الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علم البيان «17»

16 يوليو 2016 22:50
من آثار الدراسات القرآنية في البيان كتاب: «بدائع القرآن»، وهو كتاب فريد في بابه، لأن مؤلفه أبو محمد عبدالعظيم بن عبدالواحد بن ظافر، المعروف بابن أبي الأصبع العدواني المصري المولود في مصر سنة 585هـ في ولاية صلاح الأيوبي والمتوفى سنة 654هـ، وله كتاب آخر في علم البلاغة يسمى «تحرير التحبير»، جاء في فترة سبقها نضج في الدراسات البيانية وتنوعها، فحاول المؤلف أن يفيد من جهود سابقيه في البلاغة والنقد، وأن يجعل كتابه تطبيقاً لآيات القرآن على ما عرفه من فنون البيان والبديع، فأحصى تلك الفنون التي جمعها من بديع عبدالله بن المعتز، ونقد الشعر لقدامة بن جعفر، ومن كتاب حلية المحاضرة للحاتمي، وغير تلك الكتب، وجعل هذا الكتاب تتمة لكتابه المسمى «بيان البرهان في إعجاز القرآن». وفي كتابه، اعتمد ابن أبي الأصبع في منهجه على أن القرآن بليغ بألفاظه وأسلوبه وتراكيبه وأثره، وبليغ بما فيه من التراكيب البلاغية التي يعرفها العرب والمتكلمون بالعربية، ويسمون صاحبها بالبليغ، وكتابه هذا تلخيص لكتاب «تحرير التحبير» الذي يضم بين دفتيه مائة وخمسة وعشرين لوناً من البديع، منها ثلاثون ادَّعى ابن أبي الأصبع أنها من اختراعه، وتكلم في كتابه «بدائع القرآن» عن مائة وتسعة أبواب، تاركاً من أبواب «تحرير التحبير» اثنين وعشرين نوعاً لم يذكرها. ويبدو أن فكرة هذا الكتاب كانت رد فعل لفكرة الباقلاني التي بسّطها في «إعجاز القرآن»، والتي ذهب فيها إلى أن إعجاز القرآن لا يلتمس من ناحية ما اشتمل عليه من البديع، فجاء ابن أبي الأصبع ليستخرج من القرآن غرر هذا البديع الذي يفوق ما وقف عليه من بديع الكتاب والشعراء في العصور المختلفة، ليكون في ذلك وجهاً من وجوه الإعجاز. ومن أبدع ما كتبه في باب «ائتلاف اللفظ مع المعنى» تلخيص تفسير هذه التسمية أن تكون ألفاظ المعنى المراد يلائم بعضها بعضاً، ليس فيها لفظة نافرة عن أخواتها غير لائقة بمكانها، كلها موصوف بحسن الجوار، بحيث إذا كان المعنى مولداً كانت الألفاظ مولدة، وإذا كان المعنى متوسطاً كانت الألفاظ كذلك، وإذا كان غريباً كانت الألفاظ غريبة، وإذا كان متداولاً كانت الألفاظ معروفة مستعملة. ومن أمثلة هذا الباب قوله تعالى: «قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ» فإنه سبحانه لما أتى بألفاظ القسم بالنسبة إلى أخواتها، فإن التاء أقل استعمالاً وأبعد عن إفهام العامة، والباء والواو أعرف عند الكافة، وهما أكثر دوراناً على الألسنة واستعمالاً في الكلام، أتى سبحانه بأغرب صيغ الأفعال التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار بالنسبة إلى أخواتها. فإن «كان» وما قاربها أعرف عند الكافة من تفتأ وهم لـ«كان» وما قاربها أكثر استعمالاً منها، وكذلك لفظ «حرضاً» أغرب من جميع أخواتها من ألفاظ الهلاك، فاقتضى حسن الوضع في النظم أن تجاور كل لفظة بلفظة من جنسها في الغرابة أو الاستعمال توخياً لحسن الجوار، ورغبة في ائتلاف المعاني بالألفاظ، ولتتعادل الألفاظ في الوضع وتتناسب في النظم، ألا ترى أنه عز وجل قال في غير هذا المكان «وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ» لما كانت جميع ألفاظ هذا الكلام المجاورة لهذا القسم كلها مستعملة متداولة لم تأتِ لفظة غريبة تفتقر إلى مجاورة ما يشاكلها في الغرابة ويلائمها؟ * المرجع: البيان العربي - دراسة في تطور الفكرة البلاغية عند العرب ومناهجها ومصادرها الكبرى - تأليف الدكتور بدوي طبانة طبعة منقحة 1972م. إياد الفاتح - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©