الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خليفة الدليمي: أصابتنا «لعنة برج بابل»

خليفة الدليمي: أصابتنا «لعنة برج بابل»
1 ابريل 2015 21:40
كان عصيا توصيف الهمجية التي مارسها «مثقفو داعش» وهم يدمرون إرث العراق التاريخي والحضاري. استفزهم الثور المجنح. أدمت مخيلاتهم آثار نينوى، وسنجار، والموصل. المتاحف وما تضمه بين أجنحتها، تثير فيهم شهوة الانتقام. ما تركته الشعوب السابقة، لمن جاء بعدها، هو وثيقة اتهام على تخلفهم وتحجر عقلياتهم، وسقم نفوسهم. لهذا السبب كان انتقامهم عظيما ومخيفا من حضارة بلاد الرافدين. أرادوا أن يمحوا من الوجود أثر غيرهم الخالد، لكي تبقى «آثارهم» تدل على همجيتهم. هل كانوا يقلدون أم أنهم ابتدعوا إجرامهم؟ نعم ولا.. فقد سبقهم التتار، وغيرهم من الغزاة الذين مكنوا لأنفسهم بإبادة الآخرين حضاريا.. لكن ما ارتكبته وترتكبه (داعش)، يبقى علامة خاصة بها، على الأقل في الزمن المعاصر. ما حدث لآثار العراق، أعادت إلى الذهن رواية خليفة الدليمي «لعنة برج بابل»، التي تبدو في سياق ما جرى وكأنها مخطوطة قديمة تشكل فيها الرواية سجلاً تاريخياً أدبياً حافلاً بالأحداث المتحققة والمتخيلة. تسرد الرواية حكاية أكثر من بلد وأكثر من شعب عبر قرون، وهي تنطلق من قعر الحضارة الرافدينية وجمعت بين حقلين مختلفين هما التاريخ والأدب في علاقة جدلية تجعل من التاريخ مادة أولية للأدب الروائي، فتأتي لتعكس هذا العالم وتعيد صياغته، فتبرز ما خفي منه، وتضيء الظلال المتوارية خلف حركة الحكومات والأنظمة في مقابل حركة المجتمع والناس، حيث اتخذ المؤلف من مدينة بابل العراقية (عاصمة الحضارة البابلية) مسرحا زمنيا لها، راصدا في وقائع أحداثها شيئا من الصراع الطبقي في المجتمع، والصراع النفسي في ضمير الإنسان بين قوى الخير والشر والحب والكراهية في مجتمع تلك الحضارة. وقد غلب على الرواية الطابع التاريخي، وكأن الدليمي أراد أن يصطحب القارئ في رحلة معرفية بين حين وآخر، تكشف بين فصولها كثيرا من أسرار تلك الحضارة، فجاءت أحداثها سلسة يمكن أن يتفاعل معها القارئ وكأنه عايش ذلك الزمان الذي لم يعش فيه وبسبب رحلتها المعرفية وصفت كثيرا من تلك المشاهد قبل حدوثها. هنا حوار مع خليفة الدليمي مؤلف «لعنة برج بابل»، عن الرواية وإسقاطاتها: * فكرة تدمير شواخص الحضارة العراقية جريمة بحد ذاتها حتى لو كانت تماثيل من الطين.. فكرة القضاء على ما يمثل حضارة أصيلة يعني السعي إلى تدمير كل من يحمل رسالة ثقافة؟ ولكن اختلف الحال معك في رواية «لعنة برج بابل» حيث تبدو وكأنك تسعى إلى ترسيخ تلك الحضارة.. هذا التضاد الوضح هل هو ما يسمى أزمة عقل؟ ** فعلاً هنالك أزمة عقل تدور فلكها ما بين فكرة القضاء وفكرة الإحياء لشواخص تلك الحضارة.. وكل فريق له أدلته التي تدعم فكرته.. وبالمناسبة أشير هنا إلى أن تدمير تلك الشواخص الحضارية والثقافية لم يقتصر على (داعش) فقد سبقهم قبل سنوات وبالتحديد في بداية سبتمبر من عام 2010 الأحزاب الشيعية التي تمسك السلطة في بغداد والتي قررت عبر وزارة التربية والتعليم العراقية منع تدريس مادتي المسرح والموسيقى في معهد الفنون الجميلة ببغداد ورفع التماثيل من مدخل ذلك المعهد. أسماء واقعية * «لعنة برج بابل» هل هي شبيهة بلعنة الفراعنة، وهل تحاول الرواية أن تعيد كتابة التاريخ لتصبح رواية التاريخ بمثابة قراءة بحضور الصراع بين العوالم السفلية والعلوية المذكورة في الرواية؟ ** لا بأس بتسليط المعرفة التاريخية وتوصيلها بعدة طرق للمتلقي ومنها إيجاد الصراع الذي أشرتم إليه حتى يشعر القارئ بنبض الماضي وامتداده على الرغم من المنطق القائل بانقطاع ذلك. * غلاف الرواية صمم وكأنه لوحة بابلية نقشت فيه فكرة وأحداث الرواية فلا يكتشف القارئ سر تلك اللوحة إلا بعد الانتهاء منها؟ ** هنالك تمثيل وخلفه الكواليس وشركات وخلفها الدعايات وتجارة وخلفها فن التسويق، وكل هذه الخلفيات هي عوامل مساعدة نحن في عالمنا العربي لا نوليها اهتماماً ونفتقر إلى التركيز على العوامل المساعدة للمنتج وإنما نجعل جل اهتمامنا على المنتج نفسه، بينما في الغرب يجعلون العوامل المساعدة موازية بل متفوقة في بعض الأحيان على المنتج نفسه وهذا ما راعيته عند تصميمي لغلاف الرواية حيث جعلت التماثيل وكأنها تقوم بمشهد تمثيلي حركي يتجلى في ما أريده من توصيل رسالة مضمونها الرواية وعنوانها الغلاف. * هناك شخصيات عدة رسمتها كانها خريطة لتشابكات تاريخية وواقعية ومتخيلة ومن تلك «البروفسور كوك»، «راشيل الطالبة»، «مثنى»، «روبرت سعيد»، «إيزابيلا الضابطة»، «هولدن»، «لورانس»، و»موليمان».. من أين أتيت بأسماء أبطال الرواية ومن أين استوحيتها؟ ** لم أضع اسماً في الرواية إلا ولي فيه معنى وامتداد لاسم حقيقي كان له دور في الماضي من خير أو شر.. ومنها اسم إيزابيلا الذي استمديته من الملكة إيزابيلا التي قامت بإنشاء محاكم التفتيش والتي شنت مع زوجها حملة عسكرية للاستيلاء على مدينة غرناطة من حكامها بني الأحمر وكانت غرناطة آخر معاقل المسلمين في إسبانيا. وأما كوك فقد استمددت اسمه من وزير خارجية المملكة المتحدة الأسبق. وقي عارض الحرب على العراق واستقال بسببها من حكومة توني بلير. وعرف بمناصرته للقضايا العربية وخصوصا قضية فلسطين. وراشيل استمديته من عضو فحركة التضامن العالمية (ISM) وسافرت لقطاع غزة بفلسطين المحتلة أثناء الانتفاضة الثانية حيث قتلت بطريقة وحشية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي عند محاولتها إيقاف جرافة عسكرية تابعة للقوات الإسرائيلية كانت تقوم بهدم مبان مدنية لفلسطينيين في مدينة رفح في قطاع غزّة. وإلى آخرها من الأسماء الأجنبية التي لا يتسع المقام هنا لتوضيحها جميعها... أما اسم يعرب فقد جعلته للدلالة على العرب.. وأنكيدوا بطل معروف في ملحمة كلكامش. الروائي المؤرخ * أحداث الرواية غير متوقعة وغير معروفة مسبقاً. وأحداثها مليئة بالقصص الإنسانية والاجتماعية للعائلات العراقية الرازحة تحت وطأة الموت اليومي من خلال إلقاء الضوء على يومياتها في ظل الاحتلال والتفجيرات اللامتناهية، برأيك هل يحتاج القارئ أن يشعر بأسلوب سردي مختلف حتى يتعايش مع تلك الأحداث؟ ** من مهام الروائي أن يكون مؤرخاً وموثقاً ومفكراً وناقداً وصاحب رسالة تصحيحية بالإضافة إلى مهمته الكبرى من السرد وأدواته، وبالتالي عندما سلطت الضوء على العائلات العراقية وما تعانيه أردت أن أنبه العالم الحاضر على الفظاعات التي ترتكب هناك وبنفس الوقت توثيق ذلك لأجيال المستقبل التي ستأتي من بعدنا وتعرف من خلالي ومن خلال غيري كيف كانت هذه الجرائم تحدث. * الرواية العراقية اليوم تسلط رؤيتها على الأحداث في العراق بعد الاحتلال الأميركي للبلاد.؟ ورواية «لعنة برج بابل» تحاكي تلك الأحداث لكن بتوافر الرواية عناصر الجذب والإمتاع والمفاجأة بأحداث سلسة يمكن أن يتفاعل معها القارئ وكأنه عايش تلك الأزمنة، ما هي الخلطة السحرية التي ميزتها عن مثيلاتها؟ ** عناصر الجذب والإمتاع والمفاجأة لابد منها في العمل الروائي لأن الرواية هي حياة ينحذف منها الملل والتطويل والرتابة. وهذا ما راعيته في روايتي. * اتساع رقعة السرد وكثرة الشخوص وطول الفترة الزمنية وحجم القضايا المطروحة في كلّ منهما ومساحة الفضاء الذي تحلق فيه الرواية وهو شاسع، ألم تخش أن تتذبذب بعض الشخصيات أمام الشخصيات الأخرى في العمل؟ وكيف تمكنت من جعل كل هذه الشخصيات متماسكة طوال خط الرواية؟ ** الإمساك بالأبطال في الرواية كالإمساك بجنودك عندما تكون ضابطاً في معركة حامية الوطيس فعندما تكون ضابطاً ناجحاً ستعرف كيف توكل كل جندي في مهمته حتى تنتصر في الأخير بمعركتك، وهذا الإسقاط يقع على الروائي من خلال أبطاله حتى تنجح روايته. * قلت في حوار لك: أنا من المؤمنين بمقولة أن «الطغاة هم جسور للغزاة إن كان غباؤهم قاد لذلك الغزو» وعندما أعلنت أميركا الحرب على العراق كان ذلك بناءً على وثائق زائفة حتى باعتراف وكالة الاستخبارات الأميركية.. وفي قصر الطاغية صدام حسين دارت العديد من أحداث الرواية من أين استشفّيت وجود مثل هذه المخطّطات والتلميحات السياسية؟ ** التلميحات والمخططات هي تحصيل حاصل للفاعل الذي ببساطة نتعرف على مؤامراته من خلال نتائجه فنستدل على مقدماته بسهولة. مسؤولية المؤلف * انخرط الكاتب تلقائيّاً في الجوّ السياسيّ بحكم أنّه ابن مجتمعه وظروفه، هناك تيارات تطالب الكتَاب بتبني قناعاتهم، وما تعرّض له الشاعر الكبير أدونيس مثال واقعي، كيف يرى خليفة الدليمي هذا المشهد؟ وما هو الدور المنوط للكتّاب المؤثّرين حيال هذه القضايا؟ هل هي مواجهة شرسة مع طغاة ورموز سياسيين، أو ممثلين لتيارات معينة؟ * الكاتب أمة وحده، ودوره يجب أن يكون رسالي ولا يبالي إن هجره الشرق وكرهه الغرب، المهم أن تكون قناعته مبنية على ضمير أخلاقي يستنبط منه أحكامه. فضلاً على أنه له دور مهم إن لم نقل قيادي في التحولات السياسية، وبالتالي يتطلب هذا في الكثير من الأحيان التصادم مع الرموز السياسية الأخرى. * تغلب الخير على الشر في الرواية قصدت به الربيع العربي؟ ** لا لم أقصد الربيع العربي بالتحديد وإنما قصدت هو كل خير موجود لابد أن ينتصر على كل شر مقصود ولو بعد حين، ولا ضير أن يكون الربيع العربي جزءا من ذلك الخير. ** كيف تم الربط بين فترات تاريخية مختلفة في الرواية، على سبيل المثال الكهانة البابلية تقف غريمة لمركز الدراسات الاستراتيجي الروحاني الأميركي، ونلاحظ التنين الأسطوري البابلي (شمخشو) واقفاً ومتحدياً آلة الحرب الحديثة وقوات التحالف؟ وهل يمثل التاريخ في روايتك دوراً «مجازياً» فحسب أم أهميته تجاوزت ذلك؟ * الإبهار هو أن تجعل من اللامعقول معقولا وأمنيتي التي اختلطت بحلم يقظتي جعلتني أذهب إلى ما أشرتم إليه.. ومن يدري فربما يحدث هذا في يوم ما. * تعمدت التشويق ومزج الخيال بغياهب التاريخ كالحرب الكونية المبتدئة في بابل (هرمجدون) والبحث وكشف معلومات مثيرة عن خفايا المؤامرات وتنظيماتها السرية ورموزها المخبئة وتوظيف الحدث الآني لملاحقة حقائق فلسفية من ميثالوجيات الدين وابستمولوجيا الحياة بين (جيوش الأيجيك) وقوات (الأنانوكي) هل سبب هذه الخلطة المميزة زج القارئ المعاصر لملاحقة كتب النبؤات العالمية؟ ** وما الضير أن نلاحق كتب النبوءات العالمية على ما فيها من علل ونستخرج منها ما يمكن أن نفهم به على ما يحدث.. ولا يفوتنا أن أعظم دولة في العالم قادها بوش الابن لتدمير العراق وأفغانستان كانت بسبب قناعاته بتلك الكتب. * هل ترى أهمية لروايتك لجمهور خارج العراق والوطن العربي ولماذا بالتحديد؟ لو نفترض أن يسألك قارئ «لماذا تعتقد أنه يجب عليه قراءة روايتك» فماذا ترد؟ ** أنا أتجنب دائماً كلمة (يجب) لأنها تدل ولو بمسحة بسيطة على الدكتاتورية وإجبار الآخرين على فعل الشيء.. وانما أستطيع أن أقول ماهي الاستفادة التي يخرج منها القارئ من قراءة روايتي، فأجيب هنا أن أولى أولوياتي في روايتي هذه كانت المعرفة التاريخية التي سلطتها على مدن بلاد الرافدين قبل الميلاد مع جعل الأولوية لبابل وتعاقب الحضارات عليها وهذه المعرفة التاريخية تشمل العادات والتقاليد والأعياد والمعابد والحياة اليومية الخ.. إذن بالمحصلة النهائية سيخرج القارئ وفي جعبته الكثير من المعرفة التاريخية عن تلك البلاد وحضاراتها التي غيبت عن قصد وهذا ما أرجحه أو غير قصد. وثانياً السرد في الرواية جعلت فيه تقنية المشاهد السينمائية وهذا الأسلوب من الأساليب السردية الصعبة التي لا يمكن لكل روائي أن يتقنه، بالإضافة إلى أن ذلك السرد جعلت في خلطته التأريخ والجغرافيا والروحانيات والحاضر والنبوءات المستقبلية والثقافة العامة والموسوعية في تناول الأحداث وحبكتها. وبالتالي سيخرج القارئ وليس في ذهنه أنه قرأ رواية للمتعة وإنما تزود بمعرفة حقة ربما غابت عنه. الاسترسال والاختصار * استخدمت تقنيات سينمائية وتميزت الرواية بخاصية التقطيع السينمائي، كأنها مونتاجا يفرز مشاهد قصيرة متعاقبة، وجملك قصيرة تحمل الدلالات اللازمة من دون استفاضات وزوائد، كيف تلجم عبارتك عن البوح الفضفاض كما لو تكتب شعراً؟ هل أنت مفتون بالحذف وهذه خاصية روائيين أجانب وكيف تأتى لك ذلك؟ ** جوامع الكلم من صفات اللغة العربية وهذه الصفة التي بدأت بالانحدار في الفترات الأخيرة وقد أردت بروايتي الإمساك بها وإبرازها... أما الروائيين الأجانب فقد برز عندهم هذا الاختصار بالجمل القصيرة ذات الدلالة الطويلة في السيناريوهات السينمائية نظراً لطلب المنتج أو المخرج. وربما هذا الأسلوب في اختصار الجملة بكلمة أو كلمتين اختصاراً لا يضر بمعناها هو مطلب من مطالب كتاباتي. * وصف كثير من القراء الرواية بأنها ملحمة سردية وتمنوا أن تتحول أحداثها إلى فيلم سينمائي ما رأيك؟ ** لو طلب مني أن تكون روايتي فلماً سينمائياً عند ذاك سأعلم أن الرواية نجحت في أن تصل لعدد أكبر من الناس.. وأنتم تعلمون أن الكثير من الروايات الشهيرة قد تحولت إلى أفلام وقد عرفها الناس من خلال السينما. * أشرت في الرواية إلى بعض الشخوص الدينية كالقساوسة والكهنة وبعض المنظمات السرية كالماسونية ونضيرتها الفارسية (كالبابكبة، والباطنية، المزدكية) وهم استخدموا الدين والأسرار لتحقيق منافعهم الشخصية بغض النظر عن قربهم من الرب أو بعدهم عنه، ونجد تلك الشخوص حاضرة في روايتك كمنظمات ارتبطت بالغموض والرمزية لدرجة أنها باتت تثير الفضول، وسؤالنا هنا: هل الثقب الأسود في فضاء متعة الرواية هو الذي جعلك تشير إلى ما أشرنا إليه أم أنها رسالة سبقت أو أن ما قام به تنظيم داعش لمتحف الموصل بالعراق ومن قبله حرقهم لآلاف الكتب والمخطوطات النادرة؟ ** أردت بها رسالة مفادها أن هنالك أيدي خفية لا يمكن أن ننكرها تقرر مصيرنا في بلادنا، وشاهدي على ما ذكرت الفضائح السياسية التي نشاهدها في كثير من الأحيان على مختلف القنوات الإعلامية، بالإضافة إلى الوثائق والشهادات لمختلف أقطاب الصراعات الحزبية ما كان منها من أبناء جلدتنا أو أعدائنا، وانحدارنا إلى الحضيض في مصاف تقدم أمم الأرض. حضور رومانسي * الجانب الرومانسي في الرواية هي المشاهد الأكثر سحرية التي التقتطها ببراعة في تصوير المشاهد المحيطة بتلك السمفونيات الكروانية. وكأنك تعيش حقيقة تلك اللحظات المفعمة بالهيام ماذا يمثل الحب في رواياتك؟ ** الحب يمثل في روايتي العطر في الورد والشوق في الود والوفاء في الصد.. وعليه فأنني آثرت، في خضم صراعات ومعاناة ودراما الرواية، أن يكون متنفسها من خلال نفحات الهوى التي تهب نسائمها بين الحين والحين بين سطور الرواية. * عذراً روما فإن الطرق لها/ ما عادت تؤدي إلى محبوبي ولي أنين مازال موضعه/ وجعاً تكاد تفترق به روحي الست يا قلب قد وعدتني/ إذا ما تذكرتها أن لا تزيد خطوبي من خلال هذا النص وصفت العلاقة العاطفية التي تربط خطاب العربي بحبيبته (جوان الكردية) هل ما أردت تأكيده أن الحب لن ولم يعرف الطبقية يوما، وأردت كسر حاجز النظام الطبقي لتحطم به الجانب القومي؟ وقصة الغرام بين أنكيدوا وحبيبته لوريندا؟ ** هنالك صراعات سياسية وفوارق طبقية اجتازها بنجاح الحب وحقق نجاحاته فيها على الرغم من تلقيه على العموم الضربة تلو الأخرى من جراء تلك الصراعات والفوارق ويبقى الحب ذلك الطائر الطاهر الذي لم ولن تلوثه تلك الدوامات هذه هي الرسالة المختصرة التي أردت أن أوصلها. * أي من النصوص برأيك كانت أقرب إلى الجمال الخيالي وحركت مشاعر كاتبها؟ هل حضرت في الرواية بشخصيتك الحقيقية؟ ** حاولت جهد إمكاني أن أتجنب إسقاط شخصيتي الحقيقية أو مذكراتي الشخصية في الرواية وقد نجحت على العموم في ذلك إلا ما ندر في بعض المواضع منها وهذه الندرة تصيب حتى الروائيين الكبار.. أما النصوص التي كانت أقرب إلى جمالي الخيالي فهي النصوص التي تعلقت ببابل السفلى ووصفي لجنائنها المعلقة ومروجها وصروحها وانسيابية الحياة فيها كقيثارة تعزف بها أميرة ماهرة. * استخدمت الأشكال الحيوانية كالأسود والنمور والغزلان وكلاب الصيد وغيرها التي رسمها البابليون القدماء على جدران شوارعهم العملاقة الرئيسية وكانت مكسوة بكاملها بالمرمر الأزرق والرخام الأبيض والقرميد الملون وكأننا أمام متحف تاريخي.. هل أردت أن تبرز الهوية الفنية لبابل القديمة أم لأن السياسة والتاريخ مرتبطة بالفن؟ ** كما ذكرت فإن تأريخ بلاد الرافدين قد غيب عن ذاكرة الأجيال السابقة واللاحقة ومنه تأريخها الفني الذي حاولت إبرازه كأحد الأعمدة التي بنيت عليه تلك الحضارة العظيمة.. ولو سلطنا الضوء على عشر معشار الحضارات التي احتوتها بلاد ما بين النهرين كما تم تسليطه على الحضارة الفرعونية لاكتشفنا أننا أمام عمق حضاري وتأريخي يحتاج إلى خمسمئة سنة حتى ننتهي من تنقيبه وإحصائه كما نوهت بذلك إحدى الألمانيات العالمات بالآثار والمختصة بتأريخ العراق القديم. * تراب الحياة وطاقية الإخفاء ومثلث الموت ثالوث استثنائي استخدمته بقدرات خارقة لتصنف الرواية من روايات الخيال العلمي أم أدوات لضمان نجاح الرواية؟ ** هذه القدرات الخارقة التي تصاحب أبطال الرواية والأماكن السحرية الغامضة هي جزء لا يتجزأ من نبوءتي للمستقبل التي تقول إن الصراعات الروحانية على مستوى الدول سيكون لها القول الفصل في هيبة تلك الدول وقوتها. فمن كان يصدق قبل مئة عام أن النواة الذرية سيكون لها القول الفصل على حساب الأسلحة التقليدية. * يصور المؤلف واقع السجون في العراق كسجن «أبو غريب» و»بوكا»، والفظاعات المقترفة فيهما وغيرها من الانتهاكات وكأنها صرخة في وجه الإهمال والتهميش الذي عانى ويعاني منه العراق في مجال حقوق الإنسان؟ ** عندما يكون الإنسان أرخص ما يكون ونعتقد أن ظلم الفرد في زنزانة سوداء بعيدة عن الأنظار لا يضر المجتمع ولا نعبأ بتشتيت وتهجير أفراد قلائل عند ذاك أنتظر من ذاك البلد الانهيار فما بالك بجملة من الانتهاكات والتجاوزات التي ارتكبت وترتكب يومياً في بلاد يسودها السواد وكلما اقتربنا من نهاية النفق زاد طوله وظلمته. الصمت والحياد * المثقف العراقي وريث تلك الحضارات والامتداد الطبيعي لها.. هل من واجبه أن يقوم بالدفاع عنها خاصة في هذه الظروف الحالكة الظلام والتي تريد محو هوية ذلك الانتماء؟ ** عندما يقف المثقف وخاصة المثقف العراقي في منطقة السكوت أو على الأقل في منطقة الحياد فأن ذلك يعني هزيمة نكراء تضاف لهذه الحقبة من تأريخنا والتي لا أتصور أن الأجيال القادمة لن تسامحنا على صمتنا وتخاذلنا.. ولذلك من أهم واجبات المثقف في هذه المرحلة هو الدفاع والتصدي لكل محاولة تريد النيل من حضارته أو الحضارة أو الحضارة الإنسانية بكل أوجه رموزها ومشاربها. * بعد كارثة تدمير متحف الموصل نشرت في صفحتك الثقافية على الفيسبوك (رابطة الثقافة الدولية): عندما نفسر الأحكام على هوانا... عندما نطلق الغباء الفقهي على تصوراتنا... عندها سندرك أن الشخوص الأثرية التي حطمناها كانت في يوم من الأيام قد حطمت إسرائيل القديمة وحطمت عيلام الفرس اللئيمة، وحطمت أحلام الأمم التي تداعت على بلاد الرافدين.. فيا طوبي لأعداء العراق وليعتبروه عيداً أخذوا فيه انتقامهم من بقايا الحضارة التي هزمتهم بقوتها في يوم ما. هل ما أشرت إليه يمثل نقطة تحول في غلبة العقل الترجيحي المستنبط من أحكام الشرع.. على الأثر التأريخي الديني المتزمت؟ ** هنالك جدلية كانت ولا تزال قائمة ما بين المحافظين الدينيين الذي لا يقبلون ويرفضون أي تغييرات تمس شمولية الشرع وأحكامه والدين والتزاماته حتى لو كان حكماً أو تصرفاً فرعياً حدث في سالف الأزمنة لواقعة ما وهو ما يطلق عليهم في الغرب «الأصوليون». وما بين دعاة التجديد الذين يستمدون أدلتهم في التغيير من تغيرات الواقع وتقلبات الأزمنة دون المساس بالثوابت الدينية.. هذه الأزمة الجدلية هي التي دعتني أن أكون من الفريق الثاني الذي يدعو إلى فهم روح العصر واستمداد الدروس القيمة من أئمة السلف الصالح الذين فهموا الغاية من تلك الأحكام.. ولذلك قلت ما أشرتم إليه. وبالمناسبة هذه الأزمة الجدلية ليست مقتصرة على البيئة الإسلامية وإنما نجدها في جميع الأديان. * النهاية الدراماتيكية للرواية قد يعيبها استنزاف تشويق القارئ بالفصول السابقة عبر الشد الطويل.. وذلك التنقل بين الفصول لأحداث مترامية الابتعاد بين التاريخ والرموز والعلم والفلسفة والأديان ومخططات الولايات المتحدة واستمرار المفاجآت الحدثية؟ ** الحبكة هي كانت الحل لذلك الاستنزاف ولذلك المهارة فيها مطلب ضروري حتى لو كان فيها بعض الشد الطويل وهذا ما فعلته بتقنية كتابة الرواية. * «لعنة برج بابل» اختصرتها في 3 كلمات: الوطن الحب الحرب، ماذا تعني هذه الكلمات لك؟ ** إنها تعني الحياة التي كنت شاهداً عليها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©