الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أضرحة ملوك أثرية تعاني الإهمال والتجاهل في الجزائر

أضرحة ملوك أثرية تعاني الإهمال والتجاهل في الجزائر
5 ابريل 2011 21:35
تملك الجزائر تشكيلة متنوعة من الآثار تعود إلى مختلف الحقب الزمنية وتضرب في عمق التاريخ، وهناك مدن ومعالم أثرية عديدة مصنفة تراثاً عالمياً أو وطنياً ونالت حقها من الشهرة والاهتمام، إلا أن هناك آثاراً نادرة أخرى تعرضت للهجر والإهمال طويلاً قبل أن يُنفض عنها غبارُ النسيان في السنوات الأخيرة ومنها أضرحة عددٍ من الملوك الذين حكموا الجزائر أو أجزاء منها في فترات تاريخية مختلفة، وأهمها ضريح «ايمدغاسن» و«الضريح الموريطاني» وقبر «تين هينان» ملكة «الطوارق». من الناحية التاريخية، يعدُّ ضريح «تين هينان» هو الأقدم بحسب وزارة الثقافة الجزائرية؛ إذ يعود تاريخه إلى 6 آلاف سنة ويتعلق بملكة حكمت في تلك الفترة «الطوارق» الذين يستوطنون مساحاتٍ واسعة من جنوب الجزائر وشمالي مالي والنيجر. الضريح يقع بمنطقة «تمنراست» جنوب الجزائر، وهو بيضوي الشكل ومشيَّدٌ بالحجارة وتحيط به الأتربة، يصل طوله إلى 26 متراً وعرضه إلى 24 متراً وينقسم إلى 11 غرفة، ولا يُعرف على وجه التحديد لماذا بُنيت كل هذه الغرف ودور كل واحدة منها، ولكن الأكيد أن لها علاقة بهالة القداسة التي يحيط بها «الطوارق» الأمازيغ ملكتهم تين هينان (ويعني اسمُها باللهجة الطارقية الأمازيغية ملكة الخِيم) حيث أراد هؤلاء أن تُدفن ملكتُهم بالشكل الذي يليق بمقامها، وأن يحفظوا لها أغراضَها المختلفة في هذه الغرف فلا تُستعمل بعدها. في نفس المنطقة بالجنوب الجزائري، اكتشف علماءُ الآثار آلاف المباني «الميغالتية» لأضرحة «الطوارق» وتعدُّ من أقدم المعالم الجنائزية على سطح الأرض؛ إذ تعود إلى مرحلة فجر التاريخ التي بدأت قبل 6 آلاف سنة، وتترجم الطقوسَ الجنائزية المعقدة التي كانت تتم آنذاك، وهي ذات أشكال وأحجام مختلفة. وإذا كانت قيمة هذا الضريح تكمن أساساً في أهميته التاريخية كمرجع للباحثين في التاريخ وعلم الآثار لاستخلاص المزيد من الحقائق عن المنطقة، فإن أهمية ضريح ايمدغاسن والضريح الموريطاني تكمنان، فضلاً عن أهميتهما التاريخية، في الطريقة الجميلة التي شُيِّدا بها في العصر «النوميدي» في الجزائر. حضارة متقدمة يقع ضريح «إيمدغاسن» على بعد حوالي 30 كم غرب مدينة باتنة (نحو 470 كم شرق الجزائر). والطريق إلى ضريح «إيمدغاسن» لم يكن سهلاً فقد تباينت توجيهات الأشخاص الذين سألناهم عن موقعه وأقرب الطرق إليه، وأكد لنا ذلك مدى تقصير الهيئات الثقافية المعنية، اتجاه هذا المعلم التاريخي النادر وغيره، إذ كان يمكن أن يكون «أشهر من نار على علم» لو توفرت له الدعاية الكافية ونظِّمت رحلاتٌ سياحية متواصلة صوبه. وبعد جهدٍ، وصلنا إلى موقع الضريح وفوجئنا بسياج حديدي يحيط به ويمنع الزوار من الاقتراب منه، ولاحظنا أن سقفه المخروطي قد فقد عدداً من حجارته الضخمة المصقولة وهي متناثرة بالقرب منه، ففهمنا أن الأمر يتعلق ببداية تداعي الضريح الضخم، مما دفع السلطات إلى الإسراع بتسييجه لتفادي سقوط المزيد منها والحؤول دون إصابة الزوار، وفي نفس الوقت قامت السلطات بوضع أعمدة تؤشر لقرب الشروع في ترميمه. وقرب الضريح كان عددٌ قليل من الزوار ركنوا سياراتهم وشرع بعضُهم في التقاط صور تذكارية، بينما كان آخرون يتأملون طريقة بناء الضريح مندهشين من حجارته الضخمة المصقولة والتي تدل على مدى تقدم الحضارة «النوميدية» الجزائرية قبل الغزو الروماني للمنطقة، حيث أن صقل الحجارة الضخمة وتشييد البناءات الكبرى بها، لم يكن حكراً على الحضارة الرومانية بل إن «النوميديين» أي الجزائريين القدامى، عرفوا ذلك قبلهم، وأبدى أحدُ الزوار انبهاره بالضريح وفي نفس الوقت استغرب لعدم نيله حقه من الشهرة التي تمكِّنه من جلب السياح من داخل الجزائر ومن الخارج، وأوعز السبب إلى عدم اهتمام الإعلام الرسمي وفي مقدمته التلفزيون الجزائري بهذا المعْلم الأثري النادر الذي اتخذ شكلا هرمياً جميلاً، بل إن المفارقة أن هناك آثاراً رومانية بالجزائر تحظى بشهرة أكبر من الآثار النوميدية المحلية، مع أن الرومان غزاة احتلوا أجزاء واسعة من البلد لمدة 5 قرون. «قبر الرومية» الضريح دائري الشكل وذو سقف هرمي مخروطي، يبلغ قطرُه، بحسب بيانات مديرية الثقافة لولاية باتنة، 59 متراً. المعلومات التاريخية حول هذا «الضريح الهرمي» نادرة ومتضاربة؛ إذ يعتقد الرحَّالة الفرنسي بريس أنه قبر الملك النوميدي «سيفاكس» أو «سيفاقص»، أما العقيد الفرنسي كارات فيقول إنه قبر «مادغيس» الذي ذكره ابن خلدون. وفي جميع الأحوال، فإن الأمر يتعلق بقبر أحد ملوك مملكة «نوميديا» التي قامت قبل 2500 سنة، أي خمسة قرون قبل ميلاد المسيح، في أجزاء واسعة من شمالي الجزائر وإفريقيا، ويُعتقد أن بناءَه تمَّ في القرن الرابع أو الثالث قبل الميلاد. وفي منطقة «سيدي راشد» 20 كم غرب ولاية تيبازا، 120 كم غرب الجزائر وحوالي 600 كم غرب ضريح «إيمدغاسن»، يقف ضريحٌ آخر شامخاً متحدياً بدوره تقدُّم الزمن وعوامل الطبيعة، ويسمِّيه المؤرخون «الضريح الموريطاني» بينما يسميه الجزائريون «قبر الرومية»، وهو ضريح زوجة أحد ملوك «نوميديا» أو «موريطانيا» ويقول سعيد بن سديرة، مسؤول بمديرية الثقافة بولاية تيبازا، إن اسمها هو «سيليستي كيليوباترا وهي حفيدة كيليوباترا الفرعونية، وقد تزوجت ملكاً نوميدياً اتخذ منطقة «شرشال» غرب الجزائر عاصمة له، وحينما توفت زوجتُه، أقام لها هذا الضريح الضخم لتخليد ذكراها». حجارة بنية يشبه الضريح كثيراً ضريح «إيمدغاسن» فهُما بُنيَا في عهد مملكة واحدة هي «نوميديا»، لكنه أضخم وأعلى منه، لون حجارته يميل إلى البني الفاتح، كما يتميز بوجود عددٍ كبير من الأعمدة الحجرية المصقولة التي تدعِّم سقفه وتحفظه من السقوط وهي تبعد عن بعضها البعض بمسافات متساوية وتعطيه، بشكلها الدائري، منظراً جميلاً، ومع ذلك فقد تداعى جانبٌ من سقفه وسقطت منه بعض الحجارة كما تداعت أجزاءٌ من أعمدته. وفي مدخله سلالم حجرية تحيط به من كل جانب، كما تحيط به أيضاً ساحة مزدانة بأشجار ونباتات تزيده بهاءً وجمالاً. بُني الضريح الموريطاني سنة 30 ميلادية ويبلغ ارتفاعه 32.40 متر ومحيطه 185 م وقطره 60.90 متر، وقد كان مركزَ جذب سياحي هام قبل أن يتعرض إلى نوع من الهجر أثناء الأزمة الأمنية التي تعرَّضت لها الجزائر في التسعينيات ثم استعاد ألقَه في السنوات الأخيرة. ومع ذلك لا يزال عددُ زواره قليلا على غرار «ضريح إيمدغاسن» مقارنة بقيمتهما التاريخية والفنية كتحف أثرية نادرة، وهو ما يعني أن هذين الهرمين الصغيرين لم ينالا حقهما بعد من الرعاية والاهتمام وأن عملاً دعائياً كبيراً ينتظر الجهات الثقافية المعنية لتسويقهما وجذب السياح إليهما من داخل الجزائر وخارجها على السواء.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©