الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين الفردانية والجماعية

1 يونيو 2010 23:55
منذ نشوء أميركا والتوتر قائم بين قيمتين أميركيتين رئيسيتين، فمن جهة نسند أهمية كبيرة للفردانية والاكتفاء الذاتي والملكية الخاصة، ومن جهة أخرى نقدر روح الجماعة، ونؤكد دائماً على الحاجة إلى التدخل المجتمعي لمؤازرة بعضنا البعض، بل إن التاريخ السياسي للولايات المتحدة يمكن دراسته انطلاقاً من تلك القيمتين المتنافستين، ومع أن الأميركيين حافظوا على القيمتين معاً طيلة العقود السابقة، إلا أنهم كانوا دائماً يقدمون إحداها على الأخرى في فترات زمنية معينة حسب الظرف التاريخي والحاجة المجتمعية، فعلى سبيل المثال طغت الفردانية كقيمة مهيمنة خلال عشرينيات القرن الماضي، وكانت مسؤولة عن صياغة سياساتنا وحكوماتنا، بل حتى عاداتنا الشخصية وتجلى هذا التوجه في الضرائب المنخفضة والقيود المخففة، فضلاً عن الأهمية الكبرى التي اكتستها الملكية الفردية والشركات الخاصة، لكن ما أن دخلت البلاد مرحلة الكساد الاقتصادي الكبير وغرقت في أتون الحرب العالمية الثانية حتى رأى المواطنون الحاجة إلى تكريس روح الجماعة والعمل الحكومي وتهميش الفردانية لبعض الوقت، بعدما لم تعد قادرة على الاستجابة لمتطلبات المجتمع في تلك الفترة من التاريخ الأميركي، وهكذا تضخمت الحكومة وازدهرت القوانين التنظيمية، وصاحب ذلك ارتفاع في الضرائب لتمويل الجهد الحكومي ومواكبته، وقد تكرر هذا النمط على مدار التاريخ الأميركي، وجاء الرؤساء وليس فقط السياسات لترجمة هذا التوتر بين القيمتين الأساسيتين في الواقع الأميركي. فقد جسد كل من روزفلت وكنيدي وجونسون رغبة المواطنين في تكريس العمل الجماعي وروح المجتمع، فيما عكس كالفين كوليدج وإيزنهاور وريجان توق البلاد إلى المزيد من الحرية الفردية والتحرر من التدخل الحكومي، وعلى مدى المئة عام الماضية مال "الجمهوريون" تقليدياً نحو الفردانية والحريات الشخصية، فيما ركز "الديمقراطيون" على قيمة الروح الجماعية والمشاركة المجتمعية، وجاءت انتخابات 2008 لتعكس مزاجاً مختلفاً للشعب الأميركي، انتقل بموجبه من الفردانية إلى العمل الجماعي، وهو ما شعر به أوباما، الذي كان ناشطاً مجتمعياً ليستغل الفرصة، ويبني حملته الانتخابية على شعار "نعم نستطيع"، لكن رغم النصر الذي حققه أوباما و"الديمقراطيون" وجدوا أنفسهم في نهاية المطاف أمام معضلة حقيقية، ففي الوقت الذي يريد الناخبون حلولًا جماعية لمشكلاتهم، لا يثق أغلبهم في العمل الجماعي التقليدي، الذي تمثله الحكومة الفيدرالية، هذا التحول في فهم العمل الجماعي وعدم ربطه بالحكومة، هو ما أظهره استطلاع للرأي أجراه معهد "بيو" في شهر أبريل الماضي، وكشف عن تراجع كبير في ثقة الأميركيين بالكونجرس والحكومة الفيدرالية، كما أظهر أن 60 في المئة من الأميركيين لديهم تصورات سلبية إزاء الكونجرس والبيت الأبيض، بحيث يرى العديد من المواطنين أن الحلول المنبثقة من واشنطن، أو القائمة عليها هي في حد ذاتها مشكلة، وهكذا وفيما حاول أوباما و"الديمقراطيون" تقديم حلول حكومية استقبل الأميركيون هذه المحاولات بمزاج فاتر في أحسن الأحوال، بحيث تشير جميع الاستطلاعات إلى إحباط متزايد من قبل الناخبين على امتداد السنة الماضية. والحقيقة أن الأمر لا يقتصر فقط على "الديمقراطيين"، بل يمتد ليطال "الجمهوريين" أيضاً، إذ لم تعد مقاربتهم المعتمدة على تقليص الحكومة والإعلاء من شأن الفردانية تستقطب أحداً، والسبب هو عدم التقاطهم لنبض الشارع الأميركي، الذي لا يرفض العمل الجماعي لكنه يريده بطريقته الخاصة، وهو ما يجعل الحزبين معاً منفصلين عن المزاج العام، فما الذي يرغب فيه الرأي العام؟ أعتقد أن ما يتوق إليه في هذه المرحلة هو نظام قائم على تمكين الهيئات المحلية للبحث عن حلول مجتمعية ليست بالضرورة مرتبطة بالحكومة الفيدرالية، وفي هذا السياق من الضروري التنبيه إلى أن الحكومات المحلية في الولايات المختلفة تتمتع بشعبية كبيرة وبثقة أكبر مقارنة بواشنطن، كما أن الجامعات والمدارس المحلية تحظى باحترام أكبر، وفيما لا تحضرني حلول فورية تتناسب مع هذا التوجه الأميركي الجديد، إلا أنه يمكن طرح بعض الأفكار للتداول مثل تقاسم الضرائب مع الهيئات المحلية بدل احتكارها من قبل الحكومة الفيدرالية، ويمكن أيضاً استخدام المدارس الحكومية لتقديم الخدمات على الصعيد المحلي بعيداً عن واشنطن وعواصم الولايات، كما أنه بدلاً من إنفاق الأموال الطائلة لإنقاذ البنوك "وول ستريت"، يمكن تخصيص جزء منها للشركات الصغرى والمتوسطة، أو الجمعيات العامة. لكن المشكلة تبدو في ارتهان الحزبين معاً للنموذج القديم الذي يمثل فيه "الديمقراطيون" الحكومة الفيدرالية، فيما يجنح "الجمهوريون" إلى الفردانية ليبقى الأمل الوحيد في ظهور قائد، أو حزب سياسي يستغل المزاج الأميركي الجديد، لتعزيز الروح الجماعية التي يثمنها الأميركيون. ماثيو دود محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©