً أصيلاً كاد يُفْلتُ منهم، فتضعف هويّتهم، وتتدنّى بهم همّتُهم· فشكراً لِمَن أعاد إحْياءَ هذا التقليد الشعريّ العربيّ العظيم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©