الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التباس البداية والنهاية

التباس البداية والنهاية
6 ابريل 2011 21:36
هل هناك نهاية حتمية ومؤكدة للنص؟ أم أن هناك نصوصا أدبية لا تنتهي وتبقى أحداثها وشخوصها رهن أسئلتنا، وحضورهم في داخلنا؟ وهل هذا يعني كثيرا لدى القارئ الجديد مع النص الحديث؟ لعل هذا ما جعل الروائية السعودية فاطمة فهد تضع عبارة “قد تكون انتهت” في الأوراق الأخيرة من روايتها الأولى “أمل بيّأس”. هذه الرواية تحكي قصة مجموعة من الشخوص، منهم من يلعب دورا أساسيا مثل الراوي، التي تدير الأحداث في صورة دائرية مع حور وجميلة كبطلتين تلعبان دورا هاما في مجريات الأحداث، بالإضافة إلى مجموعة أخرى توزعتهم الصفحات مثل بشاير الفتاة الجريئة والمنفتحة والمغفلة في آن واحد، وماجد وليانا وأحمد. ويكاد يجمع كل هؤلاء بالإضافة إلى أمل، قصة واحدة وإن تشظت واختلفت من ظرف لآخر ومن ملامح لملامح مختلفة. فهي قصة مجتمع يطرح أسئلته الجديدة عن علاقة الرجل والمرأة في مجتمع مليء بالضبابية والمغامرة وبالرؤية غير الواضحة لأقرب التصورات المطلوبة. أحداث هي أقرب للواقع بل سنعثر في واقعنا على الكثير والمتشابه معها، لكن فاطمة فهد استطاعت أن تتوغل بنا داخل هذه الأسرار تحركها وتغربلها وتنضجها وتمس بها حساسية المجتمع من قضايا ظلت معلقة في الحياد بلا حسم، وبقيت مداراته تمر كثيرا دون أن يكترث لها أحد، وهي لا تترك لنا في روايتها تلك النهايات الحاسمة والرتيبة بل تنتقل من شخص لآخر فتتشابك شخصيات العمل ـ القريبة في الحقيقة من بعضها ـ فحور تعرف جميلة وأمل صديقتهما، ومن خزانة الألم والأمل تكتب التفاصيل الغائرة في مأساتها وأفراحها الصغيرة، بين مجتمع لا يبدو أنه يقيم وزنا لعلاقات جادة بل هامشية ولحظوية كما في بدء الرواية حيث الريمات.. ريم 1 وريم 2 الخ.. وتلك الأقنعة التي بدأت فيما يشبه التسلية، وسرعان ما بدأت تستشعر واقعا صعبا ومنعطفات مهمة وتماما كما تصف أحمد: “لكن قلبه وقع حائرا تحت رجليه لم يكن في يده سوى تقفيل الأبواب وتدوير المفتاح وسلك دربا أتى منه تاركا خلفه نهاية حب وبداية نهاية حور بين أب غاضب وهناء مشاركة”، وهو ما تعبر عنه حور في صرختها: “يالجهلي لم أكن أعلم أني مجرد إحدى تجاربك العديدة رغم ما يربطني بك من علاقة مقدسة شوهتها أنت والكثير من أمثالك”. إنها صورة الحب في “أمل بيأس” تلك الصورة التي تشرق أحيانا بمثالية وشفافية في أسمى المعاني وأجملها وفي صورة أخرى بالخيبات والأحلام الموؤدة على حبال الخيانة والحظوظ المتعثرة والدروب الشائكة، تلك الحظوظ التي قد لاتكون جيدة مع من هو يستحقها بل العكس صحيح وهذه لعبة الحياة في أقدارها وهو لغزها المحير والغامض، لكن سرعان ما يبدآن في استشعار هذه المخاطر برغم عاطفة جارفة تغمض عينها باتجاه ما تريد: “غريب حالها تلك الأنثى تهدي قلبها لأول عابر في تعايشه وكأنه ضرير”، بل وحتى في تجربة أخرى لا تكاد الحياة تهب سوى القليل من المأمول والمتوقع والمرجو، وربما حور خير شاهد حيث تحتدم حكايتها بالكثير من لغة الأسى والتجوال في عالم حزين يحيطها ويجرعها في كل مرة مرارة أن تتكسر الأحلام وتتشظى الأمنيات وبلا سبب أكيد سوى وجود عقلية مزدحمة بتفاصيل المنع والجفاف. وخلف كل هذا تكبر حكايات أخرى بتفاصيل أكثر أو أقل لكنها في مجملها تكون مشهدا ورؤية واقعية وصارمة وقريبة مما يدور في مجتمع أمل وهي تنجح في توظيف قضايا اجتماعية أخرى تمررها من خلال النص وتحاول أن تضعنا أمام إشكالياتها مباشرة، خصوصا في مجتمع ذكوري تتكرس فيه قيم محددة لا يمكن المساس بها برغم أنها ليست قيما ولا منطلقات صحيحة أو منطقية غالباً، إلا أنه المجتمع يتشبث بها ويجعلها قانونا يسري على الجميع وقد نلحظ هذه النظرة وتلك القوانين في الحوار الذي يتحدث عن ارتباط جميلة أو ثنايا حديث حور عن عادات معينة للزواج مثلا، بل وتتركنا الرواية مع سؤال آخر عن من هي حور تلك القريبة حتى كأننا نسمع نداء روحها بغد أجمل وأمل التي تتساءل: “من أنا؟ لست أدري غير أنني أمل.. أنا الأمل العابس.. وأنا الماضي بحاضرٍ شاحب.. أنا الحلم الواقع وأنا كل الذي كان ولم يكن”، في إشارة خفية لإعادة اكتشاف ما يخبئه النص في لعبة الأقنعة والأصوات، خصوصا وهي تقول في آخر الصفحات التي اتسمت بروح شاعرية أكثر ولغة أجمل “أنا هي أمها أنا نبضها وكل ما جال بها وتدافعت له الأنفاس من حروف، هي تراقص أوجاعى بها وبهم، هي حور وجميلة”. من هنا تنتهي آخر أوراق النص الروائي بطريقة أشبه ماتكون بالفلاشات الوامضة وبطريقة شعرية متوزعة بين أمل وشيماء ووميض الذاكرة.. تاركة لنا حرية أن نضع الخيارات الحاسمة والنهائية وقراءة النص من أوجه مختلفة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©