الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اتفاقية لشبونة ومستقبل أوروبا الموحدة

اتفاقية لشبونة ومستقبل أوروبا الموحدة
7 أكتوبر 2009 01:22
«أنا هنا لأن لدي صوتا، ولأنني أُخبرت ماذا أفعل به من حيث الجوهر»... كان هذا ما قاله رجل أيرلندي لمراسل صحفي في لندن. «أحمد الله لأنهم جميعا سيخرسون الآن»... كان هذا ما قاله متقاعد من سكان دبلن لصحيفة ألمانية. كان الاثنان قد انتهيا لتوهما من الإدلاء بصوتيهما في الاستفتاء الأيرلندي على اتفاقية لشبونة الذي أجري الأسبوع الماضي، والتي تؤدي الموافقة عليها إلى إزالة العقبة الأخيرة المتبقية أمام التصديق على وثيقة سوف تؤدي، من بين أشياء أخرى، إلى تنصيب رئيس، ووزير خارجية لأوروبا. وكان الاثنان قد صوتا بالرفض على الاستفتاء الذي أجري العام الماضي، والذي عجزت الاتفاقية عن المرور منه. والاثنان غيرا موقفهما لأنهما كانا قد ملّا من محاولات السياسيين التي لم تتوقف لحثهما على الموافقة عليها. وهناك آخرون وافقوا على تلك الاتفاقية لأنهم قد أحسوا أثناء الركود الذي يعد أسوأ ركود يصيب بلدهم وتعيه ذاكراتهم أنهم قد يحتاجون لأوروبا. مع ذلك لا يبدو أن الكثير من الإيرلنديين كانوا ملهمين في هذه الموافقة بالمبادئ العليا، والطموحات السامية، لما يطلق عليه في بعض الأحيان «المشروع الأوروبي». وعلى الرغم من أن الوثيقة قد نالت تأييد نسبة هائلة من الأيرلنديين (ما يعادل ثلثي عدد السكان تقريباً)، فإن هذا التأييد لم يجد تعبيرات بصرية أو سمعية عنه، واقتصر الأمر على إدلاء عدد محدود للغاية من السياسيين سواء في أيرلندا أو عبر القارة بتصريحات مؤداها أن هذا الاستفتاء يعد «نصرا عظيماً لأوروبا». وبسبب قلة تلك التصريحات وفتورها، فإن أحدا لم يصدق قائليها. وهكذا خطت أوروبا خطوة أخرى مترددة نحو خلق جهاز موحد للسياسة الخارجية بعد أن ظلت تتشكى طيلة الطريق. وهذا ليس بالشيء السيئ في حد ذاته، فإذا ما كان لأوروبا أن تمتلك جهازاً واحداً يتولى أمور سياستها الخارجية، فإنه من المهم في ذات الوقت ألا ينتاب أي أحد الكثير من الأوهام بشأن هذا الجهاز. فعندما فشل الاستفتاء على المعاهدة العام الماضي، كتبت أقول إن ذلك هو الشيء الأفضل لأن السياسة الخارجية الأوروبية تصل إلى أفضل حالاتها عادة عندما تمثل رغبات الحكومات الوطنية لدولتين أو ثلاث دول على الأكثر من دول القارة الكبيرة بالإضافة لعدد من الدول الأخرى الصغيرة، وتكون في أسوأ حالاتها على الإطلاق عندما تتم إدارتها من خلال البيرقراطيات الموجودة في بروكسل التي لا تمثل أحداً على وجه التخصيص. وأنا هنا أتردد في استخدام مصطلح «تحالف الراغبين»، ولكن الحقيقة على الرغم من ترديد هذا، أن هذا المصطلح صالح للاستخدام في المجال السياسي مثلما هو صالح للاستخدام في مجال الصراع العسكري. ونظرا لأنه سيكون لدينا رئيس أوروبي، ووزير خارجية أوروبي في المستقبل القريب، فإنه قد يكون من المفيد أن نمعن التفكير فيما يعنيه ذلك. من الواضح أن المحك الحقيقي للسؤال الخاص بما إذا كانت دول أووربا القوية تأخذ هذه المعاهدة على محمل الجد أم لا، لم يكن هو الاستفتاء الأيرلندي. فمسألة ما إذا كان الرئيس التشيكي العنيد سيرغم في نهاية المطاف على توقيع الوثيقة أمر لا يعتد به(وإذا ما كان يعتد به فإنه لن يمثل بالتأكيد «انتصارا للمثاليات الأوروبية» بصرف النظر عما يقوله المسؤولون في بروكسل). ولكن إذا ما أمعنا النظر، خلال الشهور القليلة الماضية، كي نرى من الذي سيتم اختياره لشغل هاتين الوظيفتين، أو كيف سيتم هذا الاختيار - وهذا هو الأهم. عادة، يتم اختيار رؤساء المؤسسات المتعددة الجنسيات من خلال عملية الإقصاء: فالشخص الأقل اهتماماً والأقل تمسكاً بوجهة نظره، والأقل نفوذاً، هو الذي يتم اختياره لشغل هذه الوظيفة، وذلك لسبب بسيط هو أنه عند اختياره لن يكون هناك من يعارض هذا الاختيار. بيد أن هذه ليست هي الطريقة التي يتم بها اختيار رئيس أو رئيس وزراء دولة ما: فالشخصية التي تحصل على الوظيفة هذه أو تلك، يفترض بها أن تكون قد تمكنت من إقناع الناخبين بأنها الأفضل لشغل هذه الوظيفة، وأنها أفضل من الآخرين المتقدمين لشغل هذه الوظيفة (في الدول الديمقراطية بالطبع). وليس مقصدي من ذلك القول إن الديمقراطيات تفرز دائماً أكثر القادة موهبة، ولكن أن تلك الديمقراطيات تفرز في أغلب الأحيان ساسة لديهم الرغبة في الدعوة علنا لبعض الأشياء أو الدعوة ضد بعضها الآخر. ولكن الذي يحدث أمامنا في الواقع هو على النقيض من ذلك تماماً حيث نجد أن الناس ينتهي بهم الأمر إلى قيادة المؤسسات المتعددة الجنسيات سواء كانت أوروبية أو غير أوروبية، لأنهم لا تتوافر لديهم الرغبة في الدخول في جدال حول أي شيء ولا الدعوة لأي شيء ولا معارضة أي شيء. هنا تحديداً تكمن الإجابة عن سؤال: كيف يمكن لنا تقييم اتفاقية لشبونة؟ الإجابة ببساطة هي: إذا ما كان هناك بالفعل تحالف للراغبين مؤيدا لسياسة أوروبية موحدة، فإن مثل هذا التحالف سيؤيد حتما اختيار قادة أقوياء وأصحاب رأي. في تلك الحالة سوف يكون لدى أوروبا - حسب العبارة الخالدة التي صاغها ذات يوم هنري كيسينجر - رقم هاتف يمكن الاتصال به عندما تريد أميركا(أو روسيا أو الصين) الاتصال بها. وإذا ما افترضنا أن مثل هذا التحالف غير موجود؟ في هذه الحالة لن نسمع الكثير من الأنباء عن رئيس أوروبا، أو وزير خارجيتها القادم، لأن الأمر لن يكون مهما عندئذ. آن أبلباوم محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©