الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تصحيح التزوير.. الرسمي

تصحيح التزوير.. الرسمي
6 ابريل 2011 21:40
اعتبرت الممثلة التونسية الشابة ليلى واز بطلة فيلم “النخيل الجريح” أن تأثر بعض المشاهدين إلى حد البكاء عند مشاهدة الفيلم هو علامة نجاح كبير للشريط، وهي تؤكد أنها شاهدت المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد تبكي تأثراً بعد مشاهدتها للفيلم أثناء عرضه في الجزائر. وليلى واز جسدت دور فتاة اسمها شامة وهي في الفيلم طالبة في اختصاص علم الاجتماع وابنة شهيد تبحث عن حقيقة الظروف التي استشهد فيها والدها أثناء حرب الجلاء في مدينة بنزرت عام 1961، وهي الحرب التي خاضها التونسيون ضد فرنسا التي أبت الخروج من المدينة باعتبارها موقعا استراتيجياً رغم مرور خمس سنوات وقتها على حصول تونس على استقلالها (1956). كان والد شامة عاملا بسيطا في السكك الحديدية وتطوع مثل آلاف التونسيين وقتها لمحاربة الفرنسيين ومات برصاص الجنود الفرنسيين، وطواه مثل من مات معه النسيان، رغم ان تونس تحيي كل عام في الخامس عشر من شهر أكتوبر ذكرى معركة الجلاء، فالفيلم يقدم قراءة خاصة عن تلك الأحداث وتكتشف شامة ابنة النقابي الشهيد كمال بن محمود من خلال شهادات من بقي حيا ممن خاضوا تلك المعركة أنّ المؤرّخ ناجي ناجح (في الفيلم) زوّر الوقائع في المخطوط الذي سجل فيه مذكراته عن الأحداث التي عاشها باعتباره شارك إلى جانب والد البطلة في المعركة، بينما الحقيقة مخالفة لما جاء في مخطوط المثقف المزيف الهاشمي عباس. فقد أراد ان يظهر في مظهر البطل متعمداً غمط دور من كان معه. تتمثل القصة في سعي عائلة بسيطة إلى النّبش في ماضيها بحثاً عن الحقيقة بعد فقدانها أحد أفرادها في حرب الجلاء عن بنزرت، فالابنة شامة تركها أبوها طفلة عندما استشهد وعاشت أمّها 30 عاما على ذكرى زوجها الراحل، يقول خليل لصديقته شامة في الفيلم: “إني أريدك أن تتجهي إلى المستقبل والنظر إلى الأمام وأنت متشبثة بالنبش في الماضي والعودة إلى التاريخ”. فشريط عبد اللطيف بن عمّار يتناول موضوعا سياسيا عن حرب وما أحاط بها من عوامل. فهناك الكثير من السياسيين والمؤرخين ممن يعتبرون ان معركة بنزرت كانت خطأ استراتيجيا من قادة البلاد آنذاك وكان بالإمكان تفاديها بإجراء مفاوضات مع فرنسا. والمخرج يستعيد ذكرى حدث كاد يطويه النسيان، وهو يقدم قراءة خاصة به للحدث، ولكن ما عابه النقاد على هذا الشريط هو أن السرد للأحداث وللقصة عموما جاء رتيبا ولم تتوافر فيه عناصر التشويق والمتعة، على الرغم من الإدانة التي يتضمنها الشريط لسعي بعض المؤرخين إلى تزوير الأحداث لغرض أو لآخر. وتجري أحداث الفيلم في شتاء 1991عندما تلتقي البطلة شامة بالمؤرخ وكانت معجبة به وهو الذي حارب إلى جانب والدها في حرب بنزرت وقد خرج المؤرخ منتصرا وسقط والدها شهيدا وطواه النسيان، وهي عندما اكتشفت تزويره المتعمد للتاريخ كرهته. ويقول المخرج إنه بحث عن موضوع يهم المواطن، يكون فيه تفاعل مع قضايا تمس الناس فهو من أنصار السينما لخدمة قضايا ثقافية وتربوية، وهو يرى أن التاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون.. ويعترف بأنه التجأ لإنتاج مشترك مع الجزائر لأنه لو التجأ إلى الغرب لطلبوا منه إقحام لقطات تجارية فيه، أو إقحام أفكار أخرى في السيناريو تخدم رؤية مختلفة. كان أوّل عرض لفيلم “النخيل الجريح” للمخرج عبد اللطيف بن عمار في مهرجان قرطاج الدولي في دورته الأخيرة، وكان عرض الافتتاح خاصا به وتلك أول مرة منذ تأسيس المهرجان يتم افتتاحه بعرض فيلم سينمائي، كما تمّ عرض الفيلم بعد ذلك في الجزائر في الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم العربي، وقد حضرت العرض المناضلة الجزائرية المعروفة جميلة بوحيرد، ولكن المفاجأة أن الفيلم الذي سبقته دعاية كبيرة والذي تم اختياره ضمن قائمة الأفلام المرشحة للمسابقة الرسميّة لمهرجان أيام قرطاج لم يفز بأي جائزة. ويرى البعض أن التجاهل للفيلم في مهرجان قرطاج موجّه للمخرج عبداللطيف بن عمار وليس للفيلم في حد ذاته، ورغم أن المخرج كان ينتظر تتويجاً إلا أنه علق قائلا إنه يقبل قانون اللعبة. ولاقى الفيلم أثناء عرضه في الدورة الرابعة للفيلم العربي بوهران نجاحا كبيرا وصفّق له الجمهور أثناء عرضه، ورغم تغيب المخرج ـ لأسباب صحيّة ـ فإن الممثل ناجي ناجح تولى تقديم الشريط للجمهور، وكانت حاضرة أيضا المنتجة الجزائرية للفيلم نادية شرابي التي أعلنت للجمهور في ندوة صحفية أن الفيلم ليس تاريخيا ولكنه يصحح ما زوره التاريخ الرسمي. ومن أجمل لقطات الفيلم اللقطة التي يظهر فيها الشاعر الصغير أولاد أحمد، وعند عرض الفيلم لأول مرة في افتتاح مهرجان قرطاج الدولي في دورته الأخيرة صفق الجمهور طويلا لهذا المشهد الذي جمع فيه المخرج الشاعر بالمخرج النوري بوزيد والرسام نجا المهداوي، وأدى أولاد أحمد دور عازف ناي، والبقية هم أعضاء فرقة موسيقية، والحقيقة هو ليس دورا ولكنها لقطة أراد المخرج عبد اللطيف بن عمار تكريم ثلة من المبدعين في مشهد واحد. وتجدر الإشارة إلى انه بعد أيام من الثورة في تونس (يناير 2011) وأثناء حضور المخرج عبد اللطيف بن عمار جلسة نقاش للسينمائيين تعرض لنقد لاذع من بعض زملائه حتى إنه خرج غاضبا ولم يكمل حضور الجلسة، فهم يعتبرونه مقرباً من النظام السابق، خاصة أنه كان من بين الـ100 شخصية التي أصدرت قبل الثورة بمدة قصيرة بيانا تناشد فيه الرئيس السابق الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2014، إلى جانب صداقته مع أحد كبار المستشارين الموقوفين حالياً في السجن وإخراجه كل عام بمناسبة تولي بن علي السلطة في نوفمبر 1987 أشرطة دعائية تبث في القناة الرسمية للتلفزيون التونسي وينال مقابلها أجراً مرتفعاً. وهناك اليوم من رأى أن في شريط “النخيل الجريح” نقدا لمن كتبوا تاريخ الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة (الذي استعاد بعد الثورة مكانته) وهو في الحقيقة تاريخ مجّد حسب البعض دور الزعيم الراحل وطمس دور بعض المناضلين معه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©