الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«التنورة»..إبداع حركي يسمو بالمعاني الروحية

«التنورة»..إبداع حركي يسمو بالمعاني الروحية
3 يونيو 2017 18:36
عمرو أبو الفضل (القاهرة) رقصة التنورة من أجمل الفنون الشعبية التراثية وأكثرها إبهاراً وحيوية، فهي ليست مجموعة حركات فحسب، ولكنها إبداع حركي تتداخل فيه المعاني الروحية السامية مع روعة الأداء وثراء ألوان الأزياء والتشكيلات الفنية البديعة التي يصحبها الإنشاد والأدعية ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم، في تناغم غايته تطهير النفس وعقد الصلة ما بين السماء والأرض. وتعود جذورها إلى تركيا في القرن الثالث عشر وارتبطت بالتكايا، حيث كان كل أمير أو شيخ طريقة صوفية يقيم تكية، أو مضيفة لأبناء السبيل والفقراء والغرباء والدراويش، وداخلها تقام حلقات الذكر التي تقوم بأداء حركات تعبيرية بشكل دائري جماعي، ولمدة ساعات طويلة، وتنبع من الحس الصوفي ذي أساس فلسفي يؤمن أن الحركة في الكون تبدأ من نقطة وتنتهي عند ذات النقطة. وتشير دراسات إلى أن الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي هو أول من قدم رقصة الدراويش أو المولوية، فقد اشتهرت حلقات الذكر التي كان ينظمها بمشاركة أعداد كبيرة من الدراويش بملابسهم مختلفة الألوان، ويرددون لفظ الجلالة، ومع كل ترديده يقومون بانحناء رؤوسهم وأجسادهم، ويخطون باتجاه اليمين فتلف الحلقة كلها بسرعة وبعد فترة قصيرة يبدأ أحد الدراويش بالدوران حول نفسه وسط الحلقة، وهو يعمل برجليه معاً ويداه ممدودتان ويسرع في حركته، فتنشر تنورته على شكل مظلة وتظل لمدة عشر دقائق، ثم ينحني أمام شيخه الجالس داخل الحلقة، ثم ينضم إلى الدراويش الذين يذكرون اسم الله بقوة، وبعدها يدور الراقصون حول مركز الدائرة التي يقف فيها الشيخ، ويندمجون في مشاعر روحية سامية ترقى بنفوسهم إلى مرتبة الصفاء الروحي ويستغرقون في وجد كامل يبعدهم عن العالم المادي. ومع دخولها مصر، استطاع الفنان المصري تطويرها، واشتق منها «رقصة التنورة» وجعلها فناً متكاملاً قائماً بذاته، وأكسبها طابعاً خاصاً، وأدخل الآلات الشعبية كالربابة، والمزمار، والصاجات، والطبلة، والأغاني، والدعاء، والذكر، والمديح، ومواويل شعبية تعبر عن الكرم والمحبة والسلام والحكمة بين الناس، وابتهالات خالصة تعكس تصورات المصري عن الحياة والموت والكون، الأمر الذي جعلها لا تتحدد بحدود الطقس الديني المباشر، وإنما تدخل برشاقة في قالب الفن الشعبي الجماهيري القائم أصلاً على المهارة الحركية، فضلاً عن تصميم الملابس المميز بالرقع والخرق وثراء ألوان التنانير، والقيم التشكيلية المصرية التي تنبض بها البيئة المحلية، فالتنورة «اللفيف» التي يرتديها الراقص تصل لثلاثة وأحياناً أربعة تنورات يتم صنعها من القماش الخشن الذي يصنع منه الخيام ليحتمل الاستخدام الشاق وتيارات الهواء المتدفقة أثناء الدوران، وتستلهم ألوانها من الأعلام والبيارق الخاصة بالطرق الصوفية، ويبلغ طولها سبعة أمتار، ووزن الواحدة ثمانية كيلو جرامات. كما يرتدي «السبتة» أو الحزام على نصفه الأعلى بهدف شد الظهر وهو يدور، بينما يتسع الجلباب من الأسفل ليعطي الشكل الدائري طرفه عند الجانب الأيسر. وتعتمد هذه الرقصة على الفن الإيقاعي وقدرة الراقص على إظهار مهاراته ورشاقته في استخدام وتشكيل التنانير ولياقته البدنية وتوظيف الرقص بالفانوس والدفوف، مما يجعلها تحتاج إلى تدريب متواصل، ولذلك فهي تكاد تكون قاصرة على الرجال. وجعلت كل هذه العناصر والمفردات «التنورة» توليفة تجمع بين فلسفة الحياة والنزعة الصوفية والفلكلورية المصرية، حيث ترمز التنورة بحركاتها الدائرية إلى حركة الكون وفلسفة الحياة، ويرمز راقصوها إلى الشمس التي تدور حولها الكواكب، وتعكس حركاتهم التعبيرية نمطاً معيناً من الفكر والفن والتراث الثقافي، تبدأ أثناء دورانهم بالتنورة ذات النقوش العربية والألوان الزاهية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©