الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأرامل السود ··· عالم الانتحاريات

الأرامل السود ··· عالم الانتحاريات
4 أغسطس 2008 00:49
نفذت أربع نساء أخريات عمليات انتحارية في العراق هذا الأسبوع، لتزدن بذلك عدد الهجمات التي نفذتها نساء إرهابيات في ذلك البلد هذا العام إلى 27 تقريباً· ولاشك أن كل من قرأ الصحف أو شاهد التلفزيون صادف عدداً من الأفكار الخاطئة المتداولة بين الجمهور حول الأسباب الأصلية للإرهاب النسائي الانتحاري؛ حيث يقال لنا مثلاً إن النساء يصبحن انتحاريات بسبب اليأس، والأمراض العقلية، والخضوع للرجل لأسباب دينية، والإحباط بسبب اللامساواة بين الجنسين، وعدد من العوامل الأخرى المرتبطة بالنوع على وجه الخصوص· بيد أن المشكلة الوحيدة تكمن في أن هناك أدلة قليلة جداً على وجود دوافع خاصة بالنساء وراء الهجمات التي ينفذنها· لقد أمضيت السنوات القليلة الماضية في دراسة كل الهجمات الانتحارية النسائية المعروفة عبر العالم منذ 1981 -في أفغانستان وإسرائيل والعراق والهند وباكستان وروسيا وسريلانكا وتركيا وأوزبكستان· ومن أجل تحديد دوافع هؤلاء النساء، قارنتُ البيانات مع قاعدة بيانات ''مشروع شيكاغو حول الإرهاب الانتحاري'' التي تشمل كل الهجمات الانتحارية المعروفة في العالم خلال الفترة نفسها· وقد أفضى هذا البحث إلى خلاصة واضحة وهي أن الدوافع والظروف الرئيسية التي تحرك النساء الانتحاريات تشبه كثيراً الدوافع التي تحرك الرجال· وعلاوة على ذلك، فإن بحث القوى والعوامل التي تحكم النساء الانتحاريات لا يساعد على تصحيح أفكار خاطئة وشائعة فحسب، وإنما يكشف أيضاً عن خصائص مهمة حول الإرهاب الانتحاري بصفة عامة· وفي البداية، ينبغي الإشارة إلى أنه لا يوجد بكل بساطة بروفايل ديمغرافي واحد للنساء الانتحاريات· فمن الشيوعيات غير المتزوجات اللائي كن أول من تبنى الإرهاب الانتحاري من أجل طرد القوات الإسرائيلية من لبنان في الثمانينيات، إلى ما يسمى ''الأرامل السود'' في الشيشان اللاتي ينفذن هجمات انتحارية بعد مقتل أزواجهن في المعارك، إلى المنتميات إلى حركة ''نمور التاميل'' الانفصالية في سريلانكا، تكشف السير الذاتية للنساء الانتحاريات تشكيلة واسعة من التجارب الشخصية والأيديولوجيات· وإذا كانت قصص النساء الشابات المضطربات نفسياً اللاتي يرغمن على تنفيذ الهجمات تشكل أخباراً لافتة ومثيرة (وتؤكد عن حق وحشية المنظمات الإرهابية)، فإنها تمثل أقلية قليلة فقط من الحالات· فعلى سبيل المثال، هناك احتمال كبير لأن تكون النساء الانتحاريات في منتصف العشرينيات وأكبر سناً من الانتحاريين الذكور· إضافة إلى أن مزاعم الإكراه والإرغام فيها كثير من المبالغة؛ وعلى سبيل المثال، فإن المزاعم التي رُوج لها كثيراً بأن المرأتين اللتين قتلتا العشرات في تفجير بغداد الأخير كانتا مريضتين عقلياً تبين لاحقاً أنه لا أساس لها من الصحة· ثم إن الإشارة بإصبع الاتهام إلى الأصولية الإسلامية، في هذا المجال، خطأ أيضاً؛ ذلك أن أزيد من 85 في المئة من النساء الانتحاريات منذ 1981 ارتكبن هجماتهن باسم منظمات علمانية؛ والكثير منهن نشأن في عائلات مسيحية وهندوسية· علاوة على كون المنظمات الإسلاموية عموماً ليست هي الأكثر توظيفاً للنساء في القيام بهجمات انتحارية· ففي بداية انتفاضة 2000 على سبيل المثال، قال الشيخ أحمد ياسين، مؤسس ''حماس'': ''إن المرأة الشهيدة تمثل إشكالية بالنسبة للمجتمع الإسلامي؛ والرجل الذي يجند امرأة ينتهك الشرع الإسلامي''· ويُذكر هنا أن ''حماس'' رفضت تجنيد دارين أبوعيشة، المهاجمة النسائية الفلسطينية الثانية، التي نفذت تفجير 2002 باسم ''كتائب شهداء الأقصى'' العلمانية· فما هي الدوافع التي تحرك النساء الانتحاريات إذن؟ الواقع أنها دوافع مشابهة لتلك التي تدفع الرجال إلى تفجير أنفسهم في مهمات انتحارية· ذلك أن 95 في المئة من الهجمات التي نفذتها النساء الانتحاريات حدثت في إطار أعمال مسلحة ضد قوات احتلال أجنبية، وهو ما يشير إلى أن المنطق الاستراتيجي الرئيسي، على مستوى عام، هو تحقيق مطالب أو مكاسب لفائدة المجموعة الإثنية التي تنتمي إليها الانتحاريات· وعليه، فإن الدافع الفردي الرئيسي بالنسبة لكل من الانتحاريين والانتحاريات هو تشكيلة من التظلمات الفردية والجماعية· ولأن المنظمات الإرهابية تعي جيداً هذه التشكيلة من الدوافع الفردية والجماعية للانتحاريين والانتحاريات، فإن تكتيكات التجنيد التي تستهدف النساء على الخصوص تشمل حججاً متعددة، ومتناقضة أحياناً، مثل الدعوة لمشاركة متساوية ومتكافئة بين الجنسين، والانتقام، والقومية والدين· وعموماً يمكن القول إن كل المنظمات العلمانية التي توظف التفجيرات الانتحارية استعملت النساء الانتحاريات· فعلى سبيل المثال، فإن 76 في المئة ممن نفذوا هجمات ''حزب العمال الكردستاني'' هم من النساء، على غرار 66 في المئة من انتحاريي المنظمات الانفصالية الشيشانية، و45 في المئة من انتحاريي ''الحزب القومي الاجتماعي السوري''، وربع انتحاريي عمليات ''نمور التاميل''· أما المنظمات الدينية، فلم تدرك القيمة الاستراتيجية للنساء الانتحاريات إلا بعد أن رأت نجاح المنظمات العلمانية· فعلى سبيل المثال، قالت عميلة في تنظيم ''القاعدة'' تسمي نفسها ''أم أسامة'' لصحيفة سعودية في مقابلة عام 2003: ''إن فكرة النساء الانتحاريات انبثقت من نجاح العمليات الاستشهادية التي نفذتها شابات فلسطينيات في الأراضي المحتلة''· لينزي أورورك باحثة أميركية في العلوم السياسية بجامعة شيكاغو ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©