الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إنني أرتعد من المعرفة فالقتل مهنة أيضا

إنني أرتعد من المعرفة فالقتل مهنة أيضا
6 ابريل 2011 21:38
ولدت أسكانو كابوزكو العام 1960 في العاصمة الأوكرانية كييف وما زالت تعيش وتعمل فيها. تخرجت في قسم الفلسفة من جامعة المدينة العام 1982 ثم حصلت على شهادة الماجستير في فلسفة الفنون من القسم ذاته 1987. تابعت دراساتها العليا في جامعتي بطرسبورغ (روسيا) وهارفارد (أميركا)، حيث قامت في الوقت نفسه بتدريس اللغة والأدب الأوكرانيين في غير جامعة أميركية وأوروبية منذ العام 1992. تكتب في الدوريات المتخصصة في القضايا الفلسفية والأدبية، فضلاً عن أنها كاتبة مقالة في أهم الأسبوعيات في بلادها. رأست رابطة أسرة القلم الأوكرانية وهي الآن واحدة من الأساتذة اللامعين في حقل الكتابة الإبداعية في الوسط الأكاديمي الأوكراني. ترجمت أعمالها إلى اللغات الأساسية في شرق أوروبا مثلما حازت العديد من الجوائز، كما ترجم العديد من أعمالها إلى الانجليزية وصدرت في كامبريدج ونيويورك. والحال، أن قصائد كابوزكو تنطوي على اعتداد ملحوظ بأنوثة مقاتلة، إذا جاز التوصيف، غير أن هذه العزيمة قد انبنت على إرادة حرّة وثقافة رفيعة ربما هما الأساس في موقفها السياسي المنحاز للثورة البرتقالية التي جرت في بلادها قبل أعوام عديدة .. في قصيدتها “كليمنسترا” من الممكن الربط، تأويليا، بين الإحساس العاطفي الحارّ للأنثى التي هي “ذات ساردة” في القصيدة مشبعة بالميلودرامية من جهة وبين الإدراك العميق لحراك التاريخ من جهة أخرى. يبقى القول إن قصيدة “كليمنسترا” تنطوي على الإشارات الميثولوجية الإغريقية التالية: كليمنسترا، التي تأخذ أهميتها في الإلياذة من أنها زوجة أغاممنون وحربه على طروادة التي لم تكن بدافع استعادة هيلين، بل طمعا في الممالك الأخرى فتبقى كليمنسترا شخصية بلا معنى مقارنة بسواها من نساء ميثولوجيا الإغريق أما كاساندرا فهي المرأة التي اتخذها أغاممنون زوجة أخرى خلال الحرب كما أنها ابنة ملكي طروادة بريان وهيكوبا في حين أن أغيستوس هو عشيق كليمنسترا الذي خطط معها لقتل أغاممنون حال عودته من الحرب إلى مدينته ميسيناي. شعر: أسكانو كابوزكو اختيار وترجمة: جهاد هديب كليمنيسترا عاد أغاممنون إلى البيت. إنه يرتقي الدرجات، خلفه الشمس، يرِّن بنحاسه الأصفر مثل آلهة حرب ثملة، تصرُّ صفائحُ تدلَّتْ من درعه. أوقفها، لا أرغب بها لا أرغب برائحة الحيوان التي لفمه؛ أو بيديه السوداوين ـ بأظافرهما الجليدية ـ تلك اليدان اللتان تمزقا ملابسي كما لو كنت جثة في ساحة قتال وتحت أظافره ما تزال نتنةً تماما المِزَقُ من ملابس الذبيحة والزغبُ من شعرها. حقّا، ربما لستُ امرأة. لا أريد أنْ أصرخ وأتلوى بسعادة مميتة مطعونةً بسلاحه الذي يومض منقوعةً في قَدْرٍ هائلٍ من السعادة الفاسدة لسلطته الملكية؛ أتجمّلُ تحت جسده بعصارة موتٍ دبقةٍ يقطرها عليّ؛ أكره أنينَ المصطفاة الذي سوف يندُّ عن حلقي؛ أكره موجةً من وَهَنٍ سوف تطوِّقُني وعجينيةُ القوامِ تلك الرقبة ذات الندوب التي فوقي عندما أفتح عينيَّ. آه يا ابن آتريوس! كيف أنّ طروادة، امتدت وانتشرت تحتك. تستهدف سهامك أيَّ حيٍّ، مرنٍ ورشيقٍ أهي الأيِّلُ؟ بريسيس؟ أم دم المرأة ساخنا يتدفق أسفلَ فخذيها ما يصنع نصرك، أقادرٌ أنْ تسيل الدم من جسدٍ كما يسيلُ رجلٌ طيّبٌ ماءً من الحجر؟ لم يكن الأمر لهفة إلى جماع أو طبيعة حيوانية بل شذوذ بين إنسان وحيوان كي تفتحَ كليتمنيسترا والأيِّل وكاسندرا؛ وميسيناي وطروادة. حقّا، ربما لستُ امرأة. عاد أغاممنون إلى البيت، فيما تنمو أبعدَ ظلالُ رائحةٍ من العتم والعرق. البرد. إنني أرتعد من المعرفة: القتلُ مهنة أيضاً! حياكةٌ وغزْلٌ ونقضُ غزْلٍ (مثل تلك المرأة من إيثاكا)، إيجا الصقيل جسدٌ مشرقٌ (ما الذي عليه أنْ يفعل بهذا؟) بزيتٍ يخفِّف الألم ـ ثمة سعاداتٌ من أجل يدين، واحتلالاتٌ من أجل يدين ـ إنما هذه ليست للملكة لا أكثر نبلا من لمس بثور الجدري بالأصابع، على سبيل المثال. كان من الأفضل ألف مرة لو فرَّ مع بضعة مهاجرين، قالت لدلفي ثم صارت قسيسةً، كي أنتسب عند كل عيد إلى كل موت أشَلٍّ، كي أُسْلِمَ نفسي على نحو أعمى لقوةٍ عمياءَ دون ضغينة فيما كلّي وجود في الأوقات والأزمنة ـ دهاء، مطاردة أرانب بالكلاب، غير مرئي... آه، كيف أشعر بالبرد! تصعد الدرجات، تدير ظهرك للشمس آهٍ شبيهَ إله وأكثر، أكثر من بغيض، أكثر من قاهرٍ أمشيتك فوق الدرجات (كل خطوة منها تعدل سنة من حرب طروادة) أوه، اقترب يا الأدنى، يا الأحب... ثملا باهتياجك نصف أعمى من أسود وأبيض ـ هو ما تخطّ الظلالُ من رقاع من الشمس على أرضيات الرخام ـ إنني باقية في بصيرتي، بالمقدرة كلها التي لمخيلتي، إنها غرفة صغيرة فقط حيث ستارتها كأنها انفجار قرمزي لمّا خطوْتَ خلفها، بإيماءة جليلة ووحيدة من يدي، الراسخة في البرد؛ في المعدن المطاوع لأهزمنّ ما أتممت ولأَبنِيَنَّ مملكة جديدة عالَما بلا أغاممنون. ما الشعر؟ أعلم أنني سأموت موتا صعبا مثلَ مَنْ تحبُّ موسيقى جسدها تلك المعتنى بها؛ مَنْ تعرف كيف تُخْرجها عنوةً عبر فجوات في الخوف كما لو عبر عين إبرة؛ مثل مَن ْ ترقص العمرَ كلَّه بجسدٍ، وكلُّ حركة للأكتاف والظهر والفخذين تتلألأ بغموض، ككلمةٍ سنسكريتية، تلعب العضلاتُ تحت الجلد مثلَ سمكٍ في حوضَ سباحةٍ ليليٍ. شكرا، يا الله، لأنك تمنحنا أجسادا. لمّا أموت أخبِرْ الذين عليهم أنْ يفكّوا السقفَ والعوارض التي تَدْعَمَه (ذكروا اسمَ أبَ جدّي، مشعوذٌ، أخيرا غادَروا من هذي الطريق). وفيما يرِّقُ جسدي من الرطوبة، انتفخت روحي وأعتمت ثم جحظت، وسوف ترشح مثلَ وريدٍ أزرقَ عن بياض بيضة تُسْلق، وسوف يتموَّجُ الجسد بتشنجاتٍ، كأنه دثارٌ على عليلٍ يغالبُ من السخونة وسوف تنهضُ الروحُ كي تنبلجَ من لحمٍ ينصر؛ ومن لعنةِ الجاذبية الأرضية الكونُ، الذي فوق السواد الكثيف للغرفة، سوف يمتصها بأنبوبه الكوني، سيشقُّ السماءَ سقوطُ نجمٍ غاضبٍ ويرسمُ صعودَ الروحِ إلى الحريةِ وهي ترتجفُ مثلَ شراعٍ من ورق روحي الشابة لونَ العشب النديّ ومن ثمَّ “قفي!” تصرخ، التي فرّتْ، على الحدّ الباهر بين عالمين قفي، انتظري. يا إلهي، أخيرا. حدِّقي، إنه من هنا يأتي الشعر تشير أصابعُ إلى عين المكان وتنتفض. ينبتُ بردٌ أغدو لستُ أنا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©