الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المشكلة الأوكرانية.. الاختبار وليس الأزمة

13 ابريل 2014 00:50
ريتشارد باركر محلل سياسي أميركي أصبح من الواضح الآن، في الدراما التي تتكشف في أوكرانيا، أن صراع السلطة الدائر حول هذه الدولة يدور في جزء منه دخل أوكرانيا نفسها. وأن هناك أمراً أكثر ضخامة على المحك، وهو اختبار مؤثر لـ25 عاماً من العولمة، والتكامل الاقتصادي والسياسي والأمني في العالم، الذي يسيطر عليه الحلفاء الأميركيون والأوروبيون إلى حد كبير. إن أوكرانيا ليست أزمة بقدر ما هي اختبار. وللتأكد، فإن الدراما في أوكرانيا حقيقية، لكن بالإمكان فهمها من خلال العناصر الأساسية لرواية القصص. في البداية، تبدو القصة وكأنها صراع محلي بين حكم الأقلية (الأوليجاريكية) وحشد من الإصلاحيين والفاشيين. وفجأة تتسع الشخصيات لتشمل الأميركيين والروس، يصف رئيس كل منهما الآخر بالشر، مما يخلق تناوباً بين الشعور بالقلق حيال إمكانية قيام حرب باردة جديدة وبالشماتة لأن الاقتصاديين يتفوقون على الجغرافيا السياسية. وبالطبع، فإن الحقيقة تكمن في مكان ما في الوسط. فالرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» لا يحاول إبطال عملية العولمة، لكنه يحاول تغييرها حتى تتمكن روسيا من تحقيق الاستفادة. وبنفس الدرجة من الحزم، فإن الأميركيين وحلفاءهم الأوروبيين اندفعوا للاستفادة بصورة أكبر. أما منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) فتفضل وجود كييف بداخل التحالف العسكري الغربي. ورغم ذلك، فإن القوة الغربية الضاربة هذه المرة تتألف من المصرفيين وصندوق النقد الدولي الذي يقدم مليارات الدولارات في شكل قروض. وفي الواقع، فإن المرحلة الأخيرة لروسيا في أوكرانيا قد تبدو محيرة للغاية. فقد حذر الناتو والحكومة في كييف من القيام بالمزيد من التغلغل في النصف الشرقي من البلاد. لكن إلى أي حد؟ نعم، إن روسيا سوف تفوز بمنطقة عازلة إضافية مساحتها عدة مئات من الأميال، لتصل مثلا إلى نهر «دينيبر»، وهذا في حد ذاته مثير للقلق، حيث تقع موسكو على بعد 700 ميل فقط من الحدود الأوكرانية الحالية. لكن ماذا بعد؟ إن موسكو، وليست كييف، مثقلة بحكم زمرة من الروس والأوكرانيين العرقيين. وفي الواقع، فإن الإجابة واضحة تماماً. فأوكرانيا ليست هي الأزمة؛ وإنما هي الاختبار. لذا فإن دخول الطرفين في صراع يمثل قيمة كبيرة لكل منهما؛ حيث يستعرض أحد الطرفين دولاراته بينما يستعرض الآخر دباباته، وكذلك مدخراته من الروبل. (وبوتين، رغم كل شيء، قدم المساعدة المالية للأوكرانيين مع القليل من الخيوط المالية، والكثير من الخيوط السياسية)، لكن الأمر ليس ذو قيمة بما يكفي للدخول في حرب. هذا هو الاختبار الذي يتردد صداه بالقرب من الحدود الروسية، من البلطيق وصولا إلى جزء من الشرق الأوسط، أي سوريا حيث أحبط بوتين ضربة عسكرية أميركية، ويمتد ذلك نحو آسيا الوسطى، حيث بالإمكان المزج بشكل معقول بين القوة الروسية الناعمة والصلبة. لكن ذلك، في النهاية، يعتبر أمراً دفاعياً وإقليمياً إلى حد كبير. لكن هل يؤثر ذلك على الأمور على نطاق عالمي حقيقي؟ الإجابة هي نعم، بإمكانه التأثير على الآخرين ليحذوا حذو حذو روسيا، ليس بسبب اعتقادهم أن الولايات المتحدة ضعيفة، بل لإيمانهم بأن عصر العولمة الذي تقوده أميركا يستنفذ طاقته، وأن هناك فوائد لقول «لا» للأميركيين. إن قول «لا» بإمكانه فصل الأميركيين عن أصدقائهم الأوروبيين. وهذا، بدوره، قد يخفف من احتمالات التدخل العسكري أو فرض العقوبات الاقتصادية أو ببساطة زيادة قوة المساومة. إن قول «لا» بوضوح هو الموقف الذي تتخذه الصين -وليس مجرد أنها تدعمه- للحصول على مطالبها في بحر الصين الجنوبي. كما أصبحت أفريقيا الآن بؤرة للمنافسة الاقتصادية بين الصينيين والأميركيين والأوروبيين، ليس لمجرد الموارد ولكن للجيل القادم من المستهلكين. وقد يكون الأمر أكثر ربحاً أن تقول «لا» لشركة «إيه تي آند تي» وتقول «نعم» لشركة «اتصالات الصين» (تشاينا تيليكوم). وكل ذلك بسبب الاختبار في أوكرانيا. ونفس هذه الخيارات يمكن تطبيقها في أسواق جديدة من بنجلاديش إلى بيرو. إن النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة، والمعروف بـ«العولمة»، قد حقق بعض وعوده، لكنه مال إلى تحقيق أكبر قدر من الفائدة للشعوب والشركات والأفراد الأكثر ثروة وقوة على حد سواء. ومثلما كان الحال مع جورج بوش الابن وبيل كلينتون من قبله، فإن الرئيس أوباما يأخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن هذا النظام. لقد استبدل ببساطة «النظام العالمي الجديد» الذي قدمه بوش الأب، والذي يبدو استبدادياً، بعبارة «المجتمع الدولي». لكنهما بطبيعة الحال شيء واحد. وفي رأي الكثير من الناس في العالم خارج حدود أميركا -وحتى داخلها– فإن هذا النظام هو سيطرة الدولار المدعوم بظل السلاح. ومع ذلك، فإن 25 عاماً تعتبر فترة طويلة في السياسة الدولية الحديثة. ففي غضون ذلك الوقت، تطور اقتصاد الصين من عمال المصانع إلى النزعة الاستهلاكية المتطورة والثرية. وقد كشفت أزمة 2008 المالية كيف كانت العولمة غير مستقرة. وبالطبع فإن بوتين ليس بالمصلح الذي يسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية. وليس لديه أية أيديولوجيا منافسة، ولا يميل إلى وقف العولمة، لكنه فقط يحاول تحويلها لتحقيق أكبر استفادة لروسيا التي لم تحصد سوى القليل، وبفضل البترودولار فقط. وما هو أهم أنه يختبر حدود النفوذ الأميركي والصمود الأوروبي. وقد حقق حتى الآن نجاحاً. لكن أوكرانيا هي مجرد اختبار، أما الأزمة فسوف تأتي فيما بعد، عندما تصل المؤامرة إلى ذروتها الحتمية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي انترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©