الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العزلة.. خرير يهدر في الصمت

العزلة.. خرير يهدر في الصمت
2 يونيو 2010 19:57
مَنْ يتأمل قَدَر الشعر العربي الحديث على نحو مقارَن مع شعريات أخرى راهنة في العالم، فربما يصح القول إن أغلب الشعر العربي منذ خمسينيات القرن العشرين وحتى الوقت الراهن هو نتاج عزلة بمعنى ما. غير أن الشاعر العربي لم يتأمل عزلته تلك كما لم يتأمل، بمعنى أنها لم تدخل إلى نطاق عدد من الثيمات التي اشتغل عليها الشاعر العربي كالصمت مثلا، أو المرض وسوى ذلك. لكن العزلة بوصفها موقفا فرديا من العالم ومن المعرفة ما تزال واحدة من الثيمات الكبرى التي تشغل الشعراء في أنحاء متفرقة من الثقافات، ربما بسبب هذا التوحش كله الذي يمارسه التطور التكنولوجي وطبيعة علاقة الأفراد به فضلا عن الوطأة الثقيلة للنظام الاجتماعي وتعقيداته الباهظة التي تأخذ البشر على نحو طبيعي إلى عزلاتهم الخاصة. تبقى العزلة، مثل الاغتراب، من العسير استخدامها بوصفها مفهوما دون أن يكون للمعنى ظلاله ودون أن يكون سياق استخدامها مفتوحا على التأويل. والأرجح أنه بسبب هذا التراكب في المعنى، فالعزلة يؤتى إليها من أبوابها، تلك الأبواب التي يقترحها هذا الحقل المعرفي أو ذاك. الشعر، بجلال قَدْره وغموضه المهيب، يقترح أبوابا عديدة للعزلة التي يطرقها الشعراء والتي قد يفضي بعضها إلى بعضها الآخر. أبواب العزلة وربما بدلالة هذه الاقتطاعات، التي اختيرت على نحو عشوائي من الشعر الإماراتي المعاصر، يمكن للمرء، وفقا للظن لا للقطع باليقين، أن يقول بأنّ إحساس الشاعر بفرديته أحد أهمّ الأبواب التي ساقت قدميه إلى عزلة مضاءة ويدخل إليها الهواء والضوء، كذلك هو الغياب باب آخر للعزلة، باب يجعل من الأشياء الحية والجامدة المتعينة في المجال الحيوي والطبيعي للشاعر أشياء نشعر بإنسانيتها المتدفقة. ثمّ هناك باب الفقدان، الذي يجعل الشاعر في عزلته يخاطب الأشياء غير المحسوسة كالهواء والريح ويجعل الصوت يومض والمرايا تضيء. ثمّ باب الخذلان والأحلام التي كجرار الخزف المتكسرة، والتي تجعل المرء يستشرف النهايات ويلمحها كالتماعة سيف في العتمة. وأخيرا هو باب الرعب، الذي سمّاه شاعر ما يوما بالرعب الآخر، حيث يشعر المرء بنفسه متروكا للهجران والضياع، ويتطوّح وحيدا كورق الخريف في مهب الخسارات واليأس. وهذه الاقتطاعات، لجهة التوصيف مأخوذة من دواوين الشعراء حيث يذكر عنوان الديوان إلى الأسفل من اسم صاحبه، والاستثناء الوحيد هو السينمائي محمد حسن أحمد وروايته: للحزن خمسة أصابع. وأيضا لا دلالة لترتيب الأسماء على أي نحو من الأنحاء ولا لهذا القَدْر أو ذاك من الأشطر الشعرية الذي تبدو عليه أي من الاقتطاعات. ليلاً حين أعود إلى مسكني، ممتلئاً بشبهات فلكيين منفصلين انبهروا بأنوثة العدم، أجيء بهاويتي الخالصة مسرفاً في خسائري كحشّاش أليف أُهدرَ دمه على ساحل، وبعد أن أشعلَ المصباح، أخلعُ معطفي المبلل بذكريات وروائح وحطام ضخم لأحلام، حيث بفمٍ ممزق وعين متوحشة أقف أمامه، أفتش عن بقايا فتيات ضجرات، التقين بي وسحبن من رئتي كل هوائي، وبعيداً مثل نزوات رواد الفضاء، ذهبن دون جاذبية تشدّهن نحوي. عبد العزيز جاسم (لا لزوم لي) منذ زمن والهاتف ساكن كأيقونة مغبّرة. الأوطان البعيدة تقترب في الأفكار فقط، الأصدقاء يبتعدون. نجوم الغانم (لا وصف لما أنا فيه) لم يقطفوا شيئا يدلّ عليهم ماتوا كما هم كأنْ لم يولدوا وذهبوا مثلما تنتهي أغنية محمد المزروعي (لكنّك أنت يا آدم) صوتي اليوم حجر حجر يقع في بِرْكةٍ ما صوتي هدهدة النوم، يصبح، التي أغفو عليها وهو حبة الحلوى التي آكلها كي أظلّ طفلة. ميسون صقر القاسمي (الآخر في عتمته) أتحدّثُ عنكِ مع الليل فيشّع كلامي بالظلمات خالد البدور (شتاء) في الصور العائلية، لا أحد خائنا بل الجميع مبتسمون، بينما الخيانة كلصٍّ ينام بيننا حين نطفئ الأنوار. لا شيء أسهل من قراءة الحزن حين يهبط ببضاعته الكاسدة كما رجل شهم. محمد حسن أحمد (للحزن خمسة أصابع) هي غصّة واحدة وتموت لا داعي إذن أن تحفر لنفسك أو لغيرك. القبور أمامك كلّها مفتوحة فارغة... ونظيفة كأنّ أحدا لم يدخلها منذ بداية الدهر. عادل خزام (السعال الذي يتبع الضحك) في روحي أماسٍ حيْرى أقاليم عامرة بالبوح دفاتر ما قُرِئتْ ما كُتبتْ ما فُتحَتْ حكاياتٌ من ألف دهر. خلود المعلا (هاء الغائب) ينتصف الليلُ وأنتَ على مقعدِكَ المنسيِّ تقلّبُ أيامَك .. كلّ الأيام أمامك إلا يومَ وُلِدْتَ ويومَ تموتْ. ما أضيقَ هذا التابوتْ. إبراهيم محمد إبراهيم (الطريق إلى رأس التلّ) إنّ بي رجلا يسرق القوارير مني يتأمل شطحاتي ويقذف بي بعيدا خلف السماء. أعيش الألم لذا أعيش الكتابة أعيش الفقر، العجز، الرجولة لذا أتمرّدُ على سقّاء الأشياء بفيضي. الهنوف محمد (جدران) كلما حاولْتُ العبورَ أو حَلُمْتُ وجدْتُكَ تبكي مثلي .. تحت قيظِ الظلام وحيدا تسلك معابرَ الخوف. أحمد العسم (الفائض من الرفّ) أرى حبيبتي ساهرة قرب الموقد تقلّب الجمرَ فيما وجهها يسافر في التجاعيد. أصغي في طرقات ضريرة إلى صرير عربة حافية ملأى بالحنين يجرّها مجنون أحدب. هاشم المعلّم (المدفون في الهواء) البحر دمعة كبيرة. وأخيرا يتكئون على الليل وبعيدا يمضون يتوارون عن النظر وراء جبال الذاكرة وحدهم الواحد تلو الآخر لا أحد معهم. عبدالله عبدالوهّاب (لا أحد) وإنّي لَماضٍ فيَّ حتى مستقبل الماضي أجرّ الجبل من شعره وخلفي أَنتِ أيّتها البحار بأمواجكِ العظمى تكتبين وتمحين الأحجار. أحمد راشد ثاني (جلوس الصباح على البحر) ذبل الورد على شرفة الأمل البهاء مصحوب بحسن أمل. في مدرج التاريخ لا أحد يبقى واقفا. الكلام زبد النسيان. في فمي الماء غير أنّه لا يصل. الكلّ من الغيب إلى الغيب. ظبية خميس (نحو الأبد) وأحلام تستحم في الهواء هنا حيث الصوت يومض، الشمعة تضحك، والمرآةُ تضيء!. عبدالله السبب (المرايا تحدث أخبارها) الحب الذي دفنّاه سوية، أضعنا علامته، فحفرنا صحراء بأكملها، عند أوّل وخزة، للحنين. أحمد منصور (أبعد من عدم) رجمة: جهاد هديب إن البحث عبر ثيمة العزلة وحدها في أي محرك رقمي سوف يفضي إلى نتيجة مثيرة للإدهاش حقاً، ذلك أن كل ثقافات العالم تكاد تكون قد أكملت تأملها في هذه العزلة وأسبابها وجمالياتها على نحو شديد الغنى والتنوع، ما يلي بعض نتاج هذا البحث العشوائي ومن بلدان وثقافات متفرقة في محاولة لترجمتها عن الإنجليزية، مع الإشارة إلى أنه ما من كلمات تستدعي شرحاً باستثناء الإشارة إلى ورود: “مائة عام من العزلة”، الرواية الأكثر شهرة للروائي غابرييل غارسيا ماركيز. الألََم، دفاعاً عن العزلة أتناول عشاءً قليلا قرب النافذة المشرقة. الغرفةُ معتمةٌ، الآن، وبدأت السماءُ تتقلَّبُ. الممرات هادئة بعيدا عن بابي بعد الممشى القصير، تنفتح الحقول. آكلُ وأنظر إلى السماء التي – تدري كم من النساء يأكلْنَ الآن. جسدي ساكنٌ: مخاضٌ يبلّد المشاعر، ويبلّدُ النساء أيضا. في الخارج، بعد العشاء، سوف تأتي النجمات كي يمسسن الألمَ الواسع للأرض، النجماتُ مشرقاتٌ، لكنْ لسن جديراتٍ بحبّات الكرز هذه، التي آكلها وحيدا. أنظرُ إلى السماء، أعرف تلك الأضواء الآن، إنها تلمع بين سقوفٍ حمراءَ صَدِئةٍ، وإلى الأسفل منها ضجيجُ البشر. جرعةٌ من شرابي، ثم بوسع جسدي أن يتذوقَ حياةَ النباتات والأنهار. هي تشعر بأنها قد انفصلت عن الأشياء. جرعة صغيرة من الصمت تفي بالغرض، وسوف تبقى الأشياء كلُّها في مكانها الحقيقي، فقط وتماماً، مثلما هو جسدي ما يزال. تصبح الأشياءُ كلُّها جزُرا، قبل أحاسيسي التي قَبِلَتْ بها بوصفها أمراً متوقَّعا: خريرُ في الصمت. الأشياء كلّها التي في العتمة، بوسعي أنْ أعرفَها كلَّها، فقط، مثلما أعرف هذا الدمَ الذي يتدفق في عروقي. السهلُ امتلاءٌ عظيمٌ بالماء بين النباتات. حفلُ عشاءِ الأشياءِ كلِّها. كل نبتة تحيا جامدةً وكل حجر. أسمع طعامي يغذي عروقي بكل شيء حيّ يوفره هذا السهل. ليس الليلُ بأمرٍ. والرقعةُ المربّعة من السماء تهمس لي بضجيجٍ عالٍ، والنجماتُ الصغيراتُ، غريباتٍ، يتقدمن في الفراغ، أبعدَ من الطعام، ومن البيوت كلّها. إنها لا تكتفي بنفسها، وتحتاج إلى رفقاء كثيرين جداً. في العتمة، وحيدا، جسدي ساكنٌ، يشعر أنّه عبءٌ. كاسيير بافيز فَيْْض: سنوات من العزلة إلى الشخص الجالس كيفما اتفق في المكان الثاني على الطاولة. إلى الشخص قرب مؤخرة الباص الفارغ. إلى مَنْ سمّى كلّ قطعةٍ من الكأس المبقّعة التي قذف بها إلى الحائط الأبيض. إلى الشخص الذي اقتنع بأن ذلك المونولوغ هو حديث طويل مع الماضي. إلى الشخص الذي أضاع ورقةَ لَعِبٍ كان قد وسمها بعلامة. إلى المتجهين صوب أنْ يرثوا الخنوع. إلينا. دوينيسيو مارتينيز عزلة أحد ما، في آخر الأمر، هنا! لا، بل قلبٌ شقيٌّ، لا أحد – عابر سبيل على طريقه، فقط. استسلم الليل لغيمات من النجوم المتبعثرة. تتذبذب المصابيح في الردهة. أصغيت بلهفةٍ لخطواتٍ، الدروب أيضا غفت على عجل. رماد غريب دفن آثار الخطى كلها. أطفئ المصابيح، وكسّر الزجاج، وامْحُ ذاكرة النبيذ كلها. قلبٌ. أحكِمْ إغلاق أبوابك الساهرة، وقل للأحلام التي تقرع أنْ تمضي بعيدا. لا أحد، الآن سوف يعود أبدا. فايز أحمد فايز إلى روما خفيّا في الرؤيا، مطمئّنا وقائما بذاته، كخيوط الحرير الإيقاعُ الصوفيُّ الغامضُ؛ الصوتُ الرنّانُ الذي يبقى خفيّا يكون حرّا، في زمن، بعد انتظارٍ طويلٍ وفي أزمنة أخرى، من غير الممكن اجتناب غنائه ثانية، في مناسباتٍ أخرى، يقوم ليرقصَ مثل بريق، ثوبُه ذو الفراء انترك متدليا بالتالي، كلّ إبداع ينحدر من عَلٍ كأنّه شعبٌ من الغيمات، وما ورائيته في الكون، ما يعني أنّ الثنائيةَ، فقط، هي التي في عزلة أدخُلُ هذه العزلة، أحبّ أنْ أمكثَ في البريق أدخل هذه العزلة، أرغبُ بالبكاء. شودهوري شكومر وجها العزلة في رحلتي إلى باننغ استمتعتُ إذْ نسيتُ حريّتي في العزلة. في رحلتي إلى باننغ وجدت صديقة قديمة لم يكنْ بوسعها أنْ تفرح للالتئام شملنا. وجدْتُ كلبةً عجوزا تدعى سندر تلك التي أصبحتْ قلبَ اهتمامها. كلبةٌ عجوزٌ نبحتْ عليّ ليومين قضيتهما هناك حيث وجدت تلك الصديقة القديمة التي لم تعد قادرة على الطبخ لنفسها أو التنظيف أكثر. في رحلتي إلى باننغ وجدْتُ امرأةً، صديقةً، في سجن العزلة. جوديث بيلي أنا وأنتْ (ترتيلة) العزلةُ أكثرُ عظمةً من الدهماء - إنها فقط أنا وأنتْ يا إلهي لذا أرفع عرفاني بالجميل. جوي ديوني جونسون عزلة الشاعر عزلة الشاعر يجدها في الجبال حيث يُمضي أغلبَ وقته وقد اعتصم بالأم الطبيعة و... يتأمل الحياةَ البرّيةَ تلك التي يحياها هو أيضا. ألدو كْراس وحدي، أطوف تُنذرُ الغيماتُ بالمطر، إنّه شتاء مُعتمٌ، يجتاحُ بردٌ نافذتي المطمئنة في آخر الليل، ويكسِفُ نورَ الشمعةِ الصمتُ المؤلمُ. وضعتُ فرشاتي جانبا، وطُفْتُ في ساحة البيت الصغيرة قالت صرخةُ الإوزّة البرّية: الفجرُ هنا الآن. شي بو نماذج للعزلة في شعر الهايكو العزلة لقد رأيتها في الحديقة تقرأ مائة عام من العزلة جاييت شان عزلة كوني رفيقة أيتها العزلة وانتِ شابةً، في ذلك عزاءٌ عندما تصيرين عجوزا روبرت إم إلسون دليل وحيدةً، إلى جوارك تصبح العزلةُ دليلي والصمتُ يتحطّم ليزا كريسول ولكنسون استبطان العزلةُ هي كيف ألتقي بنفسي تحيّي روحي التي من طبقات في الدفء أو البرد لورينا مارغريت غارسيل عزلة حسنا.. أحيانا تكون العزلةُ الشريكَ الأفضل لأنه، أقلّها، لا تقول شيئا أبدا إلى اللقاء نينثيا جون مسلّة تنتصب صخرةُ العزلةِ في أمواه المحيط. ضوء الشمس مولَعٌ بها. تيريزا كْوِّن عزلة دعها وحدها كي تبكي إنها لا تملك شيئا تعود إليه سوى العزلة أندريا كوبريكوس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©