السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بوريس جونسون.. عقوبة بالعمل!

16 يوليو 2016 22:47
بوريس جونسون رئيس بلدية لندن السابق وعضو البرلمان الذي ساهم في حملة تأييد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيصبح وزيراً للخارجية البريطانية. ويبدو أن هذا دور غريب على شخص أمضى الشهرين الماضيين في شن حملة ضد التوجه الدولي العام، وشخص فاز بجائزة قيمتها 1000 جنيه إسترليني مقابل قصيدة سوقية تهين الرئيس التركي بشدة، وهو الشخص الذي قال إن أوباما يكن «كرهاً يستمده من الأسلاف» لبريطانيا لأنه «كيني في جانب منه»! وهو الشخص الذي شبه هيلاري كلينتون بـ«ممرضة سادية في مستشفى للأمراض العقلية». وهذا العمل الجديد إذن هو أفضل الأمور ملاءمة لجونسون الفظ. ولفهم هذا دعونا نلقِ نظرة على تماثيل ماو تسي تونج. في عام 1999، كنت أعيش في مدينة يسكنها نحو 13 مليون نسمة في مقاطعة سيتشوان في غرب الصين. وفي الوقت نفسه كان لدى المدينة أيضاً نصيبها من المتناقضات ففيها منزل من القش لشاعر مشهور، وسوق ليلي غير مشروع يبيع فقرات من الكتاب المقدس على لفائف كتابة صينية، وعدد وافر من ضباط الأمن الذين يمكن رشوتهم ببسكوت أورويو، ولكن أغرب شيء كان تمثالاً يقرب ارتفاعه من 100 قدم لماو تسي تونج في ميدان «تيانفو» ينتصب هناك منذ عام 1967، أي منذ أن أقامته حركة الحرس الأحمر شبه العسكرية على أنقاض قصر تم هدمه كان قد بني في القرن الرابع قبل الميلاد! وكانت هذه التماثيل أمراً معتاداً على امتداد البلاد أثناء فترة القفزة العظيمة إلى الأمام. ولكن مدناً كثيرة ضمن تلك التي تبنت، فيما بعد، النزعة شبه الرأسمالية للصين، هدمت هذه التماثيل كحال كثير من تماثيل المستبدين على امتداد التاريخ. وقد كنت أدرس هناك في كلية للاقتصاد وتجاسرت في نهاية المطاف على أن أسأل معلمتنا، التي خشيت ألا ترغب في التحدث عن السياسة، عن سبب بقاء تمثال «ماو». ولكن المعلمة قالت: «نعتقد أنه من الأفضل أن يظل هكذا... لتمطر السماء عليه وتضربه الرياح وتحرقه الشمس ويجمده الثلج وتزرق الطيور على رأسه، ولكن الأهم من كل شيء آخر، دعه يرَ تقدمنا، ودعه يراقبنا نتحرك أكثر فأكثر بعيداً عنه». وجونسون سينتقل حول العالم ويجتمع مع رؤساء الدول ويتفاوض بشأن أولويات معالجة الجرح الذي تسبب فيه ليس فقط لبلاده أو لقارة كاملة بل للعالم أجمع. ولندع الرجل الذي كسر جسور لندن يعد بناء هذه الجسور لبنة لبنة. ولنحكم عليه بمصير كبعض مصائر الميثولوجيا اليونانية، أي أن نجبر «الشرير» الذي جعل اسم المملكة المتحدة نفسه في موقف شك، على القيام بأداء واجب وطني، وعلى الالتزام بالبروتوكولات الدولية وبتقاليد السلك الدبلوماسي في العالم. وربما يجري الاحتفاء به ذات يوم مثل بعض «الأشرار» الذين أصبحوا أبطالاً فيما بعد، فمن يدري! والعدل الشاعري هو أكثر الأنواع إرضاء. وهناك أمثلة كثيرة في التاريخ، فبعد أن أعلن الثوريون الأميركيون الاستقلال عام 1776 أسقط سكان نيويورك الغيورون تمثال الملك جورج الثالث، وصهروه ليصنعوا منه 42088 رصاصة بندقية لاستخدامها ضد الجنود البريطانيين. وبالمثل، بعد انتصار الاتحاد في الحرب الأهلية نظر المسؤولون عبر نهر «بوتوماك» إلى ضيعة «روبرت لي» المعقل العسكري للكونفدراليين واستولوا عليها وحولوها إلى مقبرة أرلنجتون القومية. وقد عاش واحد من أكبر خونة البلاد ليرى منزله يتحول إلى مقبرة لقدامى محاربي البلاد المبجلين. وجونسون واحد من أكبر نكبات تاريخ إنجلترا الذي يمتد 950 عاماً. وأفضل العقوبات هو ذاك العقاب الذي يتعين عليه فيه أن يصلح ما أفسده. ولنفكر في لياليه المؤرقة في الفنادق في واشنطن وبروكسل أو نيويورك وهو يتقلب فيها ويغمغم بكلام مسرحي عبثي. ومن المؤكد أن هذا العذاب كافٍ لإجباره على أن يبذل أفضل ما لديه في عمله الجديد. * محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©