الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا والابتعاد عن التعليم التكاملي

31 مارس 2015 22:01
إذا كان هناك ثمة من أمر مهم يتفق عليه الأميركيون هذه الأيام، فلا شك أنه يتعلق بالحاجة العاجلة لتوجيه النظام التعليمي نحو التركيز على نشر المهارات النوعية والتقنية. وشهراً بعد شهر، نسمع عن تردّي أداء التلاميذ الأميركيين من خلال النتائج الهزيلة التي يحصلون عليها في اختبارات الرياضيات والعلوم، وعن المبادرات الجديدة لشركات صناعة الكمبيوتر والجامعات والمؤسسات لتوسيع مناهج التعليم التكاملي STEM education للمواد الأساسية الأربع: العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (وجاءت التسمية الإنجليزية للنظام من جمع الأحرف الأولى لأسماء هذه المواد). ومن السلطة العليا الممثلة بالرئيس أوباما وحتى بقية المسؤولين الرسميين ما فتئ الخبراء يحذرون من خطر الاستحواذ على درجات عالية في مناهج تندرج ضمن قائمة المواد التعليمية الترفيهية مرتفعة الكلفة مثل تاريخ الفنون وإهمال التفوق في العلوم الأساسية. ويسعى «الجمهوريون» لقطع أشواط جديدة في مجال وقف تمويل تدريس هذه المواد. وفي هذا الصدد، يتساءل حاكم فلوريدا «ريك سكوت»: «هل هو أمر ينطوي على فائدة حيوية لولايتنا أن يكون لديها المزيد من المتخصصين في علم التطور البشري؟ لا أعتقد ذلك أبداً. والحقيقة التي تبرز بوضوح هذه الأيام تكمن في التأكد من أن الأميركيين يعيشون عصراً بات فيه التدريب التقني يمثل المعيار الوحيد للتقدم إلى الأمام ويتميز بتسارع التطور التكنولوجي والتنافس العالمي. ويأتي هذا التجاهل لنظام التعليم المبني على أسس عريضة، من الاستقراء الخاطئ للحقائق القائمة. ومن شأنه أن يضع أميركا في ممر بالغ الضيق أثناء سعيها لصنع مستقبلها. وسبق للولايات المتحدة أن قادت العالم في اقتصادها الديناميكي النشيط، وفي قدرتها على الإبداع والابتكار وإنجاز الأعمال المختلفة بمهنية عالية بسبب اتباعها لنوع من التعليم بات يتوجب علينا الآن القذف به من النوافذ. والحق يقال بأن التعليم العام ساعد على تفعيل الفكر الخلاق وأنعش القدرة على الابتكار. وصحيح أيضاً أن العلم والتكنولوجيا يشكلان الركائز والمدخلات الأساسية لهذا النظام من التعليم إلا أن مواد أقل أهمية مثل الأدب الإنجليزي والفلسفة كانت تحظى بنفس القدر من الاهتمام. وعندما كان ستيف جوبز يعلن أمام الصحافة عن إطلاق جيل جديد من الكمبيوتر اللوحي «آبل آي باد» قال: «إن من أهم خصائص الحامض النووي (دي إن إيه) الخاص بشركة آبل، أن التكنولوجيا وحدها لم تكن تكفيه، بل تمكن من تحقيق التزاوج والاندماج مع الفنون الحرة، وامتزج مع الخصائص البشرية ما أدى إلى فوزنا بهذه النتيجة التي تدفع بقلوبنا إلى الغناء». وهذا يعني بكلمة أخرى أن الإبداع وحده لا يشكل مادة تقنية، بل يعتمد على فهم الأساليب التي يعمل على أساسها البشر وتعتمدها المجتمعات البشرية كلها، والوقوف على ما يحتاجون إليه وما يريدونه. ولا يمكن لأميركا أن تحتفظ بريادتها العالمية في القرن الحادي والعشرين عن طريق ابتكار رقائق إلكترونية أرخص، بل عن طريق إعادة فهم واستقراء الأساليب التي يمكنها أن تجعل من الكمبيوترات وبقية التكنولوجيات الجديدة قادرة على التفاعل مع الجنس البشري بطريقة ناجحة. ولقد كان هذا المنهج الأميركي مناسباً لعصر غير الذي نعيشه الآن كما يقول التكنولوجيون. بل إنه بات يشكل خطراً على المنظومة التعليمية برمتها في أيامنا هذه. ويمكنك أن تنظر إلى المراتب التحصيلية التي بلغها التلاميذ الأميركيون بالمقارنة مع نظرائهم في دول متقدمة أخرى. واتضح من نتائج أحدث اختبار عالمي تم إجراؤه عام 2012 من أن من بين الدول الأربع والثلاثين الأعضاء في «منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي»، احتلت الولايات المتحدة المرتبة 27 في مادة الرياضيات، والمرتبة العشرين في العلوم، والمرتبة 17 في القراءة. ولو استمرت الأمور على هذا النحو في القرن الحادي والعشرين فسوف تحتل المرتبة 21 في متوسط هذه المواد الثلاث لتأتي بعد دول مثل جمهورية التشيك وبولندا وسلوفينيا وإستونيا. فريد زكريا *خبير أميركي في قضايا التعليم والمناهج الدراسية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©