الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

موسم جمع الطحالب ..رحلة شاقة للبحث عن «الذهب الأحمر»

موسم جمع الطحالب ..رحلة شاقة للبحث عن «الذهب الأحمر»
10 أكتوبر 2009 00:36
يغامر أكثر من 3000 شاب مغربي بحياتهم وأرواحهم وسلامتهم البدنية لتأمين رزقهم اليومي، وتوفير الضروريات الحياتية لعيش أفراد أسرهم أو لتوفير المال اللازم لتغطية مصاريف الدراسة الجامعية لهم أو لأفراد عائلتهم. شبان أعمارهم تترواح ما بين 25 و 36 سنة، وينتمون إلى الفئة الاجتماعية الفقيرة، يستغلون شهور الصيف لا للاستمتاع بجمال الشواطئ المغربية وشمسها المشرقة، ولكن للغوص في أعماق البحر بأدوات بدائية وتقليدية لاستخراج وجني الطحلب الأحمر الذي يكثر في شواطئ مدينتي آسفي والجديدة ومنطقة سيدي عابد القريبة من مدينة الجديدة التي تقع جنوب الدار البيضاء (95 كيلومترا). تجميل وصحة يخلق هذا الموسم، الذي يبدأ من شهر يونيو ويمتد حتى شهر يناير، الرواج لآلاف من الشبان، فهو موسم جني الطحلب الأحمر الذي يحمل الاسم العلمي «جيليدوم سيكيبدال»، وهو المادة الأساسية لاستخراج خامة باهظة الثمن تحمل الاسم العلمي «تاجا جاجار» التي تدخل في صناعة عدد كبير من المواد التجميلية والصيدلية التي تنتجها وتسوقها شركات عملاقة عابرة للقارات، ومن دون هذه الطحالب التي يستخرجها هؤلاء الشبان البسطاء لن تدور عجلة المصانع المتخصصة في صناعة المستحضرات التجميلية والصيدلية التي تعود على الشركات التي تنتجها وتسوقها بملايين الدولارات. وبدون هذه الطحالب لن تجد نساء العالم ما يحملنه في حقائبهن من مواد التجميل الغالية، لأن هذا الطحلب، أو كما يطلق عليه البعض «الذهب الأحمر» هو المادة الخام لصناعة المراهم الواقية من الشمس والمراهم التي تخفي التجاعيد والكثير من أنواع المستحضرات الدوائية والتجميلية والمواد الأولية التي تساعد في تصبير المواد الغذائية كما تصنع من الطحالب الحمراء مواد ومستلزمات طبية باهضة الثمن. وتدخل الطحالب في صناعة عدد كبير من الأدوية ومضادات حموضة المعدة والأدوية الأساسية لعلاج الحروق الخطيرة، والطحالب غنية جدا بمادة اليود والكالسيوم والحديد والمنجنزيوم، وبعض أنواع الطحالب تصنّع منه مواد وأدوية لمعالجة أمراض القلب والشرايين والحد من إصابات تجلط الدم. معاناة الباحثين يقول أمجد أحد الشبان الذين يغوصون بحثا عن الطحالب:»قبل 15 سنة كان هذا النوع من الطحالب متوفرا جدا، وكنا نجني منه الأطنان يوميا وكنا نربح المال الوفير من هذه المهنة الشاقة التي لا يعرف إلا القليل من الناس مدى خطورتها، فجميع هؤلاء الغواصين يعانون من أمراض الروماتيزم وآلام الظهر والعمود الفقري، والبعض يفقد حياته غرقا في أعماق البحر». ويضيف:»نغامر بحياتنا لنستخرج الطحالب من أعماق البحر، وهذا يكلفنا الكثير من الجهد والوقت، ووسائل متواضعة جدا «خراطيم المياه» وقوارب بدائية الصنع وأغلبها خشبة متآكلة من كثرة الاستعمال، والكثير منا لا يملك أسطوانات الأكسجين الضروري لعملية التنفس، كما لا يملك أغلبنا ملابس الغطس»، موضحا:»نقضي 10 ساعات لنجني كيلو جرامات قليلة نجلبها من أعماق البحر الباردة التي قد تتجاوز الـ 20 مترا، وبعدها يأتي أفراد عائلاتنا لتسلم المحصول وتجفيفه على الرمال تحت أشعة الشمس الحارقة، ثم يجمع المحصول ويحمل إلى حيث نجد من يشتريه منا بدراهم قليلة، هذا الوسيط الذي يشتري منا المحصول اليومي من الطحالب يقوم بدوره ببيعه مجففاً لوسطاء آخرين يبيعونه بدورهم لشركات تسوق هذا المنتج إلى شركات إسبانية أو فرنسية أو أميركية أو صينية». وعلى الشاطئ يجلس طفل صغير يبلغ عمره 10 سنوات، باسطا تحت الشمس الحارقة كومة من الطحالب الحمراء جمعها من مكان تتجمع فيه القوارب الصغيرة المحملة بالحالب، يقول الطفل الذي رفض ذكر اسمه : «أنا أحرس تلك الكومة من الطحالب لأبيعها لأنني يتيم الأب وأريد أن أجمع بعض المال لأساعد به أمي وأشتري لوازم المدرسة « الرواد الإسبان يقول أحد القدماء في هذه المهنة الشاقة:»خلال سبعينيات القرن الماضي حين تنبه الإسبان إلى القيمة العالية للطحلب الأحمر الموجود هنا أوفدت شركة إسبانية خبراء في الغوص وجني الطحالب إلى مدينة الجديدة، وذلك بقصد تدريب الشباب المغربي في هذه المدينة على الغوص وجني الطحالب، وقد استنزفت هذه الشركة التي تملك قوارب عملاقة مجهزة بأدوات الوقاية والتنفس كل ما كان هنا من الطحالب الحمراء ، وكانت هذه الشركة تصدّر الطحالب انطلاقا من وحدة للتجفيف والتخزين تتواجد في مدينة المحمدية القريبة من الدار البيضاء». ويعتبر المغرب ثالث دولة في استخراج الطحالب الحمراء التي تجفف وتصدر للأسواق العالمية، لكن انخفاض محصول الطحالب بفعل التغييرات المناخية والاستهلاك والجني المسرف، جعل هذا المحصول المغربي يتراجع بشكل مهول ليصل إلى ألف طن فقط في السنة، بعد أن كان يتجاوز 10 آلاف طن خلال ستينيات القرن الماضي، كما تجد الطحالب المغربية الحمراء، رغم جودتها وندرتها، منافسة شرسة من طرف دول آسيا. شركات عملاقة ويردد العاملون في استخراج الطحالب أن شركات عملاقة تستغلهم لشرائه بثمن بخس، ويقول أحدهم «إن هذا النوع من الطحالب أصبح نادرا جدا، ونحن نتحمل المشاق العظيمة لنستخرج كميات قليلة منه يشتريها منا وسطاء بأبخس الأثمان وهم بدورهم يبيعونها لشركات تتواجد مقراتها في مدن الدار البيضاء والمحمدية والقنيطرة، وتلك الشركات تصدر الطحالب مجففة إلى شركات عالمية عملاقة لا نعرفها ولا أحد من هؤلاء الشباب يعرف مكاتبها أو حتى مواقعها الإلكترونية، ونحن نعرف جيدا أن هؤلاء يشترون منا الطحالب بأبخس الأثمان ليجنوا من عرقنا ملايين الدولارات التي يجنونها من المواد التي يسوقونها، والتي يعتبر فيها هذا النوع من الطحالب المادة الأساسية». ويضيف:»الكثير من قنوات تلفزيونية عالمية خاصة الأوروبية واليابانية زارتنا في هذا المكان وصورت المشاق التي نتحملها بوسائل بدائية ومتواضعة لكي نستخرج هذا «الذهب الأحمر» الذي تغتني به الشركات العملاقة، والذي يصنع بؤسنا ويزهق أرواحنا، فكم من واحد منا غرق في أعماق البحر ليجني الطحالب ولم يعد». من جهتها، تدرك السلطات المغربية أن الطحالب هي الغذاء الوحيد للأسماك التي بدورها أصبحت نادرة، لكنها تبقى مكتوفة الأيدي لأن جني الطحالب مصدر عيش الآلاف من الأسر المغربية
المصدر: المغرب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©