الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أثقال

أثقال
9 أكتوبر 2009 00:19
تجاوز عمري السابعة عندما أمسكت بسبورة وطبشور أبيض وممحاة من الإسفنج، وأخذتني والدتي للمد1رسة القريبة من بيتنا، لم تأخذني في سيارتها، ولم يحملني من باب بيتنا «باص» المدرسة، بل دلفنا وسط الأحياء التي تؤدي كلها لمدارس كثيرة تفرق بينها مسافات قصيرة، سابقت النسمات الخريفية التي تهب في خريف بارد فتسقط أوراق أشجار شاخ عمرها واصفر لونها، تثير خشخشات تحت أقدامنا، يملأ الهواء صدري فيخف جسدي سعادة وانتشاء بلحظاتي، لم يحتج أهلنا حينها تكسير حاجز الخوف داخلنا من اليوم الدراسي الأول، ولم يتعبوا في تحضيرنا نفسياً، كل شيء تلقائي مبني على ما رسم في المخيلة مسبقاً، وما استرقت سمعه من هنا وهناك، عوالم جديدة بالنسبة لي، لكنَّها ساحرة، وستحررني من البيت وحاجاته اليومية، التي كدت أتقنها قبل إمساكي بالقلم وتسطيري خطاً مستقيماً. والدتي سيدة لا تفك طلاسم الكلمات، لكنها كانت تصر على معرفة كل ما يجري في المدرسة، ولا تتوانى في السؤال عن مستوانا الدراسي، كان حنوها يغلفه الكثير من الصرامة والحزم وعدم التسامح عند التهاون والتقصير في كل الواجبات، بل كانت تذهب وتسأل بنفسها معلمتنا داخل القسم، ومنذ ذلك العهد انصهرنا في عالم مدرستنا التي كانت متنفسنا، فسيحاً جداً، تحيطها أشجار تظلل أسوارها، وتنثر في ساحتها أريج « الأكليبتوس»، كانت الأمان والطمأنينة والمعرفة، حينها كانت محفظتنا لا تحوي إلا دفتراً وكراساً ونسخة صغيرة من السور القصيرة للقرآن الكريم، كتبت بخط كبير، وسبورة وطباشير، لم نشعر يوماً بثقل الكتب التي تثقل اليوم كاهل الأهل عند حملها، وتكسر ظهر التلميذ وتلوي جسده، فمحفظة طلبة اليوم يلزمها حمال وليس تلميذاً لم تنم عظامه بعد، والمحفظة تزن أضعافه، مما اضطر الأهل لاقتناء محفظات بعجلات صغيرة. اليوم تغير كل شيء بعد مرور كثير من السنوات لا أرغب في الإفصاح عنها، تغيرت طريقة التدريس ومناهجه، والطفل اليوم لا يكاد يفتح أعينه على الدنيا حتى يجد نفسه في المدرسة، يستعجل أهله تعليمه، يزجون به في عالم لا يكاد يفك رموزه، وتنهال عليه كل تطورات العصر وما يحتاجه ليفك طلاسمه وشيفراته المعقدة: لغات، كمبيوتر، موسيقى، تنمية مواهب، تفتيح الإدراك، يتجند لذلك أكثر مدرس، والغريب في الأمر أنَّك تجد تلميذاً في الصف الأول وعمره تجاوز بقليل الخمس سنوات، ولا زال لا يعرف تركيب كلمة، يحمل كتاب العلوم الضخم، وهو مطالب بضرورة معرفة معنى الشيء الحي وغير الحي، تتناوب خمس أو ست مدرسات على تعليمه على مدى اليوم، ويأتي إلى المنزل محملاً بواجبات مدرسية يجلس يحلها لساعات تمتد في جوف الليل، وتدوب كل المعلومات التي يتمرن عليها لضغط المواد، فلا تركيز على مادة يومياً حتى يتقنها إتقاناً، وفي الصباح يحمل الأهل محفظته التي تفوق وزنه لـ»باص» المدرسة، وهناك من يساعده إلى باب الفصل. فالكل يتمنى لأبنائه تعليماً جيداً يسمح لهم مستقبلاً بتذوق حلاوة الانتصارات، ويدخل عالم النجاحات من كل أبوابه، لكن رويداً رويداً. لكبيرة التونسي lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©