الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المحامون··· معيار التقدم في العراق

المحامون··· معيار التقدم في العراق
1 أغسطس 2008 22:59
كيف تجري الأمور في العراق؟ للإجابة عن هذا السؤال وضعت الحكومة الأميركية قائمة طويلة من المعايير لقياس التقدم وتتبع ما أحرز منه إلى حد الآن في شتى المجالات· لكن بالنسبة إليّ تعد اللائحة الطويلة ذات 18 معياراً أكثر مما يحتمله العراق الذي لم يتعافَ بعد من سنوات مديدة تحت نظام شمولي تبعته سنوات أخرى من العنف والفوضى· لذا أقترح معياراً واحداً لقياس مدى التقدم في العراق، وهو معيار بسيط وواضح لا يطلب الكثير من العراقيين؛ لأنه لا ينظر سوى إلى عدد المحامين الذين يرفعون دعوات قضائية في المحاكم العراقية، أو حتى خارجها· أعرف أن الأمر يبدو مزحة سمجة في سياق عصيب لا يحتمل الهزل، لكني في منتهى الجدية، إذ أعتقد أن وجود عدد متزايد من المحامين يشير إلى مدى التقدم الاجتماعي في العراق· وبعبارة أخرى نحن نلجأ إلى المحامين وإلى قاعات المحاكم لرفع الدعاوى القضائية تفادياً للدخول في صراعات دموية، وتجنباً للعنف وإراقة الدماء· وفي هذا السياق، يصبح المحامي عنصراً أساسياً في إدارة الخلافات وانتزاع الحقوق عن طريق المحكمة والمرافعة، كما أن الديمقراطيات الحقيقية هي في جوهرها حكومات تسهر على فض الخلافات بالطرق السلمية وتسن القوانين المنظمة التي تنطبق على الجميع دون تمييز· تلك القوانين التي لا يمكن قراءتها، أو إعادة تفسيرها لصالح هذا الطرف، أو ذاك دون الاستعانة برجال القانـــون والمحامين على وجـــه التحديد· لكن الحلول السلمية والتسويات الودية لا تعني الطيبة في جميع الأحوال، فالقليل من الناس يفضلون اللجوء إلى المحاكم لتسوية الخلافات، وعندما تقول لأحدهم إنك ذاهب إلى المحكمة، فإنه سرعان ما تعلو وجهه ملامح الشفقة أكثر من أي شيء آخر· ومع أن بعض المحامين المختصين في قضايا الطلاق وغيرها لا يحظون بشعبية بين الناس، إلا أنه لا يمكن إنكار الخدمات التي يسدونها للناس وتتجاوز مجرد المرافعة في قضايا الأحوال الشخصية، لتمتد إلى السهر على تطبيق القانون وضمان استمراره ليصبح المحامي أحد الركائز الأساسية لمفهوم العدالة· والأكثر من ذلك أن الكثير من النخبة السياسية التي تقود البلاد كانوا في الأصل محامين، ونحن نختارهم لقدرتهم على حل مشاكلنا المستعصية بالطرق السلمية بدل اللجوء إلى العنف والدم· ولأن القانون هو درجة أدنى من الحرب، تجد الكثير من الأشخاص ينفرون منه وينظرون إليه كامتداد للحرب بوسائل أخرى تتخذ من قاعات الحاكم ساحات لها· ولعل ذلك ما يفسر لماذا لا يرتاح الناس عادة للمهن القانونية ويتخوفون منها على مر التاريخ، فنحن لا نجد ما يعبر عن هذا الخوف أكثر من الجملة التي أوردها شكسبير في مسرحة ''هنري السادس''، حيث قال: ''دعونا أولاً نقتل جميع المحامين''· لكن هذه السمعة السيئة التي التصقت بمهنة المحامــــاة تغفـــــل حقيقــــة مهمــــــة، وهي أن خيرة الرؤساء الأميركيين مثل ''أبرهام لينكولن'' و''فرانكلين روزفلت''، و''هاري ترومان'' إما أنهم درسوا القانون، أو مارسوه في حياتهم المهنية، بل حتى كبار الشخصيات والرموز العالمية مارسوا المحاماة مثل ''الماهتما غاندي'' و''نيلسون مانديلا''، ناهيك طبعاً عن الكونجرس الأميركي الذين يشكل المحامون نصف أعضائه· وبالطبع يساعد المحامون أحياناً المجرمين في التحايل على القانون والإفلات من العقاب، لكني أثق في عدالة النظام القضائي بالولايات المتحدة· وبالرجوع إلى العراق فإنه يمكننا أيضاً اتخاذ من المحامين ومدى الحرية المخولة لهم لرفع القضايا والمرافعة أمام المحاكم معياراً أساسياً للحكم على التقدم المحرز هناك· ومع أني لا أملك إحصاءات في هذا المجال، إلا أنه استوقفني مؤخراً عنوان أوردته وكالة ''رويترز'' جاء فيه أن ''العراق يقاضي شركات على خلفية برنامج النفط مقابل الغذاء''· وعندما قرأت الخبر لم أتمالك الابتسام، ذلك أن صدام حسين عندما أراد المزيد من الموارد أرسل قواته العسكرية إلى إيران، ثم الكويت، لكن أن يرسل رئيس الوزراء ''نوري المالكي'' جيشاً من المحامين إلى محاكم نيويورك وعينه على عشرة مليارات دولار من التعويضات، فإن ذلك يعتبر تقدماً حقيقياً في اتجاه نشر ''الأسلوب الأميركي'' في العراق· وإذا شرع العراقيون في التفكير بهذه الطريقة واللجوء إلى القضاء والعدالة لحل خلافاتهم يمكننا حينها الابتهاج؛ لأن كل تلك التضحيات التي بذلها جنودنا، والأموال الطائلة التي أنفقت لم تذهب سدى ولم تذروها الرياح· دوجلاس بوير أستاذ في الأكاديمية البحرية الأميركية بكاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©